12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

الأسرة فى الإسلام

2020/06/28 09:30 PM | المشاهدات: 985


الأسرة فى الإسلام
بسمة أسامة

أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزة العائليةب من الغرائز الذاتية التي منحها الله للإنسان قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) - سورة الروم: 20 

– فهذه الظاهرة التي فطر عليها الإنسان منذ بدء تكوينه من آيات الله ومن نعمه الكبرى على عباده

وشيء آخر جدير بالاهتمام هو أن الإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنة وطيبة تتوفر فيها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) - سورة الفرقان: 74 

- وأهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة، والمثل الأعلى للخير والصلاح .

وقد ألمعنا في بحوث الوراثة إلى اهتمام الإسلام البالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على الاختبار والفحص حذراً من أن يكون أحد الزوجين مصاباً ببعض العاهات فتسري إلى أبنائهم فينشأ في المجتمع أفراد مشوهون في سلوكهم واتجاهاتهم، كما جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها، وشرّك بينهما في اختيار الزوج الصالح لها حذراً من أن تختار بمفردها زوجاً من ذوي العاهات فتجر لنفسها الويلات والشقاء، وتبتلي منه بذرية طالحة تشقى ويشقى بهم المجتمع، ومن الطبيعي أنها لا تحسن اختيار الزوج الصالح لها فإنها لا تعلم من الحياة إلا قشورها، وهي تحكم على خطيبها بما يبديه لها من حديث مصطنع ووعود خلاّبة، وما ينمقه لها من رسائل الغرام، أو ما يتمتع به من حسن الصورة والتجميل والتزيين بالأزياء المغرية وهي ـ بصورة جازمة ـ لم تطلّع على مكر الحياة وخبث الفاسقين، وكيد العاشقين، ولم تعرف كذب الوعود، ورياء العهود، ولم تفقه أن الزواج السعيد الذي يحقق أحلامها وآمالها إنما يكون إذا اقترنت برجل شريف النفس كريم الخلق، صادق الإيمان حتى يعني بشؤونها وحقوقها، وتنجب منه الذرية الطيبة التي تكون قرّة عين لها في حال كبرها وشيخوختها... وهذا هو ما يريده الإسلام لها .

وعلى أي حال فإن نظام الأسرة الذي سنّه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة، ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفيزيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، بحيث ينعم كل فرد منها، ويجد في ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار .

إن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية ـ التي هي النواة الأولى للأسرة ـ على المحبة، والتفاهم والانسجام، وهو الزواج المثالي الذي عناه (هاميلوك اليس) بقوله: (لا يقوم الزواج المثالي حقاً على توافق الشهوة فقط، وإنما يقوم على اتحاد غير شهواني، أساسه مودّة عميقة تتوثق على ممر الأيام وتشمل شتى نواحي الحياة، وهو اتفاق الأذواق، والمشاعر والميول، وهو اتفاق على الحياة المشتركة، بما قد تستلزمه من أعباء الأبوة ) .

وهذا هو ما ينشده الإسلام في الرابطة الجنسية أن تكون مثالية، وتقوم على أساس وثيق من الحب والتفاهم حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة أثرها في تكوين المجتمع السليم .

لقد شرع الإسلام جميع المناهج الحية الهادفة إلى إصلاح الأسرة ونموّها وازدهار حياتها، فعني بالبيت عناية خاصة، وشرع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة، وجعل لكل واحد منها واجبات خاصة تجاه أفراد أسرته، وهي مما تدعو إلى الترابط، بالإضافة إلى أن لها دخلة إيجابية في التكوين التربوي... ولابد لنا من عرض ذلك، على سبيل الإيجاز .

=====

اقرأ ايضاالحرية

=====

أهمية البيت

وللبيت أهميته البالغة في التربية، فمن طريقه تحقّق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الأطفال، فبفضله تنتقل إليهم تقاليد أمتهم، ونظمها، وعرفها الخلقي، وعقائدها وآدابها وفضائلها، وتاريخها، وكثير مما أحرزته من تراث في مختلف الشؤون، فإن وفق المنزل في أداء هذه الرسالة الجليلة حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في التربية، وإن فسد المنزل، فإن الطفل حتما يفسد، ولا تكون له أية شخصية. إن المنزل يقوم بأكثر من دور في حياة الطفل، فهو المنبع الطبيعي للعطف والحنان، فمنه يستمد حياته المطمئنة الهادئة .

