12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

من أين جاءت أمريكا؟ 

2020/11/30 02:26 PM | المشاهدات: 546


من أين جاءت أمريكا؟ 
أحمد السندري

الطبيعة تتغير في شكلها تلقائيًا من حيث معالمها كلها على مر سنين طويلة مما لا يدع مجالًا لأن نلاحظ ذلك، ولكن من خلال الدراسات ومن الحقائق التي توصلت وتتوصل إليها العلماء وتُدوَّن في الكتب نعلم ذلك، فمنذ مئات السنين قد كان اكتشاف القارات أحد الأحداث الجليلة التي تحدث ضجيجًا، والتي يتوصل إليها الرحالة والمستكشفون من خلال دراسات ونظريات، الأمر الذي يبدو مخاطرة كبيرة قد يلاقي المستكشف رفضًا مُحبِطا حياله.

 

كريستوفر كولومبس cristoforo colombo، أو كرستف كلمب، رحّالة وبحّار فضلاً عن كونه مستكشفًا إيطاليًا، وُلد في جنوة عام ١٤٥١م، درس العلوم الطبيعية في جامعة بافيا، عاش حياته في مخاطرات عدة في استكشافاته فكانت أولى استكشافاته "جزر باهاماس" في الثاني عشر من أكتوبر ١٤٩٢م وأطلق عليها اسم "سان سلفادور" وكان اسمها الأصلي "غوانا هاني" وقد كانت هذه أولى خطواته وصولًا إلى كوبا في الثامن والعشرين من أكتوبر، ومن ثمّ عادت السفينتان بينتا ونينيا إلى ميناء إسبانيا حيث البدء لتستغرق ما يقارب ثلاثة أشهر في عودتها، وكانت هذه الرحلة أولى الرحلات التي استغرقت هذه المدة من الإبحار في ذلك العصر. 

 

اقرأ أيضًا:اختلَّ عقلي كيف ينتصر الحرام؟!

 

في رحلته الثانية كان الحدث الأهم الذي جعله يُلقب بمكتشف الأمريكيتين"العالم الجديد"، وهو اكتشاف القارة الأمريكية الشمالية، رغم أنه لاقى حتى من قبل الرحلة الأولى رفضًا لأكثر من مرة من أكثر ملك لأكثر من بلد، حيث عرض تلك الرحلة على مجلس الشيوخ في جنوة فتم رفضها، وكذلك الملك السابع "هنزي" في إنجلترا آنذاك، وفي المرة الثالثة لجأ إلى الملك البرتغالي جواو الثاني، والذي رفض أو صد الباب في وجهه لتكون المحاولة الثالثة لكولومبوس. 

 

لم يهدأ بال كريستوفر ولم يتخلَ عن المخاطرة رغم أنه لا يملك إلا نظرياته التي توصل إليها من خلال دراساته ومعرفته لخطوط الطول والعرض، فذهب في الرابعة إلى إسبانيا، فوجد فيها الترحيب بما يريد، وفي الثلاثين من إبريل ١٤٩٢م اتفق مع ملِكي إسبانيا فرناندو الثاني ملك أراغون، وإزابيلا الأولى ملكة قشتالة، ووقعا الملكان الكاثوليكيان الإسبانيان مع كررستوفر اتفاقية جاء فيها أنه مكتشف للجزر والقارات في البحر والمحيط، ويمنح درجة أمير البحار والمحيطات بقرار ملكي يسري في جميع البلاد ويضاف إلى ذلك أنه مُنح(٪1‪0‪( من الذهب الذي يأتي به. 

 

كانت دوافع كولومبوس من تلك الرحلة أكبر من أن يؤثر في نفسه الرفض الذي تعرض له بالسلب فتنحيه جانبًا عما يريد، وكثرة محاولاته في إيجاد من يموِّله بالسفن والبحّارة والمال، فأما عن الدافع فكان يريد الشهرة ولأن الرحلات فيها اكتشاف للذهب فكان من دوافعه أيضاً الثراء، وساهم تعصبه لكاثوليكيته في تمسكه بمغامراته؛ حيث ولد عنده الرغبة في إيجاد طرق غير الطرق التي تمر ببلاد المحمدين، وعلى حد تعبيره في مدوناته أنه بذل من الجهد الكثير في الدراسة البحرية العلمية الحديثة، واعتمد في ذلك على أحدث الخرائط لعلماء عصره، منهم الإيطالي باولو توسكانيلي والألماني مارتين بهايم(أرجو ألا تكون بفتح الباء)، وكلٌ منهما متخصص في الرياضيات والفلك.

