12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

توأم نفسك 

2021/01/24 04:36 PM | المشاهدات: 1823


توأم نفسك 
منة الله محمد

 هل تخيلت يومًا أن تكون شخصين أو أكثر في نفس الجسد! أو من الممكن أن تحمل فصيلتي دم مختلفتين؟ أو أن الـ DNA الخاص بك لا يتطابق نهائيًا لوالدتك؟

لِمَ لَمْ تتساءل يومًا عن سبب وجود أشخاص لديهم اختلاف في حجم العينين، وامتلاك بعض الحيوانات لوني عينين مختلفتين، أو أن يحمل الذكر جينات أنثوية والأنثى جينات ذكورية، دعك من كل ذلك ولتجيب عن سؤالي هذا "لِمَ فتحتي أنفك ليستا متطابقتين" !

حقًا إنها تساؤلات شائكة يمكن أن تدور في عقول الكثير، وقد يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء في البداية ولكن لا داعي للقلق الآن، فأن كل ما يدور في عقلك هو قابل للشرح. 

 

• بدأ الأمر في الوضوح والانتشار عام ٢٠٠٢ عندما قدمت السيدة "ليديا فيرتشايلد" أم لطفلين وحامل بمولودها الثالث لطلب الدعم المادي من الخدمات الإجتماعية بعد طلاقها من زوجها "جيمي" والتي كانت من الاجراءات الخاصة بها فحص الـ DNA لكل أفراد العائلة، ولكن الصدمة كانت حين أخبروها أن "جيمي" طليقها هو أب الأبناء، وأن الفحوصات تؤكد أن "ليديا" ليست الأم! وبدأت الاتهامات تتتالى على رأس "ليديا"، ولم يسلم "جيمي" أيضًا من تلك الاتهامات فقد تم استدعاؤه إلى التحقيق، لكن اصابتهم الدهشة بسبب أقواله المتطابقة كُليًا مع أقوال طليقته "ليديا"، وتم إعادة فحص الـ DNA مرة أخرى بناءًا على طلب النائب العام بمكتبه لتفادي حدوث أي خطأ أو تلاعب، وأُرسلت العينات إلى ثلاث مراكز مختلفة ولكن جميعهم كانوا نفس النتيجة، "جيمي" هو الأب و "ليديا" ليست الأم، وبدأت المحكمة بإجراء ضد "ليديا" وأخذ الأولاد منها وتركهم مع عائلات آخرى. 

 

 

إقرأ أيضًا/مؤامرة الحريم

 

 

مما لا شك أن "ليديا" كانت تعاني أشد أنواع الاكتئاب مما حدث، والخوف الذي لا يوصف من فقدان أبنائها، ولكن تزامن وقت ولادتها مع وقت القضية وأتى موعد ولادتها الطفل الثالث، والذي كان ينتظره النائب العام كي يثبت من تحاليل الـ DNA للمولود اتهامه تجاه "ليديا" ، فإن الحمض النووي للمولود سيكون مطابقًا "ليديا". 

حضرت بعثة طبية من مختبر التحاليل ولادة "ليديا" بالإضافة إلى النائب العام، وبعد الولادة وخروج الطفل من رحم "ليديا" مباشرةً تم أخذ العينات للفحص، وبعد أسبوعين كانت نتيجة التحاليل في صالح "ليديا" حيث أنها ليست الأم وأن "جيمي" هو الأب، ولكن كيف حدث ذلك! 

لم تسلم ليديا من اتهامات النائب العام، فهو كان يشك أن الطفل الثالث هو عبارة عن طفل أنبوب من بويضة لسيدة أخرى تم زراعته في رحم ليديا، مما يجعل "ليديا" أم حاضنة فقط ولذلك لم يتطابق الحمض النووي لأبنائها معاها، ولكن "ليديا" نفت كل هذه الاتهامات وثبتت على موقفها وكونها أم لثلاث أبناء. 

ولكن للقدر رأي آخر، فلحسن حظها أصدرت مجلة "The New england journal of medecin " مقالًا شد انتباه النائب العام وجعله يطلب من "ليديا" ومحاميها الخاص البحث في هذا الموضوع فهو يعتبر نجدتها الوحيدة للخروج من هذه الأزمة وإثبات براءتها واحتضان أولادها مرة أخرى. 

وتذهب أحداث المقال إلى عام ١٩٩٨ للسيدة "كارين كيغان" وهي أم لثلاثة شباب، وكانت تعاني من فشل كلوي وتحتاج إلى زرع كلية فورًا لتدهور حالتها الصحية، وحين ذهبت مع أبناءها وزوجها إلى المشفى من أجل عمل الفحوصات اللازمة كانت نتيجة التحاليل تؤكد أن الحمض النووي لاثنين من أبناءها لا يتطابق نهائيًا لكارين والابن الآخر حمضه النووي مطابق لكارين!

 

 

 

إقرأ أيضًا/المصرى القديم وإستخدام العسل

 

 

 

وبعد بحث موسع والكثير من الفحوصات والتحاليل وجد الأطباء عينة من أنسجة الغدة الدرقية لكارين تتطابق حمضها النووي مع أبنائها، وتم اكتشاف أن كارين هي "الأخت التوأم لنفسها"، وتكون هذة الحالة من الحالات نادرة الاكتشاف التي تسمى "كايميرا". 