وقد عني الإسلام به عناية خاصة فأمر بأن تسود فيه المحبة والمودة، وترك الكلفة، واجتناب هجر القول ومرّه، فإن لذلك أثراً عميقً في تكيّف الطفل، وإذا لم يوفق البيت لأداء مهمته، فإن الطفل يصاب بانحرافات خطيرة، منها القضاء على شعوره بالأمن، وتحطيم ثقته بنفسه، وغير ذلك مما نص عليه علماء النفس .

المناهج المشتركة :

وجعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم وارف وهي :

1- الحب والموده

دعا الإسلام إلى سيادة الحب والمودة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكر صفو الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، ورعت ما عليها من الآداب كانت الفذة المؤمنة فقد أثر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن شخصاً جاءه فقال له: إن لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً

فانبرى (صلّى الله عليه وآله) يبدي إعجابه وإكباره بها وقال: (بشّرها بالجنة، وقل لها: إنك عاملة من عمال الله) .

وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودة بينها وتكوّن رباط من الحب العميق بين أفراد الأسرة الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة .

2ـ التعاون

وحث الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جو متبادل من الود والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يتولى خدمة البيت مع نسائه، وقال: (خدمتك زوجتك صدقة) وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشارك الصدّيقة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل ويتعاون معها في إدارته، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهم العناصر الذاتية في التربية السليمة :

3ـ الاحترام المتبادل

وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، فقد أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال في جملة وصاياه العامة: (فليعطف كبيركم على صغيركم، وليوقر صغيركم كبيركم..) إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جواً من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه، وقد ثبت في علم التحليل النفسي بأن قيم الأولاد الدينية والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة .

======

اقرأ ايضا*التدخين والإدمان*

======

 

مسؤولية أفراد الأسرة في الإسلام

وإذا منيت الأسرة بعدم الانسجام والاضطراب فإن أفرادها يصابون بآلام نفسية، واضطرابات عصبية، وخصوصاً الأطفال فإنهم يمنون بفقدان السلوك والانحراف، وقد ظهرت الدراسات والبحوث التربوية الحديثة أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأحداث هو اضطراب الأسرة وعدم استقرارها فتنشأ منه الأزمات التي تؤدي إلى انحرافهم. 

لذا من اللازم الحفاظ على استقرار الأسرة، وإبعادها عن جميع عوامل القلق والاضطراب حفاظاً على الأحداث، وصيانة لهم من الشذوذ والانحراف .

مسؤوليات الأب :

والأب ليس مسؤولاً عن الحياة الاقتصادية وتوفيرها لأبنائه فحسب، وإنما هو مسؤول عن تربيتهم، وتهذيبهم، وتأديبهم، وتوجيههم الوجهة الصالحة، وأن يعوّدهم على العادات الطيبة، ويحذّرهم من العادات السيئة. يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام ) .

(وأما حق ولدك، فتعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربه والمعونة له على طاعتك فيك، وفي نفسه، فمثاب على ذلك، ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه) .

وكان هذا الإمام العظيم يدعو لولده بهذا الدعاء: (اللهم.. واجعلهم أبراراً أتقياءً بصراءً سامعين مطيعين لك ولأوليائك محبين ناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين) .

إن الأب مسؤول عن تربية أبنائه تربية صالحة ليكونوا قرّة عين له في مستقبله، وكان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعنون بهذه الجهة ويولونها المزيد من الاهتمام، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المربي الأول في الإسلام إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام): (وجدتُك بعضي بل وجدتك كلّي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي )

إن الولد ليس بعضاً من الأب بل هو نفسه يحكي وجوده وكيانه فعليه أن يهتم بشؤونه التربوية، وأن يعني في تهذيبه، وكماله ليكون فخراً وزيناً له، أما إذا أهمل تربيته، ولم يعن بشؤونه يغدو نقمة ووبالاً عليه ..

