12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

العفو.

2021/07/27 09:30 AM | المشاهدات: 929


العفو.
اسراء أشرف الطنطاوي

إنّ اللهﷻ اتّصف بالعفو والمغفرة، والصفح عن ذنوب وزلّات عباده، كما أنّه أمر المسلمين بتطبيق هذا الخلق الرّفيع فيما بينهم، فما من شكٍّ أنّه قد يحصل بعض المواقف التي يُخطئ فيها الإنسان بحقّ أخيه عن قصدٍ أو دون قصدٍ، ثمّ يهمّ بالاعتذار إليه ليسامحه، فرغّب الله ﷻ أن يقبل المسلم اعتذار أخيه، ويسامحه عمّا بدر منه من سوءٍ، حيث قال الله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقد أمر الرسول بذلك، فقال ﷺ: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، والعفو والصفح يعودان بالخير على صاحبها دائماً، فقد وعد الله من يغفر زلّات الناس في حقّه أن يغفر الله ذنبه، قال الله ﷻ: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

 

إقرأ أيضاً/رسالة من الله

 

تنبيه:

فإنّ العفو وصيّة الرّسول ﷺ للمؤمنين، فقد قال مُوصياً أحد صحابته: (يا عقبةُ بنَ عامرٍ صِلْ من قطعَكَ، وأَعْطِ من حَرَمَكَ، واعْفُ عمَّن ظلمَكَ)، والعفو من صفات المؤمنين المتقين، وأعظم مثالٍ يُحتذى به في العفو هم صحابة الرّسول ﷺ، إذ كان الواحد فيهم إذا أغضبه شخصٌ أو أساء له، لا يكتفي بالعفو والمغفرة وحسب، بل كان بعضهم يطلقه حرّاً لوجه الله إذا كان عبداً، وللعفو عن الناس فوائد جليلة عظيمة، أعظمها أن تسود الألفة والمحبة بين الناس، فلا يحمل أحدهم السوء في قلبه على أحدٍ، بل إنّ العفو يقلب العدوّ صديقاً قريباً، قال الله ﷻ في آثار العفو بين الناس: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. 

 

إقرأ أيضاً/ كيفية الاستعداد للعشر أيام من ذي الحجة

 

شرح التعريف:

العفو والمغفرة:-

العفو أبلغ من المغفرة، كون المغفرة تعني ستر الله ذنب العبد صيانةً له من الفضحية، ولا يستحقّ المغفرة إلّا المؤمن، حيث تقتضي إسقاط العقوبة عن الذنب، ونيل ثواب الله، أما العفو فيعني محو السيئة وأثرها، فلا يخجل العبد منها، ولا يُلام عليها، فالله هو العفُوّ الذي يمحو سيئات عباده ويتجاوز عنها، وينال العبد عفو الله بعدة وسائل منها:(الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء أي دعاء العفو، التوبة من الذنب والندم عليه، فالتوبة من الأعمال الصالحة التي تُمحى بها السيئاتُ، استغفار الله تعالى على الذنب، عفو العبد عن إخوته وقبول أعذارهم رجاءً في أن يعامله الله تعالى بالمثل)، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر من طلب العفو من الله تعالى، فقد ورد في الحديث الشريف أنه قال: (اللهمَّ إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ ، فاعْفُ عنِّي).

 

إقرأ أيضاً/الدرس الثاني عشر (الإيمان بالملائكة)

 

العفو والصفح:-

وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصَّفح الجميل، كما قال في كتابه العزيز: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، والصفح الجميل: هو الذي لا يَشتمِل على التسبُّب بالأذى، بل هو مقابلة الإساءة بالإحسان، ومقابلة الذنب بالغُفران، وهو الصفح الذي لا يرافقه أذىً قوليّ، أو فعليّ، أمّا الصفح الذي ليس بجميل: فهو الذي يكون في غير محَلِّه، مثل الصفح عن الظالمين الذين يستحقّون العقاب.

 

فوائد العفو والصفح:-

توثيق الروابط فيما بين الناس؛ حيث إنّ الروابط الاجتماعيّة تضعف، بسبب إساءة الأفراد إلى بعضهم البعض، وفي العفو تتمّ إعادة العلاقات إلى شكلها الأفضل، ويتمّ ترميمها. 

إمتثال أوامر الله سبحانه تعالى؛ لما في العفو والصفح من رحمة المذنب أو المُسيء، ومن تقدير للضعف البشريّ. 

نَيل التقوى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ).

قلب العَداوة إلى صداقة؛ فبالعفو عن الإساءة، وبالكلمة الطيِّبة، يُصبِح العَدوّان صديقين حميمين، ومُتآزرين.

التأثير في القلوب القاسية وجَعْلِها تلين، وجَعْل المُذنب والمسيء يندم على سوء تصرُّفه.

 

إقرأ أيضاً/عقيدتي الدرس العاشر

 

العفو والتسامح:-

إنّ العفو والتسامح خُلُقان كريمان تحتاجهما النفس البشرية لتتخلّص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى، وكذلك لينعم الأفراد بالخير والحب وانشراح الصدر، وهما إنّما يتحقّقان بطولِ صبرٍ وكظمٍ للغيظ واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أنّ تغليب العفو والتسامح على العقاب ينجّي الأفراد من المنازعات الحادة التي قد تنشأ بينهم، إلّا إذا تمادى أصحاب الأذى مع كثرة العفو وتكرّر ظلمهم وإساءتهم؛ فَعَلى المسلم أن يكون فَطِنًا يَقدُر للأمور قدرها فيكون الإصلاح في هذه الحالة أولى من العفو والتسامح لدفع الضرر الحاصل.

 

 آثار العفو والتسامح:-

سلامة القلوب من الضغينة والحقد والغلّ ومَشاعر الانتقام. انتشار المحبّة والسلام بين أفراد المجتمع كلّه، وتعزيز أواصر العلاقات بينهم. 

اتّقاء الأضرار والعداوات التي قد تنجم عن انتشار الإساءة بين الناس وترك فضيلة العفو والتسامح. 

ارتفاع رصيد الإيمان لدى صاحبها؛ بأن يجعل عفوه وتسامحه إرضاءً لله وسعيًا لنيل عفوه في الآخرة وشكرًا له على أَن جعله بفضله قادرًا على أخذ حقّه إن شاء. 

الفوز بالأجر العظيم الذي وعد الله تعالى به عباده حيث قال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.