12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

الملك مينا الفرعون الذي وحد مصر

2024/04/05 11:47 PM | المشاهدات: 65


الملك مينا الفرعون الذي وحد مصر
محمود جلال اليماني

مقدمة : 
قاد هذا الملك الشجاع حملة عسكرية استثنائية لتوحيد أراضي مصر تحت راية واحدة.
لم يكتفِ بذلك، بل قام بإنشاء عاصمة جديدة في منف، حيث أقام قصورًا رائعة ومعابده ساحرة. كانت هذه المدينة تجسد قوته وعظمته كملك.ولكن هذه ليست نهاية قصته المدهشة! فقد تم تخليده على لوحة مينا، الشهيرة في المتحف المصري بالتحرير. إن رؤية هذه اللوحة التاريخية تجعلك تشعر وكأنك في حضور هذا الملك الأسطوري وانتصاراته.

قصة الملك مينا: 
مثيرة وشغفه لتوحيد مصر يستحق الاحترام والإعجاب. فهو ليس مجرد ملك، بل هو رمز للقوة والشجاعة والتفاني في خدمة شعبه. انضموا إلى رحلة استكشاف حياة هذا الملك  واستعدوا للانبهار بتفانيه في بناء إمبراطورية مصر القديمة.


المحتوي:
 
١-مصر قبل توحيد مينا: 
كانت تتكون من مملكتين مستقلتين، مملكة الشمال ومملكة الجنوب. عاصمة مملكة الشمال كانت بوتو، في حين كانت عاصمة مملكة الجنوب نخب. شعار مملكة الشمال كان نبات البردى، بينما كان شعار مملكة الجنوب زهرة اللوتس. لون تاج مملكة الشمال كان أحمر، بينما لون تاج مملكة الجنوب كان أبيض. إله ومعبود مملكة الشمال كان ثعبان الكوبرا، أما إله ومعبود مملكة الجنوب فكان انثى النسر.

٢-توحيد مصر: 
قام الملك مينا حاكم مصر بتوحيد المصريين وإقامة حكومة قوية في عام 3200 ق.م.
 لقد اختلف االمؤرخين فى تحديد السنة التى بدأ فيها الملك مينا حكم مصر المتحدة، فمنهم من يرجع بنا إلى سنة 4326 ق .م، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويضع تاريخ هذا الحادث فى نحو سنة 5000 قبل الميلاد.

ويوجد مؤرخين من جهة أخرى يميلون إلى التاريخ القصير ويؤرخين هذا الحادث بعام 2900 قبل الميلاد، أو عام 2704 ق .م، غير أن الآراء أصبحت الآن متفقة على اتخاذ طريق وسط بين هذين الحدين فجعل 3200 ق.م، وهذا التاريخ الذى بدأ فيه ملوك مصر المتحدة يحكمون البلاد يعرف ببداية التاريخ المصرى عن "مانيتون".

وترتب على ذلك أنه أصبح مؤسس أول أسرة حاكمة فى تاريخ مصر القديمة، ولبس التاج المزدوج الذى يتكون من تاج مملكة الشمال "الأحمر" ومملكة الجنوب "الأبيض".

أصبح أول حاكم يحظى بألقاب عديدة، منها: ملك الأرض، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال.

 أدرك الملك مينا أهمية بناء مدينة تسهم في رقابة الوجهين القبلي والبحري، فأسس مدينة جديدة على الشاطئ الغربي للنيل، مكان قرية "ميت رهينة" الحالية بمحافظة الجيزة، وقد كانت في بادئ الأمر قلعة حربية محاطة بسور أبيض، أراد بها صاحبها أن يحصن ويحمى المملكة من غارات أصحاب الشمال وأطلق عليها اسم "نفر" أى الميناء الجميل وتحولت فيما بعد إلى مدينة "ممفيس". ثم سماها العرب منف أصبحت مدينة منف عاصمة لمصر في عهد الدولة القديمة حتى نهاية الأسرة السادسة.