ونعرض فيما يلي إلى بعض مسؤوليات الأب :

1ـ العناية بالأبناء : على الأب أن يعني أشد العناية بأبنائه، وأن يوليهم المزيد من اهتمامه ويغدق عليهم العطف والحنان، ويقوم بتكريمهم أمام الغير فإن لذلك أثره الفعال في بناء كيانهم التربوي، وازدهار شخصيتهم ونموهم الفكري وعلى هذا الأساس الخلاّق كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يرعى سبطه وريحانتيه الحسن والحسين، فكان يحملهما ويقول: (هذان ريحانتيّ من الدنيا، من أحبني فليحبهما..). وكان يقول لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام): (ادعي ابنَي، فتأتي بهما إليه فيشمهما ويضمهما) .

2ـ المساواة بينهم: وينبغي للأب أن يغمر جميع أولاده بالحب ويساوي بينهم بالحنان، والعطف والرعاية، فإن اختصاص بعضهم بذلك، وحرمان الباقين منه مما يؤدي إلى العقد النفسية. والغيرة والحفيظة، ونشوب الثورات الانفعالية في نفوسهم، كما تجعلهم عرضة للإصابة بأمراض عصبية خطيرة .

وحكى القرآن الكريم قصة يوسف حينما آثره أبوه يعقوب، وميّزه على بقية أبنائه فأجمع رأيهم على الكيد له، فألقوه في غيابة الجب، وجاءوا أباهم عشاءً يبكون فحزن عليه يعقوب حتى ابيضت عيناه فهو من الحزن كظيم، وهذه المحنة الكبرى التي دهمته كانت نتيجة الأثرة، وتقديمه ليوسف على أخوته، وقد أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (اعدلوا بين أولادكم في السر، كما تحبون أن يعدل بينكم في البر واللطف).

3ـ إشاعة الود: على الأب أن يغمر بيته بالود والعطف، ويشيع بين أهله الحب والحنان، وأن يقابل خصوص زوجته بالإحسان، ويوفر لها جميع ما تحتاج إليه فإن ذلك ـ أولاً ـ من حقوقها الطبيعية التي فرضها الله ـ وثانياً ـ أنه يبعث على التربية الصحيحة للطفل وازدهار شخصيته، لأنه يعيش في جو من الحب والدعة والاستقرار... وحث الإسلام على مراعاة الزوجة، يقول الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). وقال (صلّى الله عليه وآله): (عيال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلى الله عز وجل أحسنهم صنيعاً إلى أسرائه) .

4ـ اجتناب فحش القول: والأب باعتباره عميد الأسرة فهو مسؤول عن إقامة الكيان التربوي فيها، وعليه أن يجتنب فحش القول، وبذاءة الكلام، وكل ما يخل بالآداب العامة، وإن يقيم في بيته العفة والطهارة، ويجنب أهله المنكر وسيئ القول فإن كلامه وسيرته تنفذ إلى أعماق قلوب أبنائه، وتنطبع فيها سيرته وأخلاقه .

إن الطفل لا ينشأ نشأة سليمة، وهو يشاهد أبويه يفعلان المنكر، ويقترفان الإثم، وإن الأب الذي يكذب ويطلب من طفله أن يكون صادقاً فإنه لا ينصاع لقوله، وإنما يتبع عمله وسيرته...على الأب إذا أراد أبناءه أن يكونوا قرّة عين له في مستقبله فعليه أن يطبق على واقع حياته الصفات الكريمة وأن يسير سيرة طيبة ليكون قدوة حسنة لأهله وغيرهم .

كما توجد مسؤليات أكثر من تلك التي طرحناها للأب كتأديب الأطفال , وابعادهم عن تناول الحرام, ومراقبة سلوكهم . 

مسؤولية الأم :

إن الأم هي المدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل، وإكسابه العادات فإذا كانت مهذبة كريمة تم إنشاء جيل صالح. متّسم بالاتزان في سلوكه، وإذا لم تكن مهذبة فإن الجيل حتماً يصاب بالتحلّل، ويمنى بكثير من المفاسد .

