لمِصر تاريخ طويل في الثورات .. أثبتَ مِن خلالها الشعب المِصري أنه شعب يتميز بالصبر و المُطالبة بحقوقه ورفضه الظُلم والفوضىٰ وليس شعباً «مُسالِماً أو خانعاً» يرضىٰ بالذُل ويَصمُت علي الهوان ، وينام علي الضيم .. فقد أثبتت الأحداث عَبر التاريخ أن الشعب المِصري تجاوز كثيراً ما حلَ به مِن كوارِث ، تلمُساً لطريق النجاة .. وبعد فيض الكيل يتجه إلي الخلاص .. خلاص ليس له طريق سِوىٰ الثورة وتغيير الأمر الواقِع ..،
وقد شهد التاريخ المِصري مُنذُ القِدم ثورات قام بها المِصريون علي سنوات طويلة حتي وقتِنا الحالي ؛ حيثُ أن هذه الثورات لم تأتِ مِن فراغ أو بشكل عشوائي بل علي العكس كانت لها جذور تمتد إلي أجدادُنا القُدماء وما شَهده عَصرِهم مِن احتجاجات و مُظاهرات تدُل علي أن الثورة كلِمة نُكررها دائماً ولا نَكترِث معناها ..
وفي الذِكري « العاشرة » لثورة قام بها الشعب المِصري ؛ والتي كان شعارُها «عيش .. حُرية .. عدالة اجتماعية» ألاَّ وهي ثورة 25 يناير 2011 .. ،
سوف نتعرف علي أول ثورة اجتماعية قام بها الشعب المِصري ودونها التاريخ بحروف مِن ذهب ..
والتي تُعتبر أول ثورة اجتماعية سَجلها التاريخ ..
أثبتت المَصادِر التاريخية أن هُناك تشابه كبير بين «الثورة الاجتماعية ، في عهد الملك بيبي الثاني » وثورة «25 يناير2011» ، حيثُ أن مِصر عاشت ظروفاً مُشابِهة لها قبل حوالي « 4 آلاف عام » وقامت بأول ثورة في التاريخ ، وأسباب الثورة تشابهت كثيراً مع أسباب ثورة 25يناير .. مِن حِيث فِترة تولي الحاكِم للبِلاد ، وسوء الأوضاع السياسية والإجتماعية ، والمعيشة وتفشي الفساد والظُلم والبطش .. حيثُ أن هذه الثورة أعقبتها الظروف نفسها التي أعقبت ثورة «25 يناير» فنجحت الثورة وحققت اهدافِها وتحولت مِصر بعدها إلي جنة الله في أرضِه .. ولا يجب أن ننسى أيضاً دور الجيش المِصري علي مَر العصور ومُنذُ القِدم في فض أول اعتِصام غير سِلمي في التاريخ ..
وإليكم أحداث «ثورة الرِعاع» في عهد الملك «بيبي الثاني»
قديماً ...،
في عام 2280 ق.م وفي أعقاب الأسرة السادِسة ، كان هُناك مَلك يُدعي «بيبي الثاني» .. هو خامس مُلوك هذه الأسرة .. ويُعتبر أكبر ملك حَكم في التاريخ .. حيثُ تجاوزت مُدة حُكمُه ما يُقارِب «93 عاماً» وكان قد بلغَ مِن العُمر أرذله ..
تعرضت البِلاد في فِترة حُكمه لحالة مِن التدهور الكبير في الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، هَب الشعب المِصري غاضِباً ضِد الظُلم وضِد فساد المَلِك وما حولُه مِن حاشية ظالِمة وفاسِدة .. لذلك قام الشعب بثورة في أعقاب الدولة القديمة ، لِما كان سائداً مِن فقر وجهل وماكان يُعانيه الفُقراء مِن عامة الشعب وبخاصة الفلاحين مِن ظُلم .. فلمَّا طَفح الكيل بيهم لم تجد الطبقات المظلومة أمامها إلا سبيل الثورة علي ما كان سائداً مِن أوضاع ..
كان الجيش مشغولاً في الدِفاع عن حدود البِلاد ، انتهز زُعماء الثورة الفُرصة وأخذوا يعملون علي تنظيم صفوفِهم وبث دعوتِهم وجمع السُلطة في أيديهم ..
وقد ساعدهم علي ذلك أن المَلك «بيبي الثاني» حَكم البِلاد 94 عاماً ؛ فكانت شيخوخته الطويلة حافِزاً لهم علي التمادي والتمهيد للثورة ، وعِندما تولي ابنُه الحُكم خلعه الثوار في السنة الأولي مِن توليه الحُكم ، ولم يَرِد نص تاريخي يُؤكِد مَصيره ..
كان المُتظاهرين يعتصِمون في أكبر معابِد مِصر لكى يلفِتوا النظر إليهم ويقومون ببعض الأعمال التي مِن شأنها إجبار المَلِك علي سماع مطالِبهم ، بدأت الثورة بمجموعة مِن المنشورات والشِعارات كانت الأولىٰ مِن نوعها في العالم القديم ، وقد جاء نص المنشور والمنقوش علي إحدىٰ لوحات الأوستراكا :
« الأرض لِمن زرعها .. والحِرفة لِمن احترفها ، وليس للسماء وصايا علي الأرض » .
تكونت العِصابات وخاف النَّاس مِن الذِهاب إلي حقولِهم لحرثها وامتنعوا عن دفع الضرائب المُستحقة للدولة وتوقفت التِجارة مع الخارِج ، فهجم عامة الشعب علي مخازِن الحُكومة ونهبوا ما فيها وعلي مكاتِب الدولة ، بل ولم تسلم مِنهم أهرام المِلوك السابقين أو مقابِر العُظماء فإعتدوا عليها وسَرقوا ما وجدوه فيها ولم يرعوا للموتيٰ حُرمة فألقوا بجُثثهم في خارِجها بعد أن عبثوا بها بحثاً عن كل ما هو ثمين .
وبعد أن هدأت الثورة الجامِحة وانتهي مايُمكِن نهبه ، أخذ الشعب يحس بحاجته إلي عودة النِظام بعد أن تركوا حقولِهم دون زِراعة وتعكرت مياه النيل بلون الدم ومُلِئت بجُثث الموتىٰ كما جاء في البردية التاريخية .
وبعد أن استمرت الثورة الإجتماعية لعِدة سنوات .. عانىٰ خِلالها المِصريون كثيراً ووِفقاً لِما ذَكره الحكيم «ايبور» ؛ فإن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية وصلت إلي مَرحلة مُتردية .. فقد مَرت مِصر بِتلك التجربة وانتهي الأمر بعد فِترة غير قليلة بإستقرار الأمور وإعادة توحيد البِلاد وظُهور الدولة الوسطىٰ .. إنها كانت دون شك فِترة مُؤلِمة ولكن الشعوب يجب أن تتعلم وأن تمُر بتجارُب ، ويكفي الفلاح المِصري فخراً أنه أثبت مُنذُ أكثر مِن أربعة آلاف سنة ، إنه مهما صَبر فللصبر حُدود ، وأنه إذا ثار يعرف كيف ينتَقِم مِن ظالمه !
ويكفيه أيضاً أنه صاحِب أقدم ثورة اجتماعية سجلها التاريخ .. !