لكن بداية القصة كما يقول الدكتور والمؤرخ الكبير سليم حسن:
 حسب ما ذكر فى موسوعته مصر القديمة، إن الظاهر أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية لم يتخذوا "منف" عاصمة لملكهم، ولم يفكروا قط فى نقل مقر ملكهم إليها، وإذن يحتمل أن منف لم تكن يومًا من الأيام عاصمة المملكة المتحدة، والظاهر أن الدور الذى لعبته فى تاريخ البلاد كان أقل من ذلك أهمية، فلم تتعد كونها معقلا للبلاد فى الجهة الشمالية، أى أنها كانت قلعة حصينة، أما الملوك فإنهم استمروا فى إقامتهم فى الجنوب الأقصى متخذين بلدة "نخن" مقرًا لهم، ولذلك كانت أهمية منف الإشراف على بلاد الدلتا التى فتحت حديثًا وضمت إلى ملك الصعيد، وقد كان لقرب منف من هذه البلاد التى ضمت حديثًا أهمية أخرى، إذ جعلتها مركزًا سهلاً لإدارتها، ولا شك فى أن منف كانت لـ"مينا" وأخلافه مركزًا حربيًا مهمًا لصد غارات اللوبيين الزاحفين من الجهة الغربية من الدلتا، وهؤلاء اللوبيون قد خضعوا بعد أن هزموا هزيمة منكرة، غير أن توحيد البلاد لم يكن قد تم إلا بعد أن توصل أحد أخلاف مينا إلى التغلب على الجزء الجنوبى الأقصى من بلاد النوبة، وهو الواقع بين السلسلة والشلال الأول، ويطلق عليه "تاستى"، وقد كان هذا الإقليم خارجًا عن حدود المملكة المصرية "الوجة القبلى" طوال مدة عصر ما قبل الأسرات، ولم يكن مسكونًا بالجنس الأسود كما هو الآن، بل كان يقطنه فرع من الجنس الحامى سكان البلاد الأصليين، والظاهر أن السود الذين يسكنون نوبيا العليا والسودان لم يظهروا فى مصر إلا بعد عدة قرون، أى فى عهد الأسرة الثالثة وبخاصة فى نهاية الدولة القديمة، وذلك بعد التدهور الذى لحق البلاد بعد الاسرهةالسادسة.

اقرا أيضا/قصر الحمراء بالأندلس


ولقد حافظت مصر المتحدة فى كل عهودها منذ حكم "مينا" على ذكرى انقسامها إلى مملكتين، ولم يكن فى وسع إحداهما على مر الزمن أن تهضم الأخرى، بل بقيتا على قدم المساواة، ولذلك نجد أن ملك مصر المتحدة لا يحمل لقب ملك مصر، بل ملك الوجه القبلة وملك الوجه البحرى، وكذلك كان يحمل لقب "رب الأرضين" وسيد "نسر" الجنوب وسيد "صل" الشمال، وكان فى أول الأمر يحمل التاج الأبيض الخاص للجنوب والتاج الأحمر الخاص بالشمال، ولم يحمل التاج المزدوج إلا فى أواسط حكم الأسرة الأولى، وكذا نشاهد هذا التمييز فى المصالح الحكومية، فمثلا نجد أن الخزينة مزدوجة، أى خزينة الوجة القبلى وخزينة الوجة البحرى وهكذا.

٣-من هو مينا؟ هل هو نارمر أم الملك العقرب؟ 
هذه هي الأسئلة التي تثير الجدل المستمر بين علماء المصريات. على الرغم من ذلك ، يتفق العلماء على تمييز مينا كحاكم للنقادة أو ملك الأسرة الأولى حور عحا. لكلاهما دور في توحيد مصر بطرق مختلفة وبصلاحيات مختلفة.  وفقًا للمؤرخ المصري مانيثو ، فقد حكم مينا لمدة 62 عامًا

الاسم الشائع "مينا" مشتق من "مانيثو" ، مؤرخ وكاهن مصري عاش في عهد المملكة البطلمية.  الشكل المصري لاسم "mnj" مأخوذ من قوائم الملك التاريخية في تورين وأبيدوس ، التي يعود تاريخها إلى الأسرة العشرين ، ويتم نطقها "/ maˈnij /". في عصر الدولة الحديثة ، تغيرت اللغة المصرية ، مما يعني أن اسمه كان ينطق بـ "/ ma /". اسم "mnj" يعني "دائم إلى الأبد" أو "أبدي" ، وقد اقترحه إ. إدواردز (1971) يشير إلى أنه ربما كان مجرد لقب وصفي يشير إلى بطل شبه أسطوري بدلاً من شخصية محددة. قد يكون هذا الاسم يخفيً تجمع حكام نقادة الثالث: كا ، عقرب الثاني ، ونعرمر.


إقرأ أيضا/مضيق باب المندب


تُظهِر السجلات الآثرية غيابًا شبه كامل لأية ذكر لـ مينا، وتشير الأدلة الأثرية بشكل أساسي إلى نارمر وهو شخصية بدائية يرجع الفضل فيها إلى الأجيال القادمة وفي السجلات الأثرية مع مطالبة مؤكدة بتوحيد مصر العليا والسفلى، أدى إلى ظهور نظرية تقول بأن مينا هو نفسه نارمر. 

