12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

النصيحة: علامة محبة وأسلوب بناء.

2021/01/28 01:13 PM | المشاهدات: 575


النصيحة: علامة محبة وأسلوب بناء.
أحمد ناصر علوان

نص الحديث:
قال رسول اللّٰه ﷺ: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ.

تحقيق الحديث وتخريجه:
هذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، وهذا يعني أنه في درجة عليا من الصحة.

راوي الحديث:
أَبِو رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه-

ترجمة الراوي:
هو أبو رقية تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة بن ذراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم يعني ذلك أنه من بني الدار من قبيلة لخم.
كان -رضي اللّٰه عنه- نصرانيا فأسلم متأخرا في نحو السنة التاسعة من الهجرة، وسكن المدينة منذ إسلامه إلى آخر عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي اللّٰه عنه- فخرج إلى الشام موطنه الأصلي، ومات هناك سنة أربعين من هجرة الهادي ﷺ.
وله مناقب عدة في الإسلام أشهرها أنه الصحابي الوحيد الذي روى عنه رسول الله ﷺ، وروى عن رسول اللّٰه ﷺَ ثمانية عشر حديثا، أي أن له صحبة فيترضى عنه ويقدر ويعظم في الإسلام.

غريب الحديث:
الدين: هو ما يدين به العبد، والمقصود هنا هو دين الإسلام.
النصيحة: في اللغة كلمة دالة على الصلاح والصفاء والنقاء من الفساد والشوائب والعيوب، لذا يقال: توبة نصوحا أي خالصة من الشوائب.
والمقصود بها هنا: التعبد للّٰه بإرادة الخير للمنصوح بدلالته على الخير ومحاولة إبعاده عن الشر، كل ذلك يحدث في ثوب حسن لائق من الناصح والمنصوح معا.
ومعنى "الدين النصيحة" أي كادت النصيحة أن تكون هي الدين كله، أو هي فعلا الدين كله إذا فهمت بأنواعها على ما في هذا الحديث العظيم.
للّٰه: النصيحة للّٰه هي امتثال أمره واجتناب نهيه والسير بالصلاح في خلقه، والنصيحة للّٰه شاملة النصيحة لغير الله أيضا "كتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم"
"ولكتابه" وهو القرآن كلام اللّٰه غير مخلوق، خاتم الكتب والمهيمن عليها، النصيحة لكتاب اللّٰه، بفهمه وتعلّمه وتعليمه، وتدبره والعمل به، وإظهار عظمة اللّٰه فيه، والدفاع عنه بحفظه من التحريف أو التأويل الفاسد، والرد على محاولي العبث به.

ولرسوله: أي رسول اللّٰه ﷺَ محمد بن عبد اللّٰه بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، عبد اللّٰه ورسوله، والنصح له يكون بتعلّم سيرته وتعليمها للناس، وتعلم سنته، وحفظها من أعداءها، والعمل بها، وتعليمها للناس، والصبر على ذلك.
ولأئمة المسلمين: وهم العلماء والأمراء، والنصح للأمراء بطاعتهم في المعروف والصبر على ظلمهم، وتقديم النصح لهم في السر -بينك وبينهم- لا في الجهر، وعدم غيبتهم.
والنصيحة للعلماء بتقديرهم قدرهم، والنصح لهم، وحفظهم في غيبتهم وحضرتهم...
ولعامتهم: أي لعامة المسلمين، والنصح لهم، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وعدم غشهم، والصبر على أذاهم، وحفظ اللسان واليد والقلب عنهم، فلا غيبة ولا نميمة ولا حقد ولا حسد ولا سوء ظن، ولا شماتة "مجتمع صاف نقي طاهر"
اقرأ أيضا:مقدمة سلسلة أسماء اللّٰه الحسنى وصفاته العلى.

شرح الحديث:
لئن كانت الصلاة هي عماد علاقة العبد بربه، فإن النصيحة هي عماد علاقة العبد بأخيه، والنصيحة علامة محبة ودليل إصلاح ورقي، وبها تبنى المجتمعات، إذا كان قبول النصيحة علامة خير في المنصوح ورفضها علامة شر، كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}
والنصيحة قرينة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي كان من أعظم أسباب خيرية هذه الأمة، كما قال اللّٰه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...} وترك النصح كان من أسباب لعن بني إسرائيل...
أتعجب: كيف يستثقل بعض الناس النصيحة وهي علامة الحب والخير؛ فصاحبك حقا ومحبك صدقا هو من يسعى في نصحك ولا يتركك لهواك ونفسك، أتعجب كيف يتركونها وبها صلاح الأمة، ولا تزال الأمة بخير ما أخذ الناصحون بيد المنصوحين فمنعوهم من فسادهم، فكيف إذا ترك المسلمون النصيحة فعم الفساد واستشرى فغلب الصلاح وصار المصلحون غرباء!؟
-وينبغي أن تكون النصيحة في ثوب حسن فيخلص الناصح ويقدمها كذلك، فيقبلها المنصوح.
في هذا الحديث إيحاء بتحريم الغش؛ لأنه خلاف النصيحة، فمن لم ينصح فقد غشّ، والغش أنواع أعظمها الغش في الدين والكذب على اللّٰه ورسوله ثم المسلمين...
فلا تتردد أخي الكريم إذا رأيت فسادا أن تنصح صاحبه، وإذا نصحك أحد أن تقبل نصحه وتشكره، وثق تماما إذا فعلت ذلك أنك على الحق المبين والصراط المستقيم؛ فلا يصدنك نظرة الناس إليك، ولا صدهم لك، ولا تستوحش كثرة الفساد.
ولا ينبغي أبدا أن ينظر للناصح على أنه متدخل في ما لا يعنيه، أو منتقص من حرية أحد، أو ظالم للمنصوح أو معتدٍ عليه؛ لأن هذه النظرة مائلة مع الفساد والانحراف، طاغية على الحق والعدل، ولا ينبغي النظر لقابل النصيحة على أنه ضعيف، بل هو في قمة القوة والانتصار حين بلغته قوته لينتصر على نفسه، ويقبل نصح الناصحين، ونسأل اللّٰه أن يجعلنا من الناصحين له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والحمدللّٰه رب العالمين.