ولد نيرون عام 37 في مصيف أنزيو الأرستقراطي قرب روما و كان أبيه أحد موظفي الضرائب الذين عرفوا بالنصب و البلطجة و قد توفي و نيرون عمره ثلاثة أعوام فقط و قد تكفلت به عمته و ربته علي يد الفيلسوف سينيكا* و قدأظهر نيرون منذ طفولته ميولا فنية كبيرة فقد هوي الرسم و الموسيقي و الغناء و كتابة الشعر و تحدث اليونانية إلي جانب اللاتينية.
و كان نيرون يعتبر نفسه شاعرا و أديبا و مغنيا و ممثلا و كانت له بديهة حاضرة و قد عرف بصغر جسمه و شعره المجهج و لحيته الشقراء و كانت عيناه زرقاوتان و جبهته عريضة و أنفه أفطس و رقبته سميكة و كان يلبس علي الدوام روبا واسعا و منشقا و في قدميه صندلا.
كانت أم نيرون جميلة و لكنها عنيدة و قاسية و بعد وفاة زوجها بعدة أعوام تزوجت حاكم روما في ذلك الوقت "كلودياس"بعد أن قام بقتل زوجته الأولي بعد أن علم بخيانتها له.
إقرأ أيضاً/الجعران فى مصر القديمة
و قد قامت "أجريبينا" والدة نيرون بالتأثير علي "كلودياس" بأن يضم نيرون ابنها إلي عضوية العائلة المالكة و أن يكون ولي عهده بدلا عن ابنه "بريتانيكس".
و يقال أنه بعد خمسة أعوام قد أراد "كلودياس" أن يحيد عن قراره في جعل نيرون ابن زوجته وليا لعهده بدلا عن ابنه و أن هذا هو سبب تسميم "أجريبينا" له عام 54 بطبق من عيش الغراب.
و قد زوجته أمه و هو في الخامسة عشر من عمره من ابنة كلودياس "أوكتافيا" و كانت هي في الثانية عشرة من عمرها و لكن اتضح لنيرون بعد ذلك طبيعة شخص أوكتافيا و أنها كتومة و تميل للهدوء و لذلك فقد تعلق بزوجة صديقه "أوتو" بعد أن قام بإرساله إلي ليزيتانيا و قد اتخذ زوجته عشيقة له و هي "بوبيا سابينا" و قد قام بنفي زوجته "أوكتافيا" إلي جزيرة نائية بعد توليه الإمبراطورية و أمر عام 60 بقتلها و قد تزوج من عشيقته عام 62 و لكنه قتلها ركلا بالقدم بعن أن علم بحملها منه.
بعد تولي نيرون الحكم اتخذ مربيه و معلمه مستشارا له و قد عمل سينيكا علي لجم أهوائه الشريرة و لذلك نري العدالة التي انتشرت في السنوات الحكم الأولي لنيرون فقد أمر بخفض الضرائب علي الأفراد و جعل للعجزة معاشا و أرسل إلي الولايات حكاما عادلين و قد أحب الرومانيون نيرون في بداية حكمه فقد وفر لهم العدالة و الأمن إلي جانب اللهو أيضافقد كان يقيم في السرك الأعظم سباقات كبري للدراجات الحربية و المصارعة حيث يتقاتل المصارعين الرومانيين مع أنفسهم أو مع وحوش مختلفة و هذا النوع من المصارعات لم يكن يعجب سينيكا و كان يقول عنها :"لا هروب فيها للمصارع إلا بالموت".
و قد أخد رئيس حرس نيرون يتقرب منه و يؤثر عليه فقد كان "تيجلينوس" فاسدا شريرا و قد أفسد علاقة نيرون بالسينات و الأرستقراطية الرومانية ثم الجيش و عامة الشعب فبدأت تظهر مظالم نيرون علي السلطة و الشعب و أهوائه الشريرة و قد قتل الكثير من أشراف الرومان و عامتهم و استولي علي أموالهم للإنفاق علي أهوائه و بعد أن قام بإسراف جميع أموال خزينة الإمبراطورية أخذ يستولي علي أموال الأفراد و المعابد و قد هبط في عهده النقد الذهبي و الفضي للدولة.
إقرأ أيضاً/معبد كوم ماضى الجزء الثانى
و بعد أن كان نيرون محبوبا من شعبه يقوم بإحجام الضرائب و يقيم الحفلات لتسليتهم و يهوي الأدب و الغناء و التمثيل و الموسيقي و الشعر أصبح مكروها من شعبه ينتقدونه و يسخرون منه أما حاشيته فكانوا يهابونه و يتفادونه قدر الإمكان و بتجنبون الصدام معه فلما بدأ يشعر بغضب الشعب نحوه و كراهيتهم له قرر أن يقتل ابن كلودياس عام 55 و كان ابن كلودياس وقتها في الرابعة عشر من عمره فقدم له السم في طعامه في وليمة كبيرة قام بإعدادها حضرها أشراف روما و عسكرها.
و عندما بدأت تشعر أمه بانشغاله عنها ظن هو الآخر أنها تريد التخل في شؤون الحكم فقاطعها و أخذ يضيق عليها و حرمها من حرسها و حاشيتها و قام بتحريض بعض من حاصته بالتعدي عليها و مقاضاتها و هي قد فرت من رومات إلي نواح مختلفة و هو أخذ يرسل لها من يسبها و يهينها و قد حاول قتلها ثلاثة مرات أولا بالسم و ثانيا بالخنجر و هي نائمة علي سريرها و ثالثا محاولة إغراق قاربها في البحر و عندما نجت من الأخيرة أرسلت رسولا لابنها تستغيث به و تخبره أن من هناك يحاول التخلص منها ظنا منها أنه سيحميها و لكنه ادعي أن الرسول قد حاول قتله فقام بقتل رسولها و قتلها.
و أما عن حريق روما فقد كان مساء 18 يوليو عام 64 و قد بدأ الحريق في بعض المتاجر القريبة من السيرك الأعظم و استمر تسعة أيام كاملة و قد دمر تلك الأحياء تدميرا كاملا و أصاب سبعة أخري بأضرار بالغة و قتل و تشريد مئات الآلات من الشعب.
إقرأ أيضاً/باستت
و يقال أن نيرون هو من قام بافتعال الحريق في روما و قد كان وقتها في مصيف أنزو و عندما سمع بالحريق سارع إلي روما و ذهب إلي إحدي تلالها مرتديا ثياب الممثلين و أخذ يعزف علي قيثاره و يقال أن اللهب قد أثار جنونه فأراد أن يلصق الحريق إلي مواطن مسيحي حيث اضطهد المسيحيين في ذلك الوقت و عن المؤرخ تاكيتس يقول:
"أمر نيرون بتغطية المسيحيين بجلود الحيوانات و سلط عليهم الكلاب و الحيوانات المتوحشة فقطعتهم أشلاء و أمر بتثبيت غيرهم علي الصلبان و أريق عليهم الزيت و أشعلوا في الليل كالمشاعل و كان المبراطور يشرف علي هذه المشاهد بنفسه و هو يرتدي حلة قائدي العربات الحربية و يختلط مرحا بين جموع الرومان المحتشدين"
و عن موت نيرون يذكر أنه عندا جاءت أخبار ثورة الغال دعا نيرون مستشاريه و بحث معهم في الأزمة و قضي نهاره في فحص أرغون هيدروليكي جاءه أخيرا و شرح طريقة عمله و تجربته لمستشاريه.
سمع بعد ذلك أن قائده في أسبانيا "جالبا" قد ثار هو الآخر مع جنوده فغضب غضبا شديا و حاول أن يبتلع سم لاكوستا و طلب ممن حوله أن يساندوه في ابتلاعه و لكنهم منعوه عن فعل ذلك.
و في منتصف الليل صحا من نومه فوجد أن الجميع قد هربوا و قد سرقوا السم و حتي أغطية سريره.
و قد خرج بعد ذلك علي غير هدي من قصره و وجد أربعة من عبيده الذين كانوا مخلصين له و سارعوا إليه و ساعدوه علي الاختباء في كوخ ريفي يمتلكه أحدهم و قد هم متخفيا إلي الكوخ و قد أنزوي في أحد أركانه و لكن بعد ذلك اهتزت الأرض من تحت قدميه حيث قد أصاب البلاد زلزال في ذلك الوقت و تهاوي إلي سمعه صوت الحرس البيروتوري و هو يقترب من الكوخ فخرج من مخبأه و طلب من عبيده أن يحفروا له قبرا و يغطوا قاعه بالرخام و بعد أن أعدوا له ما أراد جاءه نبأ أن السينات قد أعلنه عدوا للشعب و أنه سيعاقبه عقابا فظيعا و سأل عن طبيعة هذا العقاب فعلم أنه سوف تنزع عنه ملابسه و يثبت رأسه وسط خشبتين و يجلد حتي الموت.
فانتزع خنجرا من أحد رفقائه و قد قام بقطع عنقه به و هكذا قد مات الطاغية عام 68 و كان عمره 31 عاما.
*لوشيوس سينيكا فيلسوف و أديب روماني من أصل أسباني و يعتبر أعظم فلاسفة الرومان بعد شيشرون ولد في 4 ق.م و أختير مربيا لنيرون ثم مستشارا له بعد توليه حكم روما و قد كافئه نيرون عام 57 بتعيينه عضوا بمجلس السينات و لكن سنيكا أخذ يبتعد عن نيرون منذ عام 62 لغير سبب معروف ثم اتهمه نيرون الاشتراك في مؤامرة ضده و أمره بالانتحار فقطع سينيكا شرايين يديه و نزف حتي الموت.