12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

النسيج القبطي

2020/10/09 10:43 PM | المشاهدات: 1631


النسيج القبطي
ميرنا عبدالوهاب الغنام

القباطي هو الاسم الذي أطلقه العرب على النسيج المصري أي الشهرة الواسعة نسبة إلى أهلها ( القبط) فقد ورد ذكر هذا اللفظ في كثير من المراجع العربية القديمة .
فقد ذكر المقريزي " أن المقوقس أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أهدى قباء وعشرين ثوبًا من قباطي مصر ، كما كسى الخلفاء الكعبة بالقباطي المصرية ".
وقد ظل هذا اللفظ ( القباطي) مستعملًا في المراجع العربية طوال الفترة التي سادت فيها هذه الطريقة الفنية في زخرفة المنسوجات في العصر الفاطمي، فقد ذكر أبو المحاسن أنه في السنة الحادية عشرة من حكم الحاكم( 397هجرية / 1106ميلادية ) كسى الكعبة بالقباطي ، ولما ظهرت طرق فنية أخرى غير هذه الطريقة اختفى لفظ القباطي. 
على أن هذه الطريقة(القباطي) قد بعثت من جديد في زخرفة المنسوجات بفرنسا في القرن السابع عشر في عهد لويس الرابع عشر وأخذت اسمًا جديدًا هو جوبلان (Gobelin)  كذلك في النسيج الذي عرف بالأبيسون(Aubisson) نسبة إلى مدينة أوبيسون بفرنسا وزخارفه منسوجة بطريقة القباطي .
وإذا تتبعنا نشأة هذا النوع من النسيج ( القباطي ) تبين لنا أنه وجد في مصر منذ العصر الفرعوني ، واستمر خلال عصورها التاريخية دون انقطاع وفي تطور مستمر إلى العصر القباطي ، فالعصر الإسلامي بل وإلى الآن فإنه يستعمل في صناعة الأكلمة، وعلى ذلك فيمكننا القول بأن نسيج القباطي مصري النشأة والفكرة الوسيلة.

طريقة النسيج :

يعتبر نسيج القباطي أقدم المنسوجات المزخرفة ، وأنه أول محاولة للحصول على أول زخرفة نسيجية مكونة من لونين أو أكثر ، وإن وسيلة صنعه تعد من أبسط الوسائل التي أتبعت في صنع أقمشة مزخرفة النسيج إذ لا يحتاج نسجها إلى أكثر من تقسيم خيوط السدى إلى فريقين متساووين في العدد ( خطوط فردية وخطوط زوجية ) ويتحركان بالتبادل بواسطة دائرتين، أو ما يقوم مقامهما وتحدث الزخرفة عن طريق استعمال لحمات ملونة تنسج جميعها غير ممتدة في عرضه وبذلك يتم التكوين الزخرفي له . 
ومن المميزات التطبيقية التي يمتاز بها قباطي مصر هو أن الفنان المصري كان له قدرة فائقة في استعمال خيوط اللحمة بمنتهى الحرية فإننا نجد خيوط اللحمة فيها خيوط السدى في زاوية حادة حتى ليخيل لنا أنها ( أي اللحمة) تكاد توازن السداء وبهذا استطاع النساج أن ينسج الأشكال المستديرة كما لو كانت مرسومة ، بينما نجد النساج خارج مصر ينسجها بشكل متدرج على شكل سلم أي أن اللحمة تقطع السدى في زاوية قائمة وذلك أسهل في الأداء. 
كذلك يمتاز القباطي المصري بوجود الشقوق التي تحدث عن تغير خيوط اللحمة في الأشكال التي بها خيوط رأسية فنجد النساج المصري يترك هذا الشق عادة إلا إذا كان كبيرًا فإنه يوصله في مسافات متباعدة غير منتظمة وقد كان النساج في القرن السادس يترك هذا الشق مهما يكن طويلًا ثم يخيطه بالإبرة بعد ذلك إما بغرزة غير مرئية ( مسحورة ) أو بغرزة من غرز التطريز الجميلة. 
أما خارج مصر فقد تلاقى النساج وجود هذه الشقوق بنسج اللحمتين المتجاورتين على سداة واحدة وبأشكال منتظمة ومنها ما يشبه أسنان المشط ومنها ما يشبه أسنان المنشار. 
وقد يظن البعض أن وجود الشقوق في النسيج دليل على ضعف النسيج ولكن في الحقيقة غير ذلك ، فمن الثابت أن نسيج القباطي في مصر قد تطور تطورًا لم يصل إليه فن النسيج في دولة أخرى ، ووجود الشقوق يرجع إلى رغبة النساج في عمل الأشكال الرأسية خطًا مستقيمًا غير متعرج وهذا ما يحدث الآن في القرن العشرين في نسيج الجوبلان إذ تترك الشقوق ثم تخاط عند نسيج القطعة بغرزة غير مرئية ( مسحورة) .

