فرحة...
تلك الفتاة الصغيرة ذات الشعر الأسود الجميل و الأنف الصغيرة و الوجه الأبيض المستدير التي تلهو و تلعب مع جيرانها و تملأ المكان بالبهجة و السرور، تساعد الكبير و الصغير؛ لأنها نشيطة و لديها طاقة لا تستطيع الجلوس في مكان واحد دون أن تلهو و تلعب...
- يا أبي لماذا سميتني بهذا الاسم؟!
هناك اسماء كثيرة غيره، و كل أصدقائي بالمدرسة و الجيران لا يوجد أحد اسمه فرحة مثلي.. لماذا؟!
- قال والدها بصوت ضاحك يا صغيرتي الجميلة المدللة، إن اسمك يحمل معاني كثيرة و مختلفة عن الآخرين، فأنتي فرحتي وفرحة والدتك، و ضحكة كل من تدخلين حياته؛ لأنكِ تملئين كل مكان بالبهجة والسرور، و أنتي نعمة من الله و اسم على مُسمي لأنكِ إنسانة مُبهجة و دائماً وجهك بشوش..
- لوهلة تذكرت طفولتي و أبي المرحوم، وهو يشرح لي معني اسمي و الدموع تملأ عيني و قلبي يكاد يخرج من بين أضلاعي من شدة ألمي على فراقه و من شدة ندمي على ما فعلته...
لماذا لم أسمع ما قاله لي عند زواجي؟!
- قال لي الحب ليس كل شئ في الحياة، هذا الفتى لا يناسبك أنتي إنسانة طموحة، مُحبة للعمل، ذكية، مختلفة عن الآخرين؛ أما هذا الشاب ليس لديه عمل ثابت و ليس إنسان مُكافح، يعتمد على والده الذي يعمل خارج البلاد من أجله هو و والدته، يملك شقة بالإيجار و يصرف نصف مرتبه على هذه الشقة، كيف و من أين ستعيشان؟
عندما يكون لديكما أطفال، من أين سيدخلهم مدارس ويطعمهم؟
يا ابنتي الصغيرة المدللة هذا الفتى لا يناسبك، أنتي تستحقين الأفضل، تستحقين إنسان مكافح و يفعل كل ما بوسعه من أجل سعادتك.
- و أنا طبعاً الفتاة المدللة التي تذهب وراء مشاعرها وقلبها، عنيدة و مصممة على قراري، و أحب هذا الشخص و لا أفكر من أين سنعيش؟
كل ما أفكر به هو الحب والعشق..
- ها أنا الآن بعد مرور خمس سنوات من زواجي الفاشل، تحولت من فرحة إلى حزن و ألم و تعاسة،
كل من يراني من أصدقائي و جيراني القدماء لا يعرفني، أصبحت نحيفة، وجهي الجميل تملئه التجاعيد من كثرة البكاء؛ بسبب زوجي الفاشل الذي ينام ليلاً و نهاراً، جالس بدون عمل، ينتظرني أذهب أنا للعمل لكي أصرف عليه هو و أولاده..
وعندما أذهب للنوم أفكر في كل هذه الأشياء و أتمنى أن يعود بي الزمن و لا أتزوج بهذا الشخص..
اقرأ أيضاً: جمال الحب و ألم الفراق
- ياليتني أخذت بنصيحة أبي و أمي عندما قالوا لي أن الحب ليس كل شئ في الزواج، لكن سأُعلم ابنتي منذ صغرها أن الحب هو جزء مهم في الزواج؛ و لكن هناك أساسيات لابد من تواجدها، لأن مع الحب الشديد لا يستطيع أياً من الحبيبين أن يقّيم مختلف جوانب شخصية الطرف الآخر و لا يستطيع أن يتعامل معه بعقلانية؛ لأنه دوماً يجد التبريرات الكافية لما يفعله الآخر و في أحسن الحالات يأمل أن يتغير الحال إلى الأفضل بعد الزواج، و لكن الوقائع أثبتت أن ذلك التغير بعد الزواج لا يتحقق؛ لأن الإنسان سواء الرجل أو المرأة؛ فإنه حين يعتاد على الاستحسان من الآخر لا يمكنه أن يتحمل الانتقاد أو اللوم منه بعد الزواج.
اقرأ أيضاً: أعرفيه ..... تكسبيه
الحياة الزوجية… مسؤولية مليئة بالأعباء، بينما العاشقان يتصوران أنها حياة حب كلها سعادة و بهجة و كلمات شاعرية وعاطفية فهما لا يريا الحياة على حقيقتها لأن العاطفة جامحة؛ يصممان ألا يروا الأشياء بألوانها و بأحجامها الحقيقية..
فالمطلوب أن نميز بين حب يقوم على التفهم و التفاهم وبين حب يقوم على التسليم المطلق بأن العالم كله يدور حول شخصية الآخر و أن الشمس لا تشرق إن لم يبتسم الحبيب، هذا النوع من الحب مسئول إلى حد كبير عن ظهور موجة الطلاق و الانفصال بين الأزواج..
اقرأ ايضا: ليت البدايات تدوم
الإنسان ليس فقط عواطف و مشاعر؛ فهو يتكون من الجسم و متطلباته، من العقل و آفاقه، من الروح و أشواقها، من العاطفة وتطلعاتها، ومن الإرادة و ما تتجه إليه، فالإنسان ليس عاطفة فقط؛ و العاطفة ليست الحب وحده فالإنسان يحب و يكره، يرضى و يسخط، يفرح و يحزن، و كل هذه عواطف؛ فلماذا يقتصر معنى العواطف على الحب فقط و لماذا يكون الزواج هو الحب فقط؟!