إن الأم تتحمل مسؤولية اجتماعية كبيرة. فإنها مسؤولة عن مستقبل الأمة وصلاحها وانطلاقها، فهي بمهدها وحضانتها اللبنة الأولى في بناء الكيان التربوي الصالح أو الطالح .

واجباتها

وعلى الأم التي تريد أن ترى من أبنائها قرة عين وذخيرة لها في مستقبلها أن تسهر على تربيتهم، وترعى سلوكهم، وتبث في نفوسهم النزعات الطيبة والمثل الكريمة، ونعرض فيما يلي لبعض المناهج التي ينبغي لها أن تطبّقها على واقع تربيتها :

1ـ تحبذ لهم كل سلوك طيب، وتلمسهم النتائج الشريفة التي تترتب على فعله، وتشجيعهم عليه بجميع طاقاتها.

2ـ أن تجنّبهم عن كل طريق إجرامي أو عادة سيئة، وتخوفهم من سلوك أي جهة لا تتفق مع العادات الدينية، والاجتماعية، وتدلل لهم على ما يترتب عليها من الضرر لهم، وللأسرة والمجتمع .

3ـ عليها أن تربى بناتها بالطهارة والعفة، وترشدهن إلى محاسن النساء الخالدات، وتحذرهن من الاستهتار وخلع الحجاب، وارتداء بعض الأزياء التي ترتديها الفتاة الغريبة التي لا تشعر بالعفة والكرامة... على الأم أن ترعى باهتمام أمر بنتها، فتراقبها، وتتفحّص شؤونها، حتى لا تتلوث بالأخلاق الفاسدة التي دهمت بلاد المسلمين، وغزت حياتهم الفكرية والعقائدية .

4ـ أن لا تسرف في دلال أطفالها فإن لذلك من المضاعفات السيئة التي توجب تأخر التربية، وعدم قابلية الطفل في مستقبل حياته لتحمل مشاق الأمور ومصاعبها .

5ـ أن تشعر أبناءها بمقام أبيهم، ولزوم تعظيمه، واحترامه حتى يتسنى له القيام بتأديب من شذّ منهم، وإرغامه على السلوك الحسن .

6ـ إذا شذّ بعض أبنائها، وسلك غير الجادة فواجبها إخبار أبيه ليقوم بتأديبه، وحمله على السلوك القويم، وليس لها إخفاء ذلك وحجبه عنه لأن الولد يتشجع على ارتكاب الرذيلة والمنكر، كما أنه ليس لها أن تمانع زوجها وتدفعه عن القيام بتأديب أولاده لأن ذلك يؤدي إلى تمردهم وفساد تربيتهم .

7 ـ أن تبعد أطفالها عن الشوارع فإنها لا تخلو من المغريات، ودوافع السلوك المضاد للمجتمع، فقد أصبحت تعجّ بالمنحرفين والمصابين بأخلاقهم الذين هم مصدر لتلويث الأطفال، وجرهم إلى حمأة الرذائل والموبقات .

واجبات الأبناء

وأولى الإسلام رعاية الأبناء لآبائهم اهتماماً خاصاً، وأوجب عليهم طاعتهم المطلقة، وجعل عقوقهم من الكبائر التي توعّد عليها بالنار .

لقد أعلن كتاب الله العظيم في غير آية من آياته لزوم الإحسان للأبوين ووجوب طاعتهما، وقرن ذلك بعبادته، وطاعاته قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَ تَعْبُدُوا إِلاَ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً). سورة الإسراء: 23-24)

على هذا النهج القويم الذي يمثل أصالة الإسلام وخلوده في تربيته وتعاليمه يجب على المسلم أن يعامل أبويه، ويقابلهما بكل ما يملك من طاقات الخدمة والإحسان وإن يسخّر نفسه للعمل بما يرضي عواطفهما، ويشيع في نفوسهما روح الرضا والقبول وليس له أن يفوه بكلمة سأم أو ضجر منهما فيما إذا بلغا سن الشيخوخة، وعجزا عن القيام بشؤونهما، فإنه تتأكد خدمتها، ورعايتهما، وعليه أن يخفض جناح الذل، ويدعو لهما ويقابلهما بكل ألوان التكريم والإكبار فإن ذلك من موجبات الغفران، وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) بلزوم البر والإحسان إليهما 

وفيما يلي بعض تلك النصوص .

