« والله ما طلعت شمسٌ ولا غرُبت إلا وحبُّك مقرونٌ بأنفاسي ، ولا خلوتُ إلى قومٍ أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جُلاسي ، ولا ذكرتك محزونًا ولا فرِحًا إلا وأنت بقلبي بين وسواسي ، ولا هممت بشُرب الماء من عطشٍ إلا رأيت خيالًا منك في الكأس »
دعنا ننسى الآلام ، ولنُهيّم بروحنا هُناك .. نحن في الأرض ، وأرواحنا في السماء .. ما بين القلب ونبضه ، روحٌ مُهيمة .. فإذا هجرتُك روحك سافرت لله .. وبقى برفقتك جسدك فقط .. وكُل شيء في موطنه الأصلي ..
التصوُّف .. هذا التجلي بالذات ، أظنُّك صادفته يومًا وتعلم تمام العلم أن هُناك خطب غريب يجعل جسدك يُقشعر بكل ما فيه من مشاعرٍ ، أترى هذا المُتصوّف .. يلتف ويلتف بحركاتٍ مُعينة هو يعلمها تمام العلم .. تاركًا خلفه الدنيا وما فيها .. فمالي ومال الناس إن مالوا وإن عدلوا ، ديني لنفسي ودين الناس للناس
إقرأ أيضاً/الملكة حتشبسوت
كلمة التصوُّف في أصلها عائدة على الصوف ، فالمُتجرد لحياة الصوفية يُسمى « مُتصوفًا »
ولقد ورد لفظ الصوفي لأول مرة في التاريخ في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ، حيث أُطلق على جابر بن حيان « عالم كيمياء شيعي من أهل الكوفة له في الزُهد مذهب خاص » .. أما الصوفية بصيغة الجمع ، فظهرت في عام ١٩٩ هـ ، وتتبّع الصوفية مذهبين ألا وهُما : الشيعي ، و السُني .. وكان التصوُّف في أول عهده يدور حول نقطتين :
١ - العكُوف على العبادة يُولِد في النفس فوائد وحقائق روحية ..
٢ - القلوب تعكس على النفس معرفة فريدة تجعلها تتلقى الفوائد والحقائق الروحية ، ولكن لم يتم الإعتراف بتلك النظرية ، وتم الإعتراف أن النفس صاحبة معرفة نظرية فقط ..
هل أطرقُ بابك بعد ضياع الكُلِ ، أو يصلح أن أقترب إليك بـ ذُلّي !
تمتّع المتصوفون بمكانةٍ كبيرة ، بل أنه قيل أنهم أصحاب كرامات نظرًا لتقربهم الشديد من الله ومعرفتهم به ، والواصل إلى درجة « العرفان » تنكشف له الحجب ، ويشهد من علم الله ما لا يشهده سواه ، وتظهر على يديه الكرامة التي تُعتبر أمر خارق للطبيعة والعادة ..
إقرأ أيضاً/هرم الملك أوناس
هل أتعبتك الحياة ؟ .. هل ضاقت بك !
فماذا لو زهدتها ، وتركت لها ملذاتها ! .. أعلم أن قلبك قد ضل ، ولكنّه الله لا يعرف قلبك سواه .. يُجمّلك إذا وصل قُبحك للأحشاء ، ويقويك إن عجزت .. فليت الذي بينك وبينه عامرًا ، وبينك وبين العالمين خراب ..
فلنُرمم أرواحنا معًا ولنذهب الآن لـ : جلال الدين الرومي
هو مُحمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي ، وعُرف بالرومي لأنه عاش مُعظم فترات حياته بين سلاجقة الروم ، وهو مؤسس الطريقة المولوية أو الرقص الدائري ..
« كنت أحاول أن أُغيّر العالم ، أما الآن .. وقد لامستني الحكمة ، فلا أحاول أن أُغير شيئًا سوى نفسي »
قضى حياته يحاول أن يرقى بروحه لأسمى الدرجات .. حد النقاء ، والصفاء الذي لا يُعكره شيئًا قط .. ليغيب العقل ، وتستيقظ الروح ..
فلنُجربها معًا ..
أنا وأنت نرتدي عباءة بُنية اللون « نسبة إلى الأرض » وسنخلعها ونترك معها الحياة ونظل بالثياب البيضاء ، إستعدادًا للموت ، ونسبةً للكفن
أما المسئول عنّا مُرتديًا عباءة سوداء فوق ألبسة بيضاء فضفاضة « دلالة على الكفن » ، والطربوش « دلالة على شاهد القبر » ..
