لا ريب أن اقتصاد الصين حصل على قفزة كبيرة منذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم عام 1978، وخاصة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حيث وصل معدل نموها الاقتصادي خلال أكثر من 40 عاماً إلى حوالي 9% سنوياً لتحتل بذلك المركز الثاني بين صفوف دول العالم بمقياس الناتج المحلي الإجمالي، وبالتزامن مع ذلك حصلت الصين على ثقل كبير على مسرح السياسة الدولية، ليس فقط لأنها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بل لأنها تمسكت وما زالت تتمسك ببعض الثوابت التي لقيت تقديراً من العالم كله بكونها منسجمة مع كل القيم الإنسانية السامية- في التعامل مع دول العالم الأخرى وفي التعامل مع قضايا العالم وفي مقدمتها المبادئ الخمسة للتعايش السلمي.
يقول "كريس ليونغ" الخبير الاقتصادي في بنك سنغافورة للتنمية، "عندما تسلم الحزب الشيوعي مقاليد الحