مرت عُشرون دقيقة وأنا أقف مكاني وقدماي لا تستطيع حتي السير نحوه وتأبي أن تخطو خطوة واحدة وقفت أنظر إليه لم تتغير ملامحه كما هي أيضًا لم تتغير عاداته كما هي ينظر للبحر في صمت كيف لم يتغير وأنا التي أشعر كأنني تبدلت تنهدت و كسرت الرهبة وحاجز الخوف وخطوت أولي خطواتي نحوه جلست جانبه الوضع يشبه صوت مدينة بعد قصفها هدوء تام فجأة اعتدل أخذ يستنشق أنفاسه نظر لي وقال يا ليته لم يتغير شيئا أنا أُحبك بكل ما تعنيه حروف الكلمة من معاني أُحبك كأن روحي هي التي تحبك كأنني ولدت فقط لأحيا بُحبك لم أعرف معني هذا إلا الآن جئت فقط لأري كيف صرتِ وكيف أصبحتِ ولكن لم أشعر بأي شئ سوي أنني أحبك قاطعته وقتها وقلت لم تعرف قبل ثلاثون عامًا هذا عرفته فقط للتو هل عُدت بعد ثلاثون عامًا لتخبرني فقط بهذا هل تري أن السيدة التي تجلس أمامك الآن هي نفسها من ثلاثون عامًا..
أقرأ أيضًا مفسدات الصور
اليوم الأخير قبل الثلاثون عامًا هل تتذكره هل تتذكر براكين ذلك اليوم كنا هنا ننظر للبحر سويًا والصمت يغمر المكان كانت المرة الأولي في كل شئ المرة الأولي التي يسيطر علينا الصمت المرة الأول التي فكرتُ بها ماذا يعني غريق وقتها شعرت بالحزن علي من يموت هكذا كنت أظن أن الغريق فقط هو من ينام طويلًا في أحضان تلك المياه..
في هذا اليوم لم تنظر لعيناي وأخذ البحر نصيبي لم تلفظ بكلمة واحدة ولا حتي حرف في هذا اليوم لم يتكلم أيًا منا كان البحر فقط من يتكلم كان غاضبًا بشكل ملحوظ ومخيف عكس عادته دائما ما كنت أشعر أن البحر يبتسم لنا ورائحة الماء كالياسمين لكن هذا اليوم كنت خائفه لما صديقنا الودود الشاهد علي حبنا غاضب هكذا ويكأنه يصرخ كأنه تحول لآدمي يحمل هموم العالم أجمع وينهار ويصرخ..
بعدها تفوهت أنت بالفراق لأنك فقط لن تستطيع المجازفة أكثر ولم تعد تشعر بنفس ذات الشعور كنت تتلفظ وقتها بكلمات ليس لها معني غير مقنعة وقتها شعرت بغربة داخل مأمني وأماني ليس فقط وطني شعرت كأن العالم أصبح يهاجمني ويكأنني دخيلة عليهم ولست منهم كنت أشعر داخلي بحرب وجميع من في الحرب ضدي وأحاول الركوض والهروب ولا يوجد مفر.. .
أقرأ أيضًا رحلة في مستشفى العزل
ليس فقط من يلتهمه البحر يصبح غريقا..!!
هذا البحر و هذا المكان أنت تفوهت أمامه بالحب أول مرة وتفوهت به بالفراق أيضًا والآن تتفوه بالحب بعد ثلاثون عامًا وكأنه لم يحدث شيئا أولًا أغرقتني داخل الحب كنا كلانا معًا نستطيع الإبحار سويًا والتحليق لأعلى بعدها قمت بدفني داخل أعماق ذلك الحب ورحلت حتي لم أستطيع أن أعيد حياتي التي اندثرت..
ألم تسأم من كونك المتحكم في كل شئ؟ أنت تحب وأنت تترك وأنت تعود وأنت تحب ثانية أين أنا أين تلك الشابة التي تركتها لحزنها يلتهمها؟ أين تلك الشابة التي تركتها تغرق داخل وطنها؟ أين تلك الشابة التي جعلتها تتمني الموت داخل الموت أين هي؟!!
سأتركك الآن لحبك تتألم داخله سأعرفك معني أن يكون الفرد غريقًا علي اليابس وكيف تكون الغربة داخل النفس سأتركك لحبك يلتهمك ويدمرك كما فعل بي ماضيًا ستتدمر في هذا العمر كما تدمرت تلك البريئة لكن انتهي كل شئ أنا الآن أصبحت المدمرة أنا الآن أدمرك ولكن ليس علي طريقتك علي طريقتي أنا وأنا أنظر في عينيك وأنا في كامل قوتي..
أنت أكثر من رأيتهم جبنًا يا ليتك لم تعود يا ليت البحر لم يكن شاهدًا علينا أراه في كل مكان ووقتها أتذكر اليوم الذي دُفنت فيه أحلامي وأنهارت فيه ضحكاتي يا ليت روحي لم تلتقِ بروحك يوما ما يا ليت البحر التهمني قبل تلفظك بالفراق.
سأخبرك شيئا أنا الآن بعد رؤية سقوطك أمامي وانهيارك توقف ألمي وبات الألم يختفي كليًا بعد ثلاثون عامًا اليوم لم أري هيأتك متجسدة علي مياه البحر كما كنت أراها في الأعوام الماضية ومن هذه الساعة بدأت أستعيد عمري الحقيقي اليوم أتممت عامي الست وعشرون ألم ترَ البحر اليوم؟ لم أره سعيدًا هكذا من قبل لقد عاد كل شئ عند انهزامك سعيدا كما كان إلا أنت أنتهي عمرك الآن أما أنا فعمري ابتدأ من جديد.
أنت كتبت أولىٰ سطور تلك القصة وتوقفت فجأة عن سرد أحداثها وتريد البدء مجددًا فيها وأنا الآن أمام عينيك أحرقها وأمزقها..
من قال أن الوقت يشفي الجروح لكنت أنا أولىٰ من في العالم من يتخلص منك الوقت لا يشفي ولا يغير، رؤية العمر وهو يفنىٰ يشفي رؤية الأحلام وهي تختفي يشفي أيضًا رؤية الملامح وهي تبهت يشفي معرفة أنك الفرد الوحيد الذي تحارب يشفي كذلك لم أراك تحارب يومًا لا قبل ثلاثون عامًا ولا حتي الآن أنا فقط من كنت أتالم من قال أن الوقت يشفي لم أشفي منك إلا الآن بعد ثلاثون عامًا بعد رؤية انهزامك وانتصاري..
قل لي متي يصبح المرء غريقا؟ هل عند رؤية أحلامه تتحطم أمام عينه؟ أم عند رؤية العمر يفنىٰ دون تقدم أى شئ؟ أم عند الشعور بالوحدة دومًا فى كل مكان وكل وقت؟ أم عندما يتهمك ضميرك أنك السبب فى ما وصلت إليه حياتك بسبب غباء مشاعرك؟
فماذا يعني الغريق بالنسبة لك؟ قل لي أنت.