1ـ روى الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (أن رجلاً أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط؟ فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله): فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل تكن حياً عند الله ترزق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما وُلدت. قال يا رسول الله: إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): فقرّ مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة .)

2ـ ويؤكد الإسلام بصورة خاصة على خدمة الأم والبر بها أكثر من الأب لأن حقوقها على الولد أكثر من حقوق الأب، فقد روى الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) أن رجلاً جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال له :

- من أبر؟ قال: (أمك), قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال : ثم من؟ قال: (أباك) 

إن الولد مسؤول أمام الله عن رعاية أمه والبر بها، وتوفير ما تحتج إليه جزاءً لأتعابها القاسية، وعنائها الشاق الذي بذلته في تربيته... وفي الحديث أن رجلاً كان يحمل أمه فيطوف بها، فسأل النبي (صلّى الله عليه وآله): هل أدّيت حقها؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): (لا، ولا بزفرة واحدة ) .)

إن البر بالوالدين، ولزوم طاعتهما، والقيام بجميع ألوان الخدمة لهما كل ذلك من العناصر الأساسية في التربية الإسلامية الهادفة إلى تماسك المجتمع على أساس من المودة الصادقة والحب المتبادل . 

دور الأسرة في تربية الطفل الإيجابي وأثره على المجتمع :

يوضح الأستاذ الدكتور سعيد أبو العزم - أستاذ علم النفس التربوي بجامعة حلوان - أن الطفل الإيجابي هو الذي يمتلك توازنًا داخليًّا وخارجيًّا، ولديه القدرة في التحكم بعواطفه ونوباته العصبية كالغضب والفرح، بالإضافة إلى أنه الطفل الذي يتمتع بالمرونة في التعامل والفكر السليم، مشيرًا إلى أن الأطفال في الأصل يتمتعون بصفة إيجابية منذ ولادتهم، وهذا ما أكده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)).

وذكر أستاذ علم النفس التربوي بجامعة حلوان، أهمية الأسرة في بناء وتكوين شخصية إيجابية للطفل منذ الصغر، مدللًا على أن الأسرة التي تقود وتشجع الطفل على المبادرة الإيجابية، كما أن رد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف الطفل الإيجابية - هي التي تجعله يستمر في هذا المسار الإيجابي طيلة حياته، مؤكدًا عدم إغفال دور المدرسة، ذلك المكون التربوي المهم الذي يعتبر شريكًا للأسرة في هذا الأمر، وإليك نص الحوار:

من هو الطفل الإيجابي؟

أ. د. سعيد أبو العزم: بداية لا بد أن تتوافر عدة أشياء في الطفل حتى نستطيع أن نصفه بالإيجابية، منها أن يكون لدى الطفل توازن داخلي وخارجي؛ بمعنى أن لديه القدرة على التحكم في عواطفه ونوباته العصبية كالغضب والفرح، وأن يعبر عن نفسه بطريقه مميزة، يعلم جيدًا ما يريده، ويدرك جيدًا ما يناسبه وما لا يناسبه، والطفل المتعاون، والطفل الذي من الممكن الاعتماد عليه في حل مشكلاته بمفرده، كما أنه أيضًا هو الطفل الذي يتمتع بالمرونة في التعامل والفكر السليم، كل هذه المهارات الحياتية تؤكد على أن هذا الطفل إيجابي.

