12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

|شمس مصر|.. البرابرة يشطرون الإمبراطورية 

2022/02/12 06:20 PM | المشاهدات: 587


|شمس مصر|.. البرابرة يشطرون الإمبراطورية 
منار سعيد

ظلت الإمبراطورية الرومانية تواجه البرابرة طوال القرن الثالث الميلادي وهي تضمحل اجتماعيًا وتنحل خلقيًا وكان أباطرة تلك الفترة مقاتلة عسكريين مستبدين كما أن عاصمة الإمبراطورية راحت تنتقل حسب ما تقتضيه ضرورات سياستهم الحربية فتكون القيادة الإمبراطورية في ميلانو آنا وآن آخر فيما يسمى ببلاد الصرب بمدينة سيرميوم أونيش أو بنيقوميديا إحدى مدن آسيا الصغرى ذلك أن مدينة روما الواقعة في منتصف شبه الجزيرة الإيطالية كانت من البعد عن مركز النفوذ والسلطان بحيث لا تصلح أن تكون قضية ملائمة للإمبراطورية ولذا أخذ الاضمحلال يدب إليها أجل لم يبرح السلام أن يرفرف على معظم أجزاء الإمبراطورية وكان الناس يتنقلون في ربوعها دون حاجة إلى حمل السلاح كما أن الجيوش ظلت معقل القوة ومصدرها الأوحد ولكن الأباطرة الذين كانوا يعتمدون على كتائبهم ما انفكوا يزدادون استبدادًا ببقية أجزاء الإمبراطورية وتزداد هولتهم في كل آن شبها بدولة الفرس وغيرهم من ملوك الشرق حتى لقد بلغ الأمر بدقليديانوس أن اتخذ لنفسه تاجًا ملكيًا وارتدى ثيابًا شرقية وفي إبان ذلك كان أعداء الإمبراطورية يضغطون بشدة على امتداد حدودها بأكملها وكانت الحدود تمتد على طول نهري الراين والدانوب بوجه التقريب تقدم الفرنجة وغيرهم من القبائل الجرمانية حتى نهر الدين، واحتل الوندال شمال بلاد الحجر؛ بينما نزل القوط الغربيون فما كان يسمى آنذاك باسم داكيا، التي هي رومانيا الحالية ومن وراء هؤلاء بجنوب الروسيا استقر القوط الشرقيون، بينما حل من ورائهم الألن (Alans ) بإقليم الفولجا، وليت الأمر اقتصر على هؤلاء، فإن الشعوب المغولية كانت تشق آنذاك طريقها شقًا نحو أوروبا وكان الهون يفرضون الجزية وقتئذ على الألن والقوط الشرقيين ويدفعونهما غربًا. 

أما في آسيا فإن التخوم الرومانية أخذت تتصدع وتتراجع بضغط دولة فارسية فتية ناهضة وقد قدر لدولة الفرس الجديدة هذه، القى أقام دعائمها ملوك بني ساسان أن تصبح منافسًا قويًا محبوًا بالنجاح في جملة الأمر، وخصها لدودا بآسيا للدولة الرومانية إبان القرون الثلاثة التالية. 

ولو أننا نظرنا على خريطة أوروبا لأدركنا مظاهر ضعف الإمبراطورية فإن نهر الدانوب يتحول مجراه حتى يصبح على بعد لا يتجاوز مالتي ميل من البحر الأدرياتي بالمنطقة التي يسمونها اليوم باسم أقاليم الصرب والبوسنة، وهناك ينحرف شرفًا محدثًا زاوية قائمة منعكسة

ولم يكن الرومان يهتمون بالمحافظة على مواصلاتهم البحرية وحسن نظامها ولذا كانت هذه السلحة الضيقة من الأرض التي لا تتجاوز المسائتي ميل خط مواصلاتهم الوحيد بين شطر إمبراطوريتهم الغربي الناطق باللاتينية وشطرها الشرقي الناطق باليونانية وكان ضغط البرابرة أعظم ما يكون في تلك الزاوية القائمة من نهر الدانوب حتى إذا اخترقوها أصبح انقسام الإمبراطورية إلى شطرين أمرًا لا مفر منه .