نحن الآن معًا .. هُنا ، وسنبدأ بالدوران عكس عقارب الساعة ، إنها حركة الكون وحركة دوران الكواكب حول الشمس .. لمناجاة الخالق ، فكُل شيء في الكون يدور ، لنُجرّد الروح المُثقلة بالذنوب خارج الجسد .. لتُصبح أخّف ، وأنقى ..
حولنا في كل مكان أصوات مملوءة بالذِكر .. أتسمع هذا الناي .. سيُلغي التفكير ويجعل عقلك صامتًا ، وستهدأ روحك ، فعقلك مُعتاد على التكيّف بالتكرار ، والآن .. إرفع يدك اليُمنى لتستقبل الطاقة والنور الإلهي ، أما كف اليد اليُسرى فسيبقى مُوجه للأسفل لتعطي تلك الطاقة للأرض ، وتتحرر من الشهوات الدنيوية .. إنها حركة التواصل بين السماء والأرض ، فلتُغمض عينيك وتحني رأسك على الكتف .. ولتجعل قدمك اليسرى ثابتة ، تدور حولها قدمك اليُمنى على أطراف أصابعك .. ولنذكر الله في كل لفة دائرية نتحركها .. ولكن .. إنتبه فالأرض التي تقف عليها مُقسمة بخطٍ رمزي لا يجب أن نلمسه ، فهو بمثابة الصراط المستقيم الآن .. إننا نسعى فقط لنذهب إليه ، لنتواصل معه .. خالق الكون وما فيه
إقرأ أيضاً/الهرم الجنوبى للملك سنفرو
ماذا لو تلاقت أرواحنا معًا .. هُناك ، في السماء السابعة ، فلقد أفنيت روحي بـ حُب وهُيام ، لنزهد الحياة وما فيها ، ونلتقي للمرة الثانية .. ولكن بأرواحنا فقط
« لن تكون الأرض بعد الموت قبري ، إن قبري في صدور العارفين »
كان هذا ما كُتب على قبر جلال الدين الرومي ، كما أصبح هذا ما يتبعه المولويين بعده ..
أتعلم ما الذي دفع جلال الدين الرومي إلى تلك الطريقة المولوية ؟ .. ليسرد لك بنفسه ، ولتقترب منه أكثر فأكثر
مات صديقي ومُعلّمي « شمس التبريزي » فحزنت ، وآلمتني روحي ، تركت الحياة وما فيها ، وأردت أن أعتكف .. ولكنني مُثقلٌ بالهموم ، لم أجد مُتسع الحياة يكفيني ، وضاقت بي السُبُل .. فاتجهت للرقص الدائري ، تخفيفًا عن جسدي وشفاءً لروحي ، فإن الروح التي تُكسر قيد حبس الماء والطين ، وتتخلّص منها تكون سعيدة القلب ، فتكون راقصة في فضاءات عُشّاق الحق ، لتكون كالبدر في تمامه ، فالأجساد الراقصة لا تُسأل عن أرواحها ، ولا تُسأل عمّا ستتحول إليه ..
هُناك أثرًا باقيًا هُنا .. بمِصر ، وتمت ممارسة الطريقة المولوية به .. ألا وهو : التكية المولوية
نحن الآن في شارع السيوفية بالقاهرة ، ونقف تحديدًا أمام التكية المولوية ، وسآخذ بيدك لنُخطّي خطوة تلو الأخرى داخلها ..
لقد كان الهدف الأول من إنشاء ذلك الأثر إيواء وإطعام الدراويش والفقراء ، وتعليم الأطفال القرآن .. أنظر الآن أيضًا بدقة أكثر ، فهذا المكان الذي تقف في منتصفه تحديدًا يُعتبر المسرح الأول بمصر والشرق الأوسط لممارسة الطريقة المولوية والتي كانت منتشرة بكثرة في العصر العُثماني
أردت أن أعرف فقط الطريق الصحيح ، ذلك القلب الغير مُكتمل تُكمله الروح ، أتأمل الأرض وما يدور فيها ، فتخرج روحي عن جسدي مُعلنة عن شكوكها ، ذنوبها ، وتقواها .. رُبما تجمعنا أرواحنا فتُصبح الأكثر نقاءً .. يشّع في روحي الآن كوكبًا كاملًا تختبيء بين ثناياه السبع سماوات
إقرأ أيضاً/"الشهد (العسل) فى مصر القديمة"