12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

البحر الأبيض المتوسط

2024/02/06 07:12 AM | المشاهدات: 87


البحر الأبيض المتوسط
محمود مرعي

البحر الأبيض المتوسط" مسطح مائي محصور بين قارات العالم القديم الثلاث (أفريقيا وآسيا وأوروبا)؛ تبلغ مساحته 2.5 مليون كلم مربع، وقامت حوله حضاراتٌ بشرية عريقة قادت العالم قرونا طويلة ظل خلالها وما زال أهم الممرات المائية، وتمر عبره أهم طرق التجارة الدولية فضلا عن قيمته الإستراتيجية الكبيرة.
إقرأ أيضا/عودة الشمس من جديد على أرض تكريت
والبحر الأبيض المتوسط معروف في اللغة الانكليزية واللغات ذات الأصل اللاتيني بأنه البحر الذي "يتوسط الأراضي"، وأطلقت عليه العديد من التسميات: بحرنا بالنسبة للرومان، والبحر الأبيض بالنسبة للأتراك، والبحر الكبير بالنسبة لليهود، والبحر المتوسط بالنسبة للألمان، وثمة احتمال مشكوك فيه كثيرا في أن قدماء المصريين أسموه الأخضر الكبير.(1) وأدى بحرنا دورا رئيسيا في الاتصالات بين الشعوب حوله، وحال دون وقوع اشتباكات بين الشعوب ذات المصالح المختلفة من أجزاء مختلفة للحوض. ولا يوجد مثيل لحوضه في العالم. وتوضح خريطة العالم الموقع الفريد للبحر الأبيض المتوسط في العالم، فهو كبير بما يكفي ليسعنا جميعا ولكنه في الوقت نفسه، بشكله الفريد وجزره وخلجانه ومضايقه، يخلق وسائل لربط الشعوب التي تعيش حوله. ويبدو كما لو كان بحرا مغلقا، ولكنه يوفر طرق النقل الرئيسية بين الشرق والغرب .
إقرأ أيضاً/ماء الميكا في صحراء النجف
البنية الجيولوجية يتشكل البحر المتوسط من حوضين رئيسيين تفصل بينهما سلسلة صخرية تُعرف بالعتبة (أو النتوء) الصقلية/التونسية، لا يتجاوز عمق المياه فيها 400 متر مقابل 4000 متر هي متوسط العمق في الحوضين الشرقي والغربي. ويبلغ طول هذه العتبة 140 كيلومترا، وحدّاها هما رأس بونْ في صقلية ومرسالة بتونس.
ويتصل الحوض الغربي بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق الذي يفصل أفريقيا عن أوروبا، ويضيقُ في نواحي مدينة طنجة المغربية إلى أنْ تُصبح المسافة بين الساحلين المغربي والإسباني لا تكاد تتجاوز 14 كيلومترا مع عمق يتراوح بين 100 و1500 متر. ينفتح الحوض الغربي شمالا على البحر التيراني المحصور بين البلقان وجزر كورسيكا وسردينيا، وتنتصب في هذه المنطقة سلسلة جبال بركان تتميز بعمق مياهها الذي يصل إلى أكثر من 3700 متر، في حين يقل عمق المياه غربا باتجاه جزر البليار الإسبانية ليكون في حدود 2800 متر.أما الحوض الشرقي فيمتد من العتبة التونسية/الصقلية غربا إلى شواطئ الشام شرقا، ويُمكن تقسيمه إلى حوضين يُدعى الغربي منهما الحوض الأيوني (نسبة إلى البحر الأيوني المتاخم للبلقان)، ويُسمى الثاني الحوض الشامي.ويتميز الحوض الشرقي بوجود سلسلة صخرية تمتد من كلبريا في جنوبي إيطاليا إلى جزيرة قبرص، ويبلغ طولها 1900 كيلومتر وعرضها 200 كيلومتر، وتنتهي هذه السلسلة جنوبا بسهل شديد الانحدار يصب فيه نهرُ النيل. ويتراوح عمق المياه في هذا الحوض بين 3000 و5000 متر.
إقرأ أيضاً/المعبودات المصرية القديمة، المعبود أنوبيس
تاريخ التطور الفكري في حوض البحر المتوسط كانت مكتبة الإسكندرية القديمة في مصر، منذ إنشائها في عام 300 قبل الميلاد، واحدة من أكبر وأهم المكتبات في العالم القديم. ونشأت التطورات الفكرية الأولى في شرق البحر المتوسط، وركزت أساسا على الفلسفة. وأتيحت للناس حول البحر الأبيض المتوسط فرص لا حدود لها لالتقاء الثقافات المختلفة والتعرف على العالم، وأفضت هذه الحقيقة، بدءا من الفترة الهيلينية، إلى ظهور فلاسفة وعلماء قدموا مساهمات كبيرة في التطور الفكري. وكان من بينهم تاليس من مايليتس، وأناكسيمندروس، وأناكسيمنديس، وفيثاغورس، وزينوفينس، وديوجين من أبولو، وأبقراط، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو (القرون السادس والخامس والرابع قبل الميلاد).
وكانت العصور الوسطى العصر الذهبي للشعوب الإسلامية في المنطقة، وبين عامي 622 و750 م، وإنطلاقا من شبه الجزيرة العربية، انتشر توسع الدولة الإسلامية عبر الشرق الأوسط وجزء من آسيا الصغرى وبلاد فارس وشمال أفريقيا وشبه جزيرة أيبيريا. وظلت الأندلس في أيبيريا والمغرب مركزين ثقافيين بديلين لبغداد لعدة قرون. ومن القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر، كان لكثير من الفلاسفة أثر ملحوظ على تطور الفلسفة الإسلامية في المنطقة، ومن بينهم جابر بن حيان، والفارابي، والبيروني، وابن سينا، والقشيري، والغزالي، والبغدادي، وابن رشد، وجلال الدين الرومي وابن خلدون.
ومن العصور القديمة إلى العصور الوسطى وفترات عصر النهضة، أدى حوض البحر الأبيض المتوسط دورا رئيسيا في الفلسفة والفن والعلوم. وبعد القرن الثامن عشر، مع ذلك، عندما أصبحت الملاحة البحرية الطويلة المدى ممكنة وتطورت طرق التجارة الجديدة، بدأت منطقة البحر الأبيض المتوسط تفقد أهميتها واكتسبت أجزاء أخرى من أوروبا وأمريكا الشمالية نفوذا. وبالتالي، كان هناك تحول من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب في تطور الفلسفة الحديثة والفن والعلم والتكنولوجيا