 

اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. معبد بيت الوالي

 

ولو وجدت مكان الإمبراطورية الرومانية دولة أقوى بأسًا لزحفت أمامها واستردت مقاطعة «داكيا» ولكن تلك الإمبراطورية كانت تعوزها مثل تلك الشكيمة القوية .

ومن المحقق أن قسطنطين الأكبر كان عاملًا شديد الإخلاص والذكاء، فصد غارة للقوط جاءت من تلك المناطق البلقانية الحيوية نفسها، ولكنه لم يملك من القوة العسكرية ما يتيح له أن يدفع الحدود إلى ما وراء الدانوب كما أنه شديد الانشغال بضعف الإمبراطورية الداخلي وإصلاح عيوبها فلجأ إلى ما للمسيحية من قوة تماسك وروح معنوية راجيًا أن يبعث بهما روح الإمبراطورية المتداعية، كما قرر أن ينشىء لها عاصمة جديدة دائمة مقرها بيزنطة على مضيق البوسفور، وراح يعيد بناء المدينة من جديد، ويطلق عليها اسمًا جديدًا هو القسطنطينية تيمنًا باسمه، واسكنه قضى نحبه قبل أن يتم عمله. 

" وحدثت في آخر أيام هذا العاهل صفقة عجيبة، فإن القوط ضغطوا على الوندال فلجأ هؤلاء إلى الإمبراطورية يلتمسون قبولهم بها، فمنحوا بعض الأراضي في بانونيا، التي هي اليوم شطر بلاد المجر الواقع غرب نهر الدانوب، وأصبح مقاتلتهم في مقابل ذلك فرقة من جند الإمبراطور اسميا على أن هؤلاء الجند الجدد ظلوا تحت إمرة رؤسائهم الأصليين، ولذا فشلت روما في هضمهم

مات قسطنطين وهو مكب على إعادة تنظيم مملكته، وسرعان ما اخترق القوط الغربيون حدودها وتقدموا حتى أوشكوا أن يبلغوا القسطنطينية، فهزموا الإمبراطور التز عند أدرنه، ثم عقدوا تسوية استقروا بها بمنطقة بلغاريا الحالية مثلما استقر الوندال في باتونيا، وبهذه التسوية صاروا رعايا للإمبراطور بالاسم فقط، ولكنهم في الواقع غزاة فاتحون

 

اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. الملك هِيردوس الأول

 

وفي عهد الإمبراطور تيودوسيوس الأكبر ( 379 – 395 )، ظلت الإمبراطورية متماسكة من الناحية الشكلية وكانت جيوش إيطاليا وبانونيا تحت قيادة استيليكو الوندالي، بينما كان على رأس جيوش جزيرة البلقان الأريك وهو من القوط ولما مات نيودوسيوس عند نهاية القرن الرابع ترك من ورائه ولدين فناصر الأريك أحدها وهر (أركاديوس) بالقسطنطينية، وظاهر استيليسكو أخاء الآخر (هونوريوس) بإيطاليا ومعنى ذلك بعبارة أخرى أن الأريك ومنافسه استيليكو اقتتلا على الإمبراطورية متخذين من الأميرين ألعوبة في أيديهما، وفي غضون ذلك الكفاح، زحف الأريك على إيطاليا، واستولى على روما بعد حصار قصير ( 410 م ) .

شهد النصف الأول من القرن الخامس وقوع الإمبراطورية بأكملها بين براثن جيوش من اللصوص أو البرابرة ويكاد يعسر علينا تصور صورة حقة لأحوال العالم إبان تلك الفترة، فالمدن العظيمة التي ازدهرت في ظل الإمبراطورية الأولى بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وشبه جزيرة البلقان لم تزل قائمة عند ذاك، ولكن الفقر عضها بنابه 

 

اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. لوحة حلم أبي الهول

 

وهجرها سكانها وعدت عليها عوادي الاضمحلال ولا بد أن الحياة بها قد أصبحت سطحية منسطة مفعمة بعدم الاطمئنان إلى المستقبل، كما أنه لا شك في أن الموظفين المحليين ظلوا يظهرون سلطانهم ويواصلون أعمالهم كل حسب ما أوتى من ضمير، وذلك باسم الإمبراطور الذي أصبح عندئذ بعيدًا أعظم البعد ولا سبيل إلى الوصول إليه، وواصلت الكنائس عملها ولكن على يد قساوسة معظمهم في العادة من الأميين، وقل القراء والقراءة وانتشرت الخرافات واستبدت بالناس المخاوف ولكن الكتب والتماثيل والصور وما ماثلها من إنتاج فني لم تبرح موجودة في كل مكان، اللهم إلا حيث دمرها الناهبون والمعتدون

