12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

ماذا قلت؟!. 

2020/08/31 10:40 AM | المشاهدات: 2216


ماذا قلت؟!. 
أحمد السندري

الوطن هو الملاذ الآمن الحصين، يشعر فيه مواطنوه بالألفة والتآلف، والعزة والتكاتف مع أهلهم وذويهم، وذلك إذا كان - الوطن - في حالة من الاستقرار والثبات من حيث الأحداث التي تقع عليه، وخير من يعرفون قيمة ذلك هم الأمة المحتلة، المستعمرة استعمارا غاشما، ومحكومة بأيدي مغتصبة ظالمة ضالة،

يفهمون ما معنى الحرية، وماذا يعني إن كنت حرا في بلدك وعلى أرضك، يدعون الله إذا كانوا في زمن الاحتلال، ويحمدونه لا لرضاهم بما هم فيه من سلب و نهب أراضيهم بواسطة المجرمين الطغاة، ولكن حمدا لرضاهم بما قدّر الله لهم، ومع ذلك هم يضحون بأرواحهم كبارا كانوا أو أطفالا، رجالا كانوا أو نساءً من أجل أن يسترجعوا أرضهم، ومعها حريتهم وكرامتهم، وكل شئ من الطبيعي أن يتمتع به الإنسان.

 

اقرأ أيضاً. انقسام الذات عند المصري القديم

 

قد نرى أحدا فاقدا الأمل في عيشته، والأمر ذاته في تحقيق طموحه إذا كان قد طمح قبل أن يشعر باليأس، ذلك عند الكبار ومن فيهم الشباب كبداية للطموح وممارسته على أرض الواقع، فأحدهم قد حدد هدفه مذ كان يافعا، ضئيل المعرفة، فقير الخبرة، لم تتلقفه مصيدة الحياة ومتاهاتها، الأمر الذي يلازمه الخوف من المستقبل، وحمل هم الغد، مما يؤثر على نتاج اليوم، عندها يكون الشخص قد دخل تلك المتاهة. 

 

مما يثير للشفقة والبكاء الداخلي على حالنا، أن ترى عدم الأمل في عين الصغار أنفسهم، وهم متأثرون بكلام الكبار عن الحال الآن، وما بعد ذلك، وصل بهم الحال أن يرددوا كلام من فقدوا الأمل في وطن أن يضمن لهم مستقبل أفضل، أن يأويهم بأمنه، وبخيره، وصل إلى خيالهم - الأطفال - أن وطنهم ستُسلب أرضه سيُنتَهك عِرضُه، ما عاد في قلوبهم طمأنينة تجاهه، فقد تغلغل الخوف من بين ضلوعهم حتى استقر في أعمق القلب، حيث إنني لا أنسى أبدا ذلك الطفل الذي قال دون تردد وهو يقاطع نفسه في الكلام متحدثا إلىَّ، كأنه تذكر شيئا ليقوله، ما أوقفني غارقا في ذهولي من كلامه، وبعد أن سمعته أول مرة، قلت له وقد انتبهتْ كل جوارحي تجاهه، ماذا قلت؟، فيقول بطريقته الطفولية البريئة : " سنكون في السوق ذات يوم، وإسرائيل ستقبض علينا "، القول الذي لم أتوقعه أبدا، أن أسمع مثل هذا الكلام من طفل لم يُكمل عقدا واحدا، وهو لا يعرف من البلاد إلا وطنه "مصر"، عندما بادرت لأسأله: أتعرف فلسطين؟، قال : لا، لا أعرف غير مصر. 

 

اقرأ أيضاً: التخاطر العقلي 

دعْك من أنه طفل لا يعرف شيئا، غير اسمه رباعيا، إذا سألته ما اسمك، فيرد مسرعا فلان إبن فلان إبن فلان إبن فلان في نفس واحد، ولا يعرف من الأماكن غير حدود قريته الصغيرة، دعك من هذا كله، فإن التعليق على ذلك لا يجب أن يكون لاحتقار طفولتهم وحديثهم، ولكن أن يكون مثلا، من أين لك هذا الكلام، فيرد عليَّ ببراءته وطفولته البيضاء: أنا وأطفال مثلي كنا نلعب وقلنا هذا، وفي نفسي أسأل ثانية، من أين لأطفال مثلهم هذا الحديث، لم يتركني فضولي لحظه أن أترك ذلك الطفل حتى أسأله : ماذا لو جاءت " ما تتسمى"، ثم ليفهم أكثر قلت له لو جاء أحدهم وأخذ منك بيتك وأرضك، واعتدى عليك وإخوتك، ماذا ستفعل، ثم بتلك النظرات الساقطة منه على كل شئ في المكان، يتركني أنتهي من سؤالي ليصمت قليلا، كأنه يفكر فيما سيفعل، من المبدأ، ولكن أدهشني بقوله أثناء ما كان يمد يده على قطعة من المعدن في شكل عود الحطب، سأمسك بمثل هذه وأدافع عن بيتي وأهلي، ويضيف : لدينا مثل هذه - قطعة المعدن - في البيت، لم يكن ليفكر ماذا سيفعل كما ظننت، ولكنه كان يتطلع إلى ما في المكان ليستعرض أمامي وحتى أفهم مباشرة ماذا سيفعل. 

 

اقرأ أيضاً: ابتسم  

 

لا علينا جميعا إلا أن ندرك ماذا نريد، ولماذا نريد، ومتى نريد، وكيف نحقق ما نريد، وعندما ندرك ذلك يصبح الواقع ممهدا لأن يشهد ذلك، وللأطفال حق علينا أن نعلمهم أكثر عن معنى الوطن، ومعنى أن يحتل أحدهم الوطن، وأن نقرأ لهم التاريخ، ولا نقتصر ذلك على كتب التاريخ في المدارس، بل نجعل من وعيهم وعيا حقيقيا بما حدث، وما نحن فيه، ومن أين للصغار هذا، إن لم يكن الكبار يدركونهأيضاً