12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

العولمة في الفكر الثقافي و الاجتماعي

2021/10/22 08:48 PM | المشاهدات: 490


العولمة في الفكر الثقافي و الاجتماعي
بسمة أسامة

تفرض (العولمة) نفسها على الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً، فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً، تربوياً وتعليمياً. وهي بذلك من الموضوعات التي تحتاج معالجتها إلى قدر كبير من الفهم لعمقها وجوهرها، والإدراك لبُعدها وغايتها، والوقوف على ما تنطوي عليه السياسات التي تتحكّم فيها وتقودها، وتتحمّس لها وتدعو إليها، وتمهد للتمكين لها، بشتى الطرق وبمختلف الوسائل

 ‏ولقد أجمعت الدراسات الحديثة لنظام العولمة الذي أصبح اليوم نظاماً يشكّل ظاهرة كونية، إن صحَّ التعبير، على اعتبار الخطر الأكبر الذي تنطوي عليه العولمة، هو محو الهويات الثقافية للشعوب، وطمس الخصوصيات الحضارية للأمم

اقرأ أيضاً: الانجراف خلف الأهواء

 

 

ما العولمة ؟

على تعدّد الشروح وتنوّع التفسيرات التي حاول بها مفكرو العصر من المشتغلين بالفكر السياسي في اتجاهاته الثقافية والاجتماعية فهم العولمة وتفسيرها، فإنَّ أجمع شرح للعولمة وأعمق تفسير لدلالاتها ومضامينها، لا يخرجان عن اعتبار العولمة في دلالتها اللغوية أولاً هي جعل الشيء عالمياً، بما يعني ذلك من جعل العالم كلِّه وكأنه في منظومة واحدة متكاملة. وهذا هو المعنى الذي حدّده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة GLOBALIZATION في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح MONDIALISATION، ووضعت كلمة (العولمة) في اللغة العربية مقابلاً حديثاً للدلالة على هذا المفهوم الجديد.

 

اقرأ أيضاً: كنت لي خير داعم

 

 

ومهما تعدّدت السياقات التي ترد فيها (العولمة)، فإن المفهوم الذي يعبّر عنه الجميع، في اللغات الحيّة كافة، هو الإتجاه نحو السيطرة على العالم وجعله في نسق واحد. ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً لقد رجعت إلى المعجم العالمي الشهير (ويبسترز WEBSTERصS)، فوجدت فيه أن العولمة (GLOBALIZATION) هي إكسابُ الشيء طابعَ العالمية، وبخاصة جعل نطاق الشيء، أو تطبيقه، عالمياً ولكني ألفيتُ أن هذا المعنى شديد البراءة بالغُ الحيدة، لا ينسجم في عمقه مع دلالة اللفظ ومفهوم المصطلح، كما يُشاع ويتردد في العالم اليوم. ولذلك فإن المفهومَ السياسيَّ والثقافيَّ والاِقتصاديَّ للعولمة، لا يتحدّد بالقدر اللازم، إلا إذا نظرنا إليه من خلال رؤية عامة تدخل في نطاقها جميعُ المتغيّرات السياسية والثقافية والاِقتصادية التي يعيشها العالم منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين 

فهل العولمة خطر؟. وهل العولمة شرٌّ كلُّها؟، وهل يوجد مجالٌ للاختيار أمام تيار العولمة الجارف المدعم بالنفوذ السياسي الضاغط والهيمنة الاِقتصادية القاهرة؟.

لقد اعتنى المفكرون، من شتى المشارب، سواء من العالم الإسلامي، أو من مختلف أنحاء العالم، بالتأصيل والتقعيد والتنظير للعولمة. 

وحسبنا أن نقول إن العولمة نظام عالميّ آخذ في الغزو والاِكتساح، وهو بهذا الاِعتبار حقيقةٌ من حقائق هذه المرحلة من التاريخ.

ولعلَّ أبرز ملامح العولمة هي ما يتبدَّى لنا من خلال التطورات المدهشة التي تعرفها مجالات الاِتصال والتواصل عبر الأقمار الصناعية والحاسوب والأنترنت، وذلك على النحو التالي :

عمق التأثير في الثقافات وفي السلوك الاجتماعي وفي أنماط المعيشة.

اتساع دائرة الخيارات الاِقتصادية من خلال حركة الاِستثمارات الدولية والأسواق المفتوحة، وتضييق دائرة الخيارات السياسية من حيث تضاؤل القدرة على الاِكتفاء الذاتي اقتصادياً، ومن حيث تزايد معطيات التداخل الاِستقلالي سياسياً.

 نموُّ ما أصبح يُعرف باسم القطيع الإلكتروني (ELECTRONIC HERD) من مؤسسات متعددة الجنسيات، وحتى من أفراد يبحثون عن الربح ويؤثّرون في قرارات الدول وفي مصائر شعوبها.

 ‏تسخير أدوات العولمة بكيفية تمكّن منتجي هذه الأدوات من الطغيان على المستهلكين والمتلقين بحيث تؤثر في إلغاء لغاتهم الخاصة وفي طمس هوياتهم الوطنية.

 ‏وبذلك يكون للعولمة قدرات استثنائية للتغلغل وبالتالي للتأثير. ومن الشهادات التي تؤكد هيمنة العولمة على مقدرات الحكومات والشعوب، ما جاء في كلمة للرئيس الفرنسي جاك شيراك، ألقاها بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي (14 يوليو 2000)، حيث قال : "إن العولمة بحاجة إلى ضبط، لأنها تنتج شروخاً اجتماعية كبيرة، وهي وإن كانت عاملَ تقدُّمٍ، فهي تثير أيضاً مخاطر جدّية ينبغي التفكير فيها جيداً، ومن هذه المخاطر ثلاثة : أولها أنها تزيد ظاهرة الإقصاء الاِجتماعي، وثانيها أنها تنمي الجريمة العالمية، وثالثها أنها تهدد أنظمتنا الاِقتصادية" 

 ‏والواقع أن العولمة جزءٌ من نظام عالمي تخضع له الشعوب والحكومات، ولا يملك أحدٌ منها أن يقف بمنأى عنه. ولذلك فإن العامل النفسي هو الذي يجعلنا نتردد، ونرتاب، ونرتعب أيضاً، ونقف مشدوهين مبهورين لا نريم. فإذا عالجنا الآثار النفسية المترتبة على الموقف الذي نتخذه إزاء ما يعجُّ به عالمنا اليوم، بمنتهى الحكمة، وبقدرٍ كبيرٍ من الرشد الحضاري والوعي الإنساني، أمكننا أن نواجه الواقع

اقرأ أيضاً: لا تتركني وحيدة