يعتبر الحرير ثالث خامات النسيج الطبيعية أهمية ، وقد إستخدمه الإنسان في الملبس منذ زمن بعيد ، فقد عرف الصينيون طرق غزل ونسج الخيوط المستخرجة من شرانق الحرير ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد أو يزيد ، وإحتفظوا بسره حقبة طويلة من الزمن .
على أنه من الثابت أن قدماء المصريين لم يستخدموا هذه الخامة في منسوجاتهم، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى إنقطاع الصلة التجارية بينهم وبين الصين .
ولكن مصر عرفت المنسوجات الحريرية منذ عصر البطالمة ، وكانت من أهم السلع التجارية في الأسكندرية، وإستمر الحال على ذلك حتى العصر الروماني .
وفي القرن الثالث الميلادي إنقطع الوارد من الحرير إلى بيزنطة بسبب الحرب بينها وبين دولة الفرس ، إلا أنها تمكنت في عهد الإمبراطور جستنيان سنة 556ميلادية من معرفة سر تربية دودة القز وصناعة الحرير .
أما عن النسيج ذي الكتابات فقد قام جاستون فييت بإحصاء القطع ذات الكتابات المؤرخة والتي ترجع إلى ما قبل سنة 1045 ميلادية فوجد 276قطعة مؤرخة منها 45 قطعة صنعت خارج مصر و 231 قطعة صنعت بمصر وأكثرها من النسيج السادة المزخرف بشريط من الكتابة المطرزة بخيوط حريرية مؤرخة .
ومن هذه المجموعة يوجد عدد كبير بمتحف الفن الإسلامي.
ومما يسترعى النظر في هذه القطع ضيق شريط الكتابة المطرزة، أي عدم إرتفاع سيقان حروف الكتابة وعدم وجود زخارف نباتية أو هندسية به .
ولعل السبب في ذلك هو القيود الدينية التي كانت مفروضة على إستعمال الحرير ، على أن هذه القيود لم تكن جديدة بل كانت موجودة قبل دخول العرب .
أما سبب تقييد نسيج الحرير في أوائل العصر الإسلامي ، فيرجع إلى ما ورد في بعض الأحاديث النبوية الشريفة من تحريم لبس الحرير على الرجال ، فقد ورد عن حزيفة بن اليمان قال: " نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيمها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه " .
وكان لكل ذلك أثره فوقف صنع الأقمشة الحريرية وفرض على إستعمال الخيوط الحريرية في التطريز أوامر صارمة ، وبعد نقاش طويل دار حول كمية الحرير التي يسمح بوضعها في الثوب ، انتهى الأمر بتحديد أمر معين من الحرير يباح نسجه من الثوب ، وصدرت الأوامر بما إستقر عليه الرأي إلى المصانع لتنفيذها.
وقد أشارت كتب الحسبة إلى ذلك فورد في كتاب " معيد النعم ومبيد النقم" نص لأمر صدر إلى الحائك وهو يجوز جعل طراز من حرير بشرط ألا يجاوز قدر أربع أصابع " ووردت في الحديث الشريف عن قتادة" سمعت أبا عثمان النهدي قال أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا ، وأشار بإصبعه اللتين تلين الإبهام " كما ورد في حديث آخر عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال : " نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع ".
ومن هنا وضح لنا السبب في إلتزام النساج بقصر زخرفة الثوب على شريط بسيط من الكتابة المطرزة، وقد كان هذا التحديد غنمًا كبيرًا للحياة الفنية إذ ناسب الإسلوب الزخرفي الذي إنتشر في العهد الإسلامي وهو تزين الملابس بأشرطة أفقية من الحرير الملون في ثوب من الكتان أو الصوف .
على أن إلتزام هذا التحديد وتقيده لم يدم طويلًا فقد تعددت الأشرطة الحريرية المزخرفة في الثوب الواحد في العصر الفاطمي ثم اتسعت رقعة الحرير في الأقمشة حتى شملتها، ولكن مصر لم تصنع أقمشة من الحرير الخالص إلا في عصر المماليك.