 

اقرأ أيضًا:علاقة الشباب بالطبيعة ؟! هل هناك علاقة في الأصل؟

 

اعتقد بذلك أنه قد وصل إلى ما تسمى بالهند الغربية، وكانت رحلته موفقة حيث عاد بالذهب فضلاً عن أنه توصل إلى العديد من الجزر وكان ملكان إسبانيا في غاية السعادة لما توصل إليه، ولم يقف كولومبوس عند هذا الحد من الاكتشافات بل عاد ليبحر في موانئ إسبانيا باسطول مكون من سبع عشرة سفينة وعليها خمسمائة بحارًا، ولم تبوء هذه الرحلة بالفشل هى الأخرى بل كان موفق فيها أيضاً؛ حيث توصل إلى جزر جديدة منها الجزر منها المعروفة بجزر الأنتيل، ومن بعدها البحر الكاريبي، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى الهند، فقد وصل في شهر مايو ١٤٩٤م إلى جامايكا وغيرها من الجزر الواقعة على جنوب القارة الأمريكية، وبذلك قد توصل إلى أهم الاكتشافات، وأهم الطرق البحرية الجديدة، وتم وضع خرائط ورسومات وفقا لذلك، ولم يدرك يوماً ما كولومبوس أنه لم يصل إلى الهند، ولكن قد اكتشف أمريكا الشمالية. 

 

رغم حمله لقب مكتشف الأمريكتين في العرف الثقافي الشعبي إلا ذلك خطأ تاريخيًا حيث هناك من الأدلة التي تثبت أن أو من وصل إلى القارة الأمريكية هم شعوبها الأصليين، وهناك من الأدلة الأثرية والوراثية تقول أن القارتين الشمالية والجنوبية آخر قارتين يسكنها البشر، وتشير الدراسات الوراثية للشعوب الأصلية أن السكان الأصليين للأمريكيين يشاركون سلفاً متمثلاً بمجموعة سكانية واحدة تطورت من الانعزال الحاصل في بيرنجيا، وليس حتى كولومبوس هو الذي اكتشف الأمريكتين من الأوروبيين؛ حيث عُثر على أدلة وثقّت أن الفاينج وصل إلى لانس أو ميدوز في جزيرة نيوفاوندلاند الواقعة حالياً في كندا، ما يعني أن الفاينج سبقوا كولومبوس في ذلك بخمسمائة سنة قبله. 

 

اقرأ أيضًا:العظام يقاومون سيئة الأيام

 

ومات في معركة مع مرض ألم بقلبه بعد أن عارك أمواج البحر برحلاته وسفنه، في العشرين من مايو ١٥٠٦م، ودفن دون المراسم الجنائزية التي عهدها علماء ومكتشفو عصره، وفي عام ٢٠٠٦ أعلنت نتائج قام بها فريق من جامعة غرناطة تفيد أن عظام الشخص المدفون في كاتدرائية إشبيلية تعود إلى كولومبوس. 

 

وعلى الرغم من أن كولومبوس هو الذي اكتشف أمريكا العالم الجديد إلا أنها لم تسمَ على اسمه بل سميت على اسم من أكد أن كولومبوس لم يصل إلى الهند ولكنه قد وصل إلى العالم الجديد ١٥٠٧م أمريجو فيسبوتشي، وقام الجعرافي الألماني مارتن فالدسميلر برسم خريطة العالم الجديد كما رآه ووصفه فيسبوتشي،وكأن من نصيب كولومبوس أن تكون كولومبيا في اسمها نسبة إليه، وفي ٢٠٠٧ احتل المركز الثالث كأعظم شخصية إسبانيا في التاريخ رغم أنه كان إيطاليًا، في استفتاء الإسباني التاريخي التي أجرته قناة أنتينا الإسبانية.