ما هي المظاهر التي تؤكد للآباء أن طفلهما يتمتع بالإيجابية؟

أ. د. سعيد أبو العزم: دعنا نتفق على أن أي طفل يولد كصفحة بيضاء؛ بل ناصعة البياض، وتنقسم سماته الشخصية فجزء منها هي جينات متوارثة من العائلة، والجزء الأكبر تكون سمات مكتسبة من خلال المعاملة، والبيئة المحيطة به، والتنشئة الاجتماعية، وغيرها، وبالتالي فإن الطفل في السنوات الأولى من عمره يكون إيجابيًّا ومتفائلًا؛ حيث إنه لا يعرف السيئ والقبيح والخطأ، وبهذا فإن مهمة الآباء تنحصر في تنمية هذه الصفات الإيجابية، وإلا فسوف تُقتل في داخله هذه الإيجابية الجميلة، وربما هذا الصدد يدلل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)).

لو تحدثنا على سن ثلاث أو أربع سنوات، هل هناك مظاهر تصدر في هذه المرحلة العمرية، تدل على تمتع صاحبها بشخصية إيجابية؟

أ. د. سعيد أبو العزم: بالطبع، فالطفل في بداية حياته يرغب في تجربة كل شيء واختبار معظم الأشياء، فهو من داخله لا يدرك أن ما يفعله صحيح أم خاطئ، فعلى سبيل المثال في بداية السنة الثالثة عند الطفل نجده يرغب في ارتداء ملابسه بنفسه، ويلعب ألعابًا غاية في الصعوبة بمفرده، وبدون مساعدة من أحد، حتى إنه يقوم بمبادرات أحيانًا، وتظهر هذه المبادرات إذا كان وسط أصدقائه الأطفال، فنجده يحب أن يعطيهم ألعابه والطعام الخاص به، وبالتالي فإن هذه المرحلة يتعامل الطفل فيها بتلقائية، وطريقة رد الفعل للآباء على هذه التصرفات تجعله إما يستمر في هذه الإيجابية، وهذه المبادرات الجميلة، وإما أنه يتوقف عن فعل ذلك، بالإضافة إلى شكل التربية إذا كانت متسلطة بعض الشيء؛ حيث يصعب على الطفل أن يتنبأ بردود فعل والده؛ فهو متخوف مما سوف يفعله؛ ففي هذا الوقت لن يكون الطفل مبادرًا جيدًا.

ما هو دور الأسرة في تشجيع الطفل وتربيته على الإيجابية منذ الصغر؟

أ. د. سعيد أبو العزم: دعني أوضح أولًا أن الأسر تنقسم إلى ثلاثة أنواع؛ النوع الأول: الأسر المنغلقة، وهي التي لا تحبذ التفكير والتجارِب والاختلاط، تسير على قواعد متوارثة، والنوع الثاني: الأسر الديمقراطية، وهي التي ترحب بالمبادرات الجديدة، وتعطي مساحة لأبنائها في التفكير والتعامل والكثير من الحرية، أما النوع الثالث: فهي الأسر المتسيبة، وهي التي تختفي فيها الأدوار، مع عدم وضوح منظومة القيم داخل الأسرة، والقواعد بداخلها متسيبة نوعًا ما، وهذه النوعية من الأسر لا تنشئ طفلًا إيجابيًّا، وبالتالي فإن الأسرة هي التي تقود وتشجع الطفل على المبادرة الإيجابية، ورد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف الطفل الإيجابية هي التي تجعله يستمر في هذا المسار الإيجابي طيلة حياته.

يعتقد بعض الآباء أن مجرد قيام الطفل بواجباته المدرسية دليل كافٍ على التمتع بشخصية إيجابية، فما مدى صحة هذا الاعتقاد؟

أ. د. سعيد أبو العزم: دعنا نقُل: إن الطفل الملتزم في المدرسة والمنزل، والذي يقوم بتحقيق تحصيل أكاديمي عالٍ بالطبع يتمتع بالإيجابية، ولكن لا ينبغي الاقتصار على أن الطفل الذكي والناجح بمدرسته هو الطفل ذو الصفة الإيجابية؛ لأن ذلك سوف يهمش باقي الأطفال ويحرمهم من هذه الصفة؛ لأنه ليس بالضروري أن يتميزوا في الدراسة والالتزام المدرسي فقط؛ فمن الممكن أن يتميز في شأن آخر.