المرجع الأثري الرئيسي لمينا هو ملصق عاجي من نقادة يظهر اسم حورس الملكي "عحا" (الملك حور-عحا) بجانب مبنى، داخله اسم "نبتي" الملكي الذي يعتقد بشكل عام أنه مينا من أجل هذا، هناك نظريات مختلفة حول طبيعة المبنى (مقصورة جنائزية أو ضريح) ، ومعنى كلمة mn (اسم أو فعل بمعنى يدوم) والعلاقة بين حور-عحا ومينا (كشخص واحد أو ملكين متعاقبين)

بحلول عام 500 قبل الميلاد، جعلت المزاعم الأسطورية التقليدية والمبالغ فيها مينا بطل ثقافي، ويأتي معظم ما هو معروف عنه من وقت متأخر جدًا. ينسب التقليد القديم إلى مينا شرف توحيد مصر العليا والسفلى في مملكة واحدة وأنه أسس أول أسرة مصرية.ومع ذلك ، لا يظهر اسمه على القطع الموجودة في الحوليات الملكية (حجر القاهرة وحجر پالرمو)، وهي قائمة ملوك مجزأة حالياً نٌقشت على لوحة في عهد الأسرة الخامسة. يظهر عادة في المصادر اللاحقة كأول حاكم بشري لمصر، وأنه ورث العرش مباشرة من الإله حورس.كما ظهر على قوائم الملوك الأخرى بعد ذلك بكثير، ودائمًا كأول ملك بشري لمصر. يظهر مينا أيضًا في الروايات الديموطيقية من الفترة الهلينية، مما يدل على أنه، حتى في وقت متأخر، كان يعتبر شخصية هامة.

كان يُنظر إلى مينا كشخصية مؤسسة في معظم تاريخ مصر القديمة، على غرار رومولوس في روما القديمة.يسجل مانيتو أن مينا "قاد الجيش عبر الحدود وفاز بمجد عظيم"
فإن هوية مينا تظل محط نقاش دائم بين العلماء، ولا يزال هناك الكثير من الأسئلة بدون إجابات نهائية. 


اقرا أيضا/تاوسرت ملكة مصرية


٤-لوحة تسجيل النصر  لوحة نارمر
هذه الصلاية الرائعة مصنوعة من الأردواز أو الشست ويبلغ ارتفاعها 64 سم، وعرضها 42 سم، أما سمكها فحوالى 2.5 سم. وقد عثر عليها كيوبيل عام 1894 في هيراكنوبوليس (الكوم الأحمر بالقرب من إدفو) وترجع الى عهد الملك نعرمر فترة توحيد البلاد 
وهى محفوظة الآن بالمتحف المصرى.

ولهذه اللوحة وجهان محفوران حفرًا بارزًا يشهد لصانعها بالدقة والمقدرة، والجزء الأعلى من كلا الوجهين يحمل اسم "نعرمر" مينا مكتوبًا بالهيروغليفية بين رأسى بقرتين تمثلان الإلهة حتحور، وأحد الوجهين يشمل منظرين، أما الوجه الآخر فيحوى ثلاثة مناظر، فالمنظر العلوى على الوجه الأول يمثل الملك لابسًا التاج الأبيض "تاج الوجه القبلى" متبوعًا بحامل نعليه وقابضًا بيده اليمنى على دبوس له رأس على شكل كمثرى يضرب بع عدوه الراكع أمامه، بينما أمسكت يده اليسرى شعر هذا العدو المسمى "واش"، وقد ذكر فوقه ما يعنى أن حور قد أحضر للملك أسرى من الدلتا "أرض نبات البردى"، والمنظر السفلى يمثل عدوين عاريين فارين، أما الوجة الثانى فالمنظر العلوى من يمثل الملك لابسًا التاج الحمر "تاج الوجه البحرى" متبوعًا بحامل نعليه ومسبوقًا بأربعة من حملة الأعلام ثم بوزيره أيضًا، وأما هؤلاء عشرة أسرى قطعت رءوسهم ووضعت بين أقدامهم، وقد كتب فوقهم أسماء البلدان التى فتحها "مينا"، أما المنظر الثانى فيمثل حيوانين عجيبين بينما يمثل المنظر السفلى ثورًا ينطح قلعة، وهذا كناية عن انتصار الملك على أعدائه.

قد أعقب هذا الانتصار الذي قام به مينا، تطور هائل في التاريخ المصري. فقد تم تأسيس الأسرة المصرية الأولى بواسطته، وقد ساهم في تطوير الحضارة المصرية وتعزيز الحكم المركزي. كانت نهضة مصر القديمة في شتى نواحي الحياة، بما في ذلك الفن والعمارة والزراعة والتجارة.لكنه للأسف لم يستطع أن يعش طويلًا بعد هذه الانتصارات، حيث قُتل في هجوم من قبل فرس النهر. بالإجمال، يُعتبر مينا من أعظم الملوك في تاريخ مصر، وإرثه لا يزال حاضرًا حتى يومنا هذا. رغم مصيره المأساوي، إلا أنه ساهم في تطوير الحضارة المصرية وتعزيز الحكم المركزي، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ.