12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

لوحة كانوب و أول تقويم شمسي في العالم

2023/12/23 07:51 PM | المشاهدات: 584


لوحة كانوب و أول تقويم شمسي في العالم
محمود جلال اليماني

تخيل معي أنك تقف أمام لوحة حجرية ضخمة، تزن حوالي ثلاثة أطنان، وتحمل نصا مُكتوبا بثلاث لغات مختلفة. تخيل أن هذا النص يحتوي على معلومات قيِّمة عن تاريخ وثقافة ودين شعب عظيم. تخيل أن هذا النص يُظهر لك كيف كان المصريون القدامى يستخدمون تقويم شمسي دقيق، يتطابق مع تقويمنا الحديث. هذا ليس خيالا، بل حقيقة. هذه اللوحة تُسمى لوحة كانوب، وهي أحد أهم الآثار المصرية في المتحف المصري بالقاهرة. في هذه المقالة، سأشارك معك بعض التفاصيل المُثيرة عن هذه اللوحة، وسأُبَيِّن لكم أهمية وأسرار هذه اللوحة.

اقرأ أيضاً/جزيرة الشاي بالإسكندرية

لوحة كانوب هي أهم قطعة أثرية في المتحف المصري بالقاهرة.  
لوحه كانوب لوح حجري كبير مستطيل يبلغ ارتفاعه حوالي 2 متر وعرضه 1.5 متر. تم اكتشاف اللوحة في عام 1902 في مدينة كوم الحيتان ، التي تقع في دلتا النيل في مصر. وتعود إلى العصور البطلمية (الفترة الزمنية من الفتح الأسكندري حتى الحكم الروماني لمصر). يعتقد أن اللوحة تم إنتاجها في القرن الثاني قبل الميلاد.

اقرأ أيضاً/مجمع الأديان في مصر القديمة
 
هذه اللوحة تحمل نصا واحدًا كُتب بثلاثة كتابات (الهيروغليفية واليونانية القديمة والديموطيقية)، هذا يوفر لنا أمثلة قيمة على الترجمة والتأويل بين اللغات المختلفة في تلك الفترة الزمنية
حيث إنها تضمنت كلمات كثيرة غير تلك التي وردت في حجر رشيد، لذا كان لهذه اللوحة إسهاما واضحًا في زيادة حصيلتنا من كلمات اللغة المصرية القديمة. كما ساعدنا باقي النص علي تاكيد إنشاء أول تقويم شمسي في العالم. استند هذا التقويم إلى ملاحظة أن الشمس تستغرق 365 يومًا للدوران حول الأرض. لوحة كانوب هي أقدم دليل على قيد الحياة لهذا التقويم ، وهو أساس تقويمنا الحديث.

تُعرف هذه اللوحة باسم : " كوم الحصن"، كما تُعرف أيضًا باسم "مرسوم كانوب Decree of Canopus" 
(نسبة لمنطقة كانوب، الموجودة الى الشرق من الإسكندرية، والتي اجتمع بها الكهنة لكتابة المرسوم الملكي المكتوب على سطح هذه اللوحة؛ فعادة ما تُسمى هذه المراسيم بأسماء المدن التي يجتمع فيها الكهنة لإصدارها).

اقرأ أيضا/حياة القدماء المصريين

وصف اللوحة : أعلى اللوحة  تأخذ الشكل شبة المستدير , تم نقش منظر لقرص الشمس المجنح , يتدلى من الشمس ثعبان كوبرا ,رمزية الشمس المجنحة والثعبان:  يعد رمزًا شائعًا في الثقافة المصرية القديمة، حيث كان يرمز إلى إله الشمس رع. وأما الثعبان المتدلى من قرص الشمس، فيمثل رمزًا للحماية والقوة، حيث كانت الكوبرا تُعتبر رمزًا مقدسًا في المصر القديمة.و تحت هذا  المنظر يوجد نقش لعدد من الأرباب و الربات الأسطوريين  ذوى الصبغة المصرية القديمة  ثم نجد تحت هذا المنظر عدداً من السطور المنقوشة  مقسمة إلي 26 سطراً من الرموز الهيروغليفية و تليها 20 سطراً من الكتابات الديموطيقية ( لغة العامة الشعب و هي كتابة سريعة و مختصرة منبثقة من الهيروغليفية ) , و أخيراً النص الأكبر باللغة اليونانية و الذي يصل عدد سطوره إلي 64 سطراً .

حيث أتى هذا النص بحقيقتين:
الأولى " أن الملك أصدر أوامره بأن يتم نقش هذا البيان علي حجر أو صفائح من البرونز باللغتين الهيروغليفية و اليونانية و تعرض للعامة بالمعابد "
و هذه الجملة في النص هي إثبات واضح لحقيقة تاريخية كانت غائبة و هي أنه يوجد هناك أكثر من حجر واحد و نص واحد مترجم و مفسر بالطرق الثلاثة المكتوبة و المنقوشة وبالفعل قد توالى بعد ذلك العثور على المزيد من تلك اللوحات ذات الكتابات الثلاثة وهي ما تُعرف بالمراسيم البطلمية.  "لوحه تانيس" في المتحف المصري تضم الثلاث كتابات"هذه الاكتشافات توفر مزيدًا من الأدلة والمعلومات حول الترجمة والثقافة في تلك الحقبة التاريخية.

الثانية " هي حقيقة علمية مهمة جداً , تحمل عبق الثقافة المصرية القديمة الذي تأثر به البطالمة والرومان و العالم أجمع , و هو علم الفلك و التقاويم السنوية , حيث تم و لأول مرة ذكر عدد أيام السنة بالتحديد و هو 365 يوماً "
وقد استوحى الرومان، على سبيل المثال، تقويمهم المعروف باسم "التقويم اليولياني" من قواعد التقويم الشمسي المصري القديم.

و بالتالي تصبح لوحة  "كوم الحصن" أقدم دليل أثراُ و نصاً يذكر و يحصي عدد الأيام في التقويم الشمسي في التاريخ بهذه الدقة .
هذا الأحصاء الذي أثر في مستقبل العالم استحضر علم الفلك المصري القديم و كيفية وضع المصري القديم خطته الزراعية و مواسم نثر البذور و الحرث و الإنبات و الحصاد و الفيضان و تخصيب التربة بالطمى الغنى , و تقسيم العام إلي مواسم .

إن اللوحة الكانوبية تعتبر أهم من "حجر رشيد"  من حيث المعلومات التاريخية فهي قطعة فريدة وثمينة من التراث المصري القديم، وتحمل العديد من الألغاز والمعلومات التي تساهم فيفهمنا للتاريخ والثقافة المصرية القديمة وتأثيرها على الحضارات اللاحقة