المواد الخام :

إن المواد الخام التي صنعت منها منسوجات القباطي هي الكتان والصوف، أما الكتان فمن الثابت أنه كان الخامة الرئيسية في النسيج المصري ، ولذلك فهو يكون الجزء الأكبر من الثوب أو النسيج السادة ، أما الجزء المزخرف فيكون من الخيوط الصوفية الملونة ويندر أن يكون من الخيوط الكتانية. 
وقد كان الكتان المستعمل في النسيج السادة دائمًا بلونه الطبيعي مع شيء بسيط من التبييض، و كثيرًا ما نجد الكتان مستعملًا كسداة من القطع الصوفية وذلك لمتانة الكتان ، أما الصوف فكان يستعمل في الزخرفة ومن المرجح أن تكون الأثواب الصوفية متأخرة ومن إنتاج مدن مصر العليا حيث يكثر الصوف ويكون المادة الرئيسية فيها ، وقد كان النسيج الصوفي سادة عادة باللون الأبيض والكحلي ويندر أن يكون الأرجواني الداكن أما الزخارف فكانت تنسج بخيوط صوفية متعددة الألوان وخصوصًا في القطع ذات الطراز القبطي .
أما الحرير فيندر وجوده في قباطي هذه الفترة ويرجع السبب في ذلك إلى قلة خامات الحرير وغلائها ولإعتبار رجال الدين أن لبسها مناف للرجولة. 
وقد ورد ذكر القطن في كثير من المراجع أنه كان يوجد بمصر ولكن لم يثبت حتى الآن بالدليل المادي أنه كان يستخدم في صناعة النسيج .

طريقة الغزل :

لقد أولى علماء الآثار طريقة الغزل كثيرًا من إهتمامهم واتخذوا دليلًا لنسبة قطعة ما من نسيج إلى بلد بذاته فقد أجمع كل من تعرض للكتابة عن الخيوط المغزولة سواء أكانت من الكتان أو من الصوف على أن ما برم منها جهة اليسار كان بمصر ويرمزون إليها بحرف (S) وأن الخيوط التي غزلت إلى جهة اليمين كانت من الخارج أي بآسيا ويرمزون إليها بحرف (Z) .

مركز صناعة النسيج في العصر القبطي:

لما كان الفن القبطي فنًا شعبيًا لا يخضع لرقابة الحكومة وقيودها فإن صناعة النسيج لم تقتصر على العواصم بل انتشرت في طول البلاد وعرضها ، فكانت المنسوجات الكتانية تنسج في مدن مصر السفلى وذلك لملائمة الجو لها ، وقد ورد ذكر كثير منها في مراجع العصر الروماني والإسلامي مثل مدينة الأسكندرية وتنيس وكانت تنسج بها أدق أنواع الكتان ، كذلك إشتهرت مدينة بويرة و شطا و دميرة و دمياك و الأشمونين بصناعة المنسوجات الكتانية وكلها في مدن مصر السفلى .
أما صناعة المنسوجات الصوفية فكانت تنتشر في مدن مصر العليا وأهم مدنها مدينة أخميم وقرية الشيخ عبادة و البهنسا و الفيوم ، و بعض هذه المراكز لا يزال قائمًا حتى الآن .