لم يك محمد في حاجة إلى زمان طويل ليظهر دينه وينتشر في الخافقين لواؤه، فقد أكمل الله للمسلمين دينهم قبيل وفاته، ويومئذ وضع هو خطة انتشار الدين فبعث إلى كسرى وإلى هرقل وإلى غيرهما من الملوك والأمراء كي يسلموا، ولم تمض خمسون ومائة سنة من بعد ذلك حتى كان علم الإسلام خفاقا من الأندلس في غرب أوروبا إلى الهند وإلى التركستان وإلى الصين في شرق آسيا؛ وبذلك وصلت الشام والعراق وفارس وأفغانستان — وقد أسلمت كلها – ما بين بلاد العرب ومملكة ابن السماء، کا وصلت مصر وبرقة وتونس والجزائر ومراكش ما بين أوروبا وإفريقية ومبعث محمد عليه السلام. ومن يومئذ إلى يومنا هذا بقي علم الإسلام مرفرفا على هذه الربوع جميعا، خلا الأندلس التي أغارت النصرانية عليها فعذبت أهلها وأذاقتهم ألوانا من الشدة والبأس. ولم يطق أهلها صبرا على الحياة، فعاد منهم من عاد إلى إفريقية، ورد الهول والفزع من ارتد منهم عن دينه ودين أبيه إلى دين العتاة والمعذبين. على أن ما خسره الإسلام في الأندلس من غرب أوروبا كان له عنه العوض حين فتح العثمانيون القسطنطينية ومكنوا لدين محمد فيها. هنالك امتدت كلمته إلى البلقان كلها، وانبلج نوره في روسيا وفي بولونيا، وخفقت أعلامه على أضعاف ما كانت تخفق عليه من أرض إسبانيا. ومن يوم انتشر الإسلام في صولته الأولى إلى يومنا لم يتغلب عليه من الأديان متغلب، وإن تغلب على أممه من شدائد الظلم وألوان التحكم ما جعلها أشد بالله إيماناً، ولحكمه إسلاما، وفي رحمته وفي غفرانه أملا و ورجاء.