 

• الكايميرا هي حالة نادرة الاكتشاف ولكن ليست نادرة الحدوث عند البشر فبين كل ثمانِ أشخاص حالة كاميرا، وأثبت بالدراسات والأبحاث الطبية أن ثلث العالم كايميرا بالرغم من عدم اكتشاف سوى ١٠٠ حالة فقط حتى الآن، لكنها موجودة بكثرة لدى الحيوانات، وتم اكتشافها لأول مرة عام ١٩٤٥ بدون إثبات حالات، وتحدث هذة الحالة عندما تكون الأم حامل بتوأم غير متطابق، ويختفي جنين أو أكثر من التوأم ويبقى جنين واحد فقط، حيث يلتهم ويبلغ جنين الجنين الآخر في بداية تكوين الأجنة، ويبقى جنين بشرى واحد ولكن أنسجته لشخصين مختلفين، له حمضين نوويين مختلفيين، وربما بفصلتين للدم مختلفة، وايضًا أختلاف خلقي واضح ممكن أن يكون في نصف لون الجلد عن الآخر، أو فرق لون العينين، أو عدم تطابق في أعضاء الجسم. 

 

• ويعود أصل الكايميرا للأساطير اليونانية، فهو مخلوق خرافي عبارة عن جسم أسد ويخرج من ظهره رأس ماعز وآخر ذيله رأس ثعبان وينفث النار، وكل ذلك بجسد واحد.. ولكن ماذا إن كانت الأسطورة حقيقية؟ 

يطلق كايميرا طبيًا على الإنسان الذي يحمل في جسمه نوعين مختلفين جينيًا، وكانت أول حادثة لحالات الكايميرا والتي لم يكن الطب منصفًا لها لعدم تقدمه لاكتشاف مثل هذه الحالات هي حادثة لاعبة الأولمبيات الدنماركية "فوكجي ديلما" عام ١٩٥٠، والتي تم استبعادها من الألعاب الأولمبية النسائية وإنهاء مشاركتها نهائيًا وشطب رقمها القياسي الذي حققته مع سحب جائزتها الميدالية الذهبية، بسبب تواجد بعض الصفات المؤنثة والمذكرة في الفحص الطبي الخاص بها، ولم يكن الطب وقتها متقدمًا لفهم طبيعة حالتها إلا بعد وفاتها بسنوات، فقد تبين بعد إجراء العديد من الفحوصات والتحاليل لخلايا متبقية من جسمها بأنها كانت حالة "كايميرا" 

 

 

إقرأ أيضًا/مصطبة تى

 

 

 

وكان أول اكتشاف طبي مثبت لحالات الكايميرا في البشر عام ١٩٥٤ عندما تبرعت إحدى السيدات بالدم وعند التحليل الروتيني لها، اكتشف وجود فصيلتين مختلفتين من الدم للسيدة. 

أما عام ٢٠٠٣ وفي نفس وقت قضية "ليديا" قد تم نقل كيس دم لمريض اثناء عملية جراحية بعد إيجاد متبرع يملك نفس فصيلة الدم، ولكن لم يستجيب جسم المريض للدم وحدث رد فعل مفاجئ كاد أن يؤدي لوفاة المريض بسبب رفض الدم الذي أستقبله، وتحدث هذه الردود نتيجة عدم تطابق فصيلتي الدم بين المريض والمتبرع، ولكن كيف حدث رد الفعل هذا وخلايا دم المتبرع متطابقة تمامًا مع خلايا دم المريض؟ 

تم إعادة فحص دم المتبرع مرة ثانية بدقة اكثر، وكانت المفاجئة حين ظهرت نتائج الفحص والتي أثبت امتلاك المتبرع فصيلة الدم O بنسبة ٩٥٪ وفصيلة الدم B بنسبة ٥٪، مما يدل على أنه كايميرا.

 

• قرأت "ليديا فيدتشايلد" ومحاميها قصة "كارين كيغان" والبحث الطويل حول حالات الكايميرا، وتواصلا مع الأطباء وتم إعادة فحص الـ DNA "لليديا" في عدة خلايا مختلفة ولكن بعد خروج نتيجة التحاليل لم يحدث أي تغير، فلقد أُثبت أن جميع الخلايا التي تم فحصها كان حمضها النووي مختلفًا كليًا عن حمض الأبناء، مما أثبت أن ليديا لا تملك إلا نوع واحد من الحمض النووي، ولكن اقترحت إحدى الطبيبات أن يتم فحص عينة من عنق الرحم، وتبين أن الحمض النووي في منطقة عنق الرحم مطابقًا كليًا مع الحمض النووي للأبناء الثلاثة، وبهذا تمكن المحامي إثبات أن "ليديا" حالة "كايميرا"، وهكذا اقتنع النائب العام ببراءة "ليديا فيرتشايلد" والحكم لصالحها فهي تكون الأم البيولوجية الحقيقة لأبنائها الثلاثة. 

 

• لا أحد يعلم عدد الأشخاص الكايميرا في العالم، أو مَنْ هم، فلم يثبت سوى أن ثلث العالم كايميرا، فمن الممكن أن أكون أنا، أو أنت، أو صديقك المقرب، وكل من دبت به الروح، فليس دائمًا اكتشاف الكايميرا يعتمد على دلائل خارجية او اختلاف خُلقي واضح ومميز فبعض الحالات تكتفي بالاختلاف الجيني الداخلي فقط. 

إذًا عزيزي هل من الممكن أن تكون أنت من التهم أخاه وهو جنين وبقيت أنت توأم نفسك، لديك شخصين أو أكثر بجسد واحد، حالة كايميرا؟