دب الانحلال أيضًا في حياة الريف، فزايل الخبر وحسن الشكل كل أصقاع ذلك العالم الروماني فبعض المناطق أحال الحرب والوباء أرضها الزراعية إلى يباب مقفر - وعات اللصوص في الطرق والغابات فسادًا، وتقدم البرابرة إلى تلك المناطق وهي على ذلك الحال، فلم يلقوا مقاومة تذكر ونصبوا رؤساءهم حكامًا عليها، وأطلقوا عليهم في كثير من الأحيان الألقاب الرومانية الرسمية، فإنهم كانوا برابرة نصف متحضرين، منحوا الجهات التي يفتحونها شروطًا معقولة، فيمتلكون المدن ويختلطون بأهلها ويتزوجون منهم ويتعلمون اللسان اللاتين ينطقونه بنيرة خاصة؛ على أن الجوت والأنجل والسكسون الذين نزلوا بمقاطعة بريطانيا الرومانية كانوا شعوبًا زراعيين، لا حاجة بهم إلى المدن ويلوح أنهم طهروا جنوب بريطانيا من كل السكان المسطينين بالصبغة الرومانية، واستبدلوا بلغة أولئك السكان لهجاتهم التيوتونية التي أصبحت اللغة الإنجليزية آخر الأمر

ومن المحال علينا أن نترسم في هذا المجال الضيق حركات جميع أصناف القبائل الجرمانية والسلافية المختلفة وهي تروح وتغدو في هذه الإمبراطورية المختلة النظام بحثًا عن الأسلاب والغنائم والتماسًا لموطن جميل تستقر فيه على أننا سنتخذ الوندال مثالًا نسوقه إليك فإنهم ظهروا على مسرح التاريخ بألمانيا الشرقية واستقروا كما أسلفنا في باتونيا ومنها انتقلوا إلى إسبانيا حوالى 435 م مخترقين الولايات التي تقع في طريقهم فوجدوا بإسبانيا القوط الغربيين الوافدين من جنوب الروسيا، كما وجدوا قبائل ألمانية أخرى نصبت عليها الملوك والأدواق

 

اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. لغز اختفاء لحية أبو الهول

 

وأبحر الوندال من إسبانيا إلى شمال إفريقية ( ٢٩ : ) بقيادة جلسريك واستولوا على قرطاجنة ( 449 )، وأنشئوا أسطولًا، وما لبثوا أن أحرزوا السيادة البحرية ثم استولوا على روما وانتهبوها (455) ولما تنهض بعد من كبوتها تمامًا بعد الذي أصابها من عدوان ونهب على يد الأريك قبل ذلك بنصف قرن، ثم راح الوندال يسطون سيادتهم على قورسيقة وصقلية وسردينية ومعظم جزائر البحر المتوسط الغربي الواقع أنهم أنشئوا دولة بحرية شديدة الماثلة في سعتها ورقعتها بإمبراطورية قرطاجنة البحرية قبل ذلك بسبعمائة عام على وجه التقريب، وبانت دولتهم ذروة رفعتها حوالي 477 ولم يكن الوندال إلا طائفة صغيرة من الغزاة استولت على ذلك الإقليم بأجمعه ولكن لم ينصرم القرن التالي حتى استردت القسطنطينية جمع أقطار دولتهم تقريبًا إبان نهضة مؤقتة في عهد جستنيان الأول

وليست قصة الوندال إلا مثالًا واحدًا من المغامرات المائلة ولكن ها قد أقبلت إلى العالم الأوروبي جحافل أبعد ما تكون شبهًا بهؤلاء العابثين وأبعث للرعب في القلوب: اللون المغوليون أو التتار، وهم شعب أصغر مليء بالنشاط والاقتدار، بصورة لم يلتق العالم الغربي بمثلها قبل ذلك أبدًا