مولد النبي -صلى اللّٰه عليه وسلَّم-

تكلمنا في المرة الماضية أن قريشا عاندوا عبد المطلب وولده الحارث في أمر حفر بئر زمزم، فنذر لو رُزق بعشرة أولاد أن يذبح أحدهم قربانا للآلهة؛ ليكونوا له سندا وعونا -يوم أن كان الولد سند أبيه وعونه-

تزوج عبدالمطلب النساء وفعلا تحققت أمنيته، وأراد أن يذبح أحدَ هؤلاء العشرةِ أولادٍ الذين هم له، وكان من بينهم شاب لم تر قريش مثله قوة وعقلا ومروءة اسمه عبد الله، لما أراد عبد المطلب أن يذبح ولدا له أسهم (عمل قرعة) بينهم مرارا فوقعت القرعة على عبد الله الذي كان أحب العشرة إلى أبيه...

إقرأ أيضًا: حفر بئر زمزم إلى زمن عبدالمطلب

ولما همّ عبد المطلب بما يخالف هواه وفاء لنذره، وقفت له قريش وحاولوا ثنيه لئلا تكون سنة في العرب؛ أن يذبح أحدهم ولده لوفاء نذره، فلم يرض بالرجوع عن نذر قطعه لئلا تصير سنة في العرب أن يرجع الرجل عن نذر قطعه؛ حتى اقترحوا عليه الذهاب للكاهنة، وهذا ما كانوا يؤمنون به في ذلك الوقت لعلهم يجدون عندها مخرجا...

ذهبوا للكاهنة فسألتهم: ما دية الرجل فيكم إذا قتل؟ قالوا: عشر من النوق، فقالت: أجمعوا عشرا من النوق وأسهموا (اعملوا قرعة) بين عبد الله والنوق، فإن أتت القرعة على النوق فاذبحوها وأنتم في حل من النذر، وإن جاءت على عبد الله فضاعفوها حتى تأتي على النوق، ومتى ما أتت على النوق فاذبحوها.

إقرأ أيضًا: قصة أصحاب الفيل

وفعلا، هذا ما حدث، ذهبوا فاقرعوا فأتت القرعة على عبد الله، فضاعفوها عشرين ثم ثلاثين ثم ... إلى أن وصلوا لمائة ناقة، وهنا أتت القرعة على النوق فذبحوها وكان يوم فرح أشبه العيد، وكانت الظروف مطابقة لما حدث بين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من أنه كان على وشك الذبح ثم نجاه الله، ولهذا نقل عن النبي -صلى اللّٰه عليه وسلَّم- قوله: "أنا ابن الذبيحين" يقصد إسماعيل جده وعبدالله أباه -والله أعلم-

إقرأ أيضًا:محكمة الموتي

وهنا "عند نجاة عبدالله" عزم عبد المطلب على تزويج ولده عبدالله الذي نجا فاختار له زوجة من أشراف قريش هي "آمنة بنت وهب الزهرية" من بني زهرة قبيلة عبد الرحمن بن عوف -رضي اللّٰه عنه- فتزوجها عبد الله بن عبد المطلب وما لبث أن ذهب إلى الشام في رحلة تجارة فتوفاه الله هناك...

وبعدها بأشهر وفي مكة فجر يوم إثنين من شهر ربيع الأول عام الفيل وضعت زوجته آمنة خير خلق الله محمدا الذي استقبله جده بحفاوة وإكرام، وسماه محمدا ليكثر حامدوه لكثرة ما سيفعل من صفات الخير.

إقرأ أيضًا:توحيد البلاد

وظل جده عبد المطلب يكرمه ويجلسه في مجلسه ويفضله على بقية الناس سنوات ثمانية حتى مات عبدالمطلب وأوصى به لعمه "أبي طالب" الذي كان يحبه كثيرا، والعرب يقولون: "لا توص حريصا" وفي كفالة عمه أبي طالب حدثت أحداث جسام نذكرها متتابعة -إن شاء اللّٰه- بعد ذكر الأحداث التي حدثت في عهد كفالة جده له أي في أول ثمان سنوات من حياة نبينا محمد -صلى اللّٰه عليه وسلَّم