نص الحديث:
عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ -رضي اللّٰه عنه- عن النَّبيّﷺَ قال: «إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خَضِرةٌ، وإنَّ اللّٰهَ مُسْتخلِفَكم فيها فَيَنْظر كيف تَعمَلون، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساءَ، فإنَّ أوَّلَ فتنةِ بني إسْرائيلَ كانتْ في النِّساءِ». رواه مُسْلم.
راوي الحديث:
هو أبو سعيد، سعد بن مالكٍ بن سنان بن ثعلبةٍ بن عبيدٍ بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج.
فهو إذن خزرجي أنصاري، حاز فخر مناقب الأنصار، ولد لأب صحابي من الخزرج، وأم صحابية من بني النجار؛ أخوال رسول اللَٰهﷺَ.
كان -رضي اللّٰه عنه- من صغار الصحابة، شهد بيعة الرضوان والعديد من المشاهد مع رسول اللهﷺَ، ورغم صغر سنه؛ إلا أنه كان من أفقه الصحابة وأعلمهم بكتاب اللّٰه حفظا وفهما وقراءة وتحفيظا وتفسيرا، وأعلمهم بسنة رسول اللَٰهﷺَ تحديثا وعملا وفقها...
كان -رضي اللّٰه عنه- شجاعا مجاهدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا تأخذه في اللّٰه لومة لائم، عفيفا، مؤثرا، حييا، فقيها عالما بالقرآن والسنة.
توفي -رضي اللّٰه عنه ورحمه- يوم الجمعة في المدينة، وهناك أقوال كثيرة جدا في سنة وفاته تترواح بين سنة أربع وستين وأربع وسبعين للهجرة، فاللهم اشهد أنا نحبه ونحب الصحابة أجمعين فارض عنهم ربنا.
اقرأ أيضا : أمهات المؤمنين
شرح الحديث:
هذا الحديث من جوامع كلم النبيﷺَ وفيه صيحة تحذير من ناصح مشفق يبين فيها حال الدنيا وما تميل إليه النفس فيها، إذ النفس كما قالوا "مولعة بحب العاجل" وهذا العاجل هو الدنيا، فالنبيﷺَ يقول إن هذه الدنيا حلوة للنفس خضرة المنظر؛ تريدها النفس وتشتهيها العين، ولكن أيها المسلم احذر؛ فأنت فيها على الاختبار فلا تغر بقليلها إذ الكثير في الآخرة، إن اللّٰه مستخلفك في الدنيا وجاعلك فيها خليفة لينظر -وهو أعلم سبحانه- كيف تعمل فيها؛ فيجازيك جرّاء عملك في الآخرة "وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ".
"فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"
فما العمل؟
قالﷺَ: "فاتقوا الدنيا"
هذا هو الحل، أن تجعل بينك وبين هذه الدنيا وقاية، تزهدك فيها، وتجعل الآخرة نصب عينيك، ولا تعلق قلبك إلا بالآخرة، وأن تبتعد عن الدنيا وفتنها ومحارمها، ومن أهم هذه الفتن؛ فتنة النساء، لذلك قالﷺَ ذاكرا الخاص بعد العام مهتما به لعظمه كأنما يشدد على التحذير منه:"واتقوا النساء" أي اتقوا المحرمات التي تحدث بين الرجال والنساء، فاجعلوا وقاية بينكم وبينها.
اقرأ ايضا : أم المؤمنين أم سلمة
واتقوا النساء عامة لا تختلطوا بالأجنبيات فيهن، ولا تظلموا غير الأجنبيات.
فلا تتحرشوا بالأجنبيات، ولا تطمعوا فيما ليس لكم منهن ولا تخالطوهم من غير ضرورة، ولا تعدوهن، ولا تخلوا بهن-حتى عن طريق الهاتف بالمكالمات من غير حاجة- مهما كان السبب، ولا تكذبوا عليهن، ولا تخادعوهن كل صباح ومساء، ولا تستغلوا ضعف بعدهن وقلة إدراكهن، واتقوا اللّٰه في كل شأنهن...
واتقوا اللّٰه في القريبات غير الأجنبيات؛ فبروا الأم والجدة، وصلوا الخالة والعمة، واستوصوا بالأخت والزوجة، وأرحموا بنات الأخوات والابنة، فذلكم هو تقوى النساء.
اتقوا الطمع فيما لم يحل اللّٰه من شأن النساء في الميراث فلا تأكلوهن، وفي العين فغضوا أبصاركم عن الأجنبيات منهن...وهكذا من كل شأن النساء.
اقرأ ايضا : زواجه من خديجة
احذروا واتقوا التقاتل لأجلهن، واتقوا كيدهن، واتقوا التفريط في سترهن والغيرة عليهن، وتربيتهن تربية حسنة.
اتقوا النساء أيها الرجال، كلمة عامة في حق كل ما يمس النساء من قريب أو بعيد مما حرم اللّٰه.
"فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"
فإن أول افتتان بني إسرائيل كان في النساء ثم فسد بعد ذلك دينهم، فكانت المرأة من بني إسرائيل تزور طولها، وجمالها، وشَعرها، وتكلف زوجها ما لا طاقة له به من النفقة لأجل التعطر والتزين خارج البيت، وتتزين حتى في أماكن العبادة ...كما جاءت بذلك كلها الأحاديثُ الصحاح.
وقد علم أننا سنتبع ملتهم، فحذرناﷺَ من ذلك أشد التحذير، فمن اتقى وانزجر فله ما فعل، ومن طغى وتكبر وعصى فلا يلومن إلا نفسه، وليتحمل عاقبة فعله، ونعوذ باللّٰه من الخذلان، والحمدللّٰه رب العالمين.