12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

رسالة من الله.

2021/07/13 09:11 AM | المشاهدات: 974


رسالة من الله.
اسراء أشرف الطنطاوي

مجاهدة النفس:-

خلق اللهﷻ الخلق، وشاءت إرادته أن يجعل الإنسان خليفته في الأرض، وفطر الله تعالى عباده من البشر على الطاعة، ولكنّ حكمته البالغة شاءت أن يبتلي ثبات عباده، ويختبرهم في طريق الاستقامة، فوضع لهم الهوى، ونزوح النفس الأمّارة بالسوء للمعصية؛ فتدعو صاحبها إلى الانحراف عن الدين، ووسوسة الشياطين التي تُزيّن للإنسان المعصية وتجمّلها في قلبه؛ فيرتكبها، وقد يستديم عملها، ويبتليه كذلك بمُغرَيات الدنيا وملذّاتها التي من شأنها أن تُعظّم زينة الدنيا في قلب الإنسان، وكذلك الفتن والابتلاءات التي يواجهها العبد بشتّى أنواعها في حياته من الأسباب التي قد تأخذ به إلى النّكوص عن شرع الله، ومن هنا كان العبد في طريق الثبات على الطريق المستقيم أمام أعداء كُثرٍ، ويحتاج في هذا الطريق إلى إيمانٍ عميق بأنّه ما يتركه من عمل أو قول يبتغي بذلك وجه الله تعالى إلا أبدله الله خيراً منه، وعوّضه بما يفرح قلبه.

 

إقرأ أيضًا/ سعد بن أبي وقاص

 

تنبيه:

قال رسول الله ﷺ فيما يَرْوِيه عن ربه يقول الله ﷻ: ﴿إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوا لَهُ حَسَنَة، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سُبْعُمَائَة﴾.

 

إقرأ أيضًا/الفساد في الأرض

 

شرح التعريف:

من ترك شيئا لله:-

من المؤكّد شرعاً أنّ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، بل إنّها قاعدةٌ عظيمةٌ للحثّ على كلّ خيرٍ وفضيلةٍ، والدعوة إلى شراء الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة، ولكن الحديث الصحيح إن رسول الله ﷺ يقول:(إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ).

فإنّ العبد المسلم بتغلّبه على شهواته، وحظوظ نفسه الأمّارة بالسوء لأجل مرضاة الله -عز وجل- يمتنع عمّا تهواه نفسه ممّا حرّمه الله، بل ويترك من الحلال ما جاء به أمرٌ تعبّدي، كحال الصائم في رمضان؛ فمن كان هذا فعله في مسائل الأمر والنّهي؛ فإنّ الله لن يخيِّب رجاء عباده، ونِعْمَ ما رجا وأمّل لمّا ترك وامتنع؛ فإنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فسيجازي عبده بما هو أنفع وأفضل، إذ يقولﷻ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .

 

إقرأ أيضًا/آثار رحمة الله

 

فليقل خيرآ أو ليصمت:-

ولأنّ اللسان يمكن أن يكون نافعاً فيرفع شأن الإنسان، أو ضاراً فيلحق الضّرر والسوء بصاحبه أولاه الإسلام أهميّةً خاصّةً، فجاءت أحاديث نبوية شريفة، وآيات كريمة تتحدّث عن حفظه، وتلفت عناية المسلم لذلك، فقد قال الرسول ﷺ: (مَن صمَتَ نجا)، وقال اللهﷻ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ، ففي الصمت والابتعاد عن اللغو حفظاً للسان، ويكون حفظ اللسان بالترفّع عن الحديث القبيح، والكلام الفاحش، وترك الإكثار من الكلام الفارغ الذي لا فائدة منه، ولا خير فيه، وهي صفة العلماء والمتعلّمين العاملين بما تعلّموا، فقد رُوي عن الخلّال كلامه عن عطاء -رحمه الله- أنّه قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدُّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن نقرأه، أو أمراً بمعروفٍ، أو نهياً عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بدّ لك منه، وقد ذُكر في فضائل اللسان أنّ صاحبه قد يجني بسببه رضا الله تعالى؛ فيفلح في الدنيا والآخرة، قال رسول الله ﷺ: (إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالاً، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ).

 

إقرأ أيضاً/عذاب أصحاب النار

 

إغتنم خمسآ قبل خمس:-

قال النبيّﷺ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ)، ومعناه أنّ هذه الخمس هي أيام العمل والقوّة والإكثار من الطاعات، فمن فاتهُ العمل فيها فلن ينفع الإنسانُ عندها الندم على ما فرّط في زمن القوة، حيث إنّ بعد القوّة الضعف، وبعد الشباب الهرم، وبعد الصحة المرض، فمن فرّط في أيام شبابه فلا يُمكنهُ تدارُك ما فاته في أيام كِبره، وفي الحديث حثٌّ عظيم على اغتنام الفُرص في زمن المُهلة قبل أن يأتي الوقت الذي يندم فيه الإنسان على ما قصّر، قال الله ﷻ: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} ، فالغنيّ والصحيح ومن يملك الوقت يستطيع فعل أشياء كثيرة لا يستطيع فِعلها الفقير والمريض والكبير.

 

إقرأ أيضاً/التوكل على الله تعالى

 

الديان لا يموت:-

الدَّيّان لا يموت يُعدُّ الدّيان اسمٌ من أسماء الله ﷻ؛ وهو الذي يجازي العباد على أعمالهم، وهو الحَكَم القاضيّ، كما أنّه القهار، وقد دان الناس له بالطاعة، ومن معانيه أيضاً؛ أنّه يأخُذ للمظلوم حقه من الظالم، ويُجازي كُلّ إنسانٍ بِعمله، ويحكم بين عباده بالعدل من غير أن يظلمهم، ومنه قول الله تعالى في الحديث القُدُسيّ: (يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ)، ومن معاني اسم الله الدّيان؛ أنّهُ باقٍ لا يموت، والله تعالى يحفظ لصاحب الحقّ حقّه من الضياع، ويُجازي الناس على أعمالهم

كما تَفعل يُفعلُ بك، وكما تصنع يُصنعُ بك، وما تعمله يُعمل بك، ومنهُ قول اللهﷻ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ، وقوله الله تعالى أيضا: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} .

 

إقرأ أيضاً/المن والسلوى

 

إتركوها فإنها منتنه:-

قول النبيّ ﷺ: (دَعُوهَا، فإنَّهَا مُنْتِنَةٌ)؛ أي أنّ العصبيّة القبليّة مذمومةٌ ومكروهةٌ في الشّرع، ولا بد أن يبتعد الشّخص عن الشّيء المُنتن، حارب الإسلام العصبيّة بجميع أشكالها من خلال مُساواته بين جميع البشر، وجعل ميزان التّفاضُل بينهم على أساس التّقوى والعمل الصالح، لِقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، كما أنّه قام بإبدالهم عن هذه العصبيّة بمبادئ التسامُح والمحبة، لِقولهِ تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقام الإسلام بإلغاء ما كان النّاسُ عليه من التّفاضُل على أساس الجنس أو النّسب، وحَثَّهم على التّعاون على ما فيه من البِرّ والتّقوى،ونهاهم عن التّعاون على الظُلم والعُدوان على الآخرين، لِقولهِ ﷻ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ، كما نهى عن التّفاخرٌ بالآباء والأجداد.