ما الذي يمكن أن تفعله الأم باعتبارها الأقرب لطفلها، كبرنامج متكامل لغرس صفات إيجابية وبناء شخصية إيجابية لأطفالها الصغار؟

أ. د. سعيد أبو العزم: باختصار: إن جميع الأطفال في المنزل يتعلمون من أفعالنا، وليس من أقوالنا، وبالتالي فإن أفضل طريقة يتعلم بها الطفل أن يكون إيجابيًّا هو عن طريق نقل هذه الصفة من الآباء تباعًا إلى أولادهم، وهذا لن يتحقق إلا إذا تمتع الآباء بسمات وصفات إيجابية، فالطفل عادة يقوم بتصوير كل حركة يقوم بها الأب والأم وإخوته، ويقوم بحفظها داخل عقله؛ وعليها يقوم بالتصرف في المستقبل؛ ولذلك يجب أن يرى الطفل هذه الإيجابية في آبائه، أما عن دور الأم، فهو الدور الأهم على الإطلاق في بناء شخصية الطفل الإيجابية منذ صغره، ويختلف دور الأم باختلاف أنماط الأسر التي تحدثنا عنها سابقًا، فإذا وضعت الأم قائمة من القواعد والممنوعات والأمور الكثيرة التي تحد من حركة الطفل في المنزل، أو إذا كانت الأم من النوع كثير الانتقاد، أو النوع الذي عنده الحماية الزائدة على الطفل بحيث لا تجعله يفكر كثيرًا أو يغامر في شيء ما، فإن هذا النمط أو الشكل لا يعطي ناتجًا إيجابيًّا في نهاية الأمر؛ لأن الطفل بالتأكيد يحتاج إلى مساحة حتى يصبح إيجابيًّا، وهنا يأتي دور الأم في إعطاء الطفل مساحة من الحرية للتعبير عن مشاعره وتجربة كل شيء، بالإضافة إلى تنمية المبادرات الصغيرة التي يفعلها الطفل من تلقاء نفسه بتَكرار الفعل أمامه، لا بالشرح؛ حتى يستمر عليها وتكتمل السمة الإيجابية لدى الطفل.

ما هي السلوكيات الأسرية التي تترك أثرًا إيجابيًّا، وتُسهم في بناء شخصية إيجابية للطفل؟

أ. د. سعيد أبو العزم: هناك عشرات السلوكيات الأسرية في اليوم الواحد من شأنها أن تترك أثرًا إيجابيًّا لدى الطفل، والتي يغفلها الوالدان إغفالًا تامًّا، وتلك السلوكيات الأسرية تتمثل في تكوين اتجاهات إيجابية لدى الطفل، والاتجاه هو المكون الأساسي الذي ينمي شخصية مبادِرة، وشخصية إيجابية، وشخصية مبدعة، وحتى نكوِّن اتجاهًا لدى الطفل يجب أن نركز على ثلاثة جوانب هامة:

الجانب المعرفي، والوجداني، والسلوكي:

الجانب المعرفي: بمعنى أنه يجب أن يحرص الآباء دائمًا على تنمية الجانب المعلوماتي؛ امتثالًا لقول الله - عز وجل -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، وعندما نتحدث عن الجانب المعرفي يجب أن نراعي الخصائص النهائية للمرحلة العلمية، ومرحلة الطفولة ليست هي مرحلة واحدة؛ وإنما هي عدة مراحل، فإدراك الوالدين بشكل عام بالمرحلة النهائية يجعلهم قادرين على الارتقاء المعرفي والثقافي والمعلوماتي الخاص بالطفل.

والجانب الوجداني: بمعنى أنه يجب على الأسرة أن تعمل على تبني توجه إيجابي لدى الأطفال لتنمية الجوانب الوجدانية، والتي تتمثل في غرس المبادئ كل هذه المعاني الإيجابية والقيمية .

ومن هنا نكون قد تطرقنا لبعض مظاهر الأسرة فى الإسلام 

=====

اقرأ أيضاًالفن الإسلامي وتأثيره في الثقافة

======

الكلمات الدلالية: الأسرة في الإسلام / أهمية البيت / نظام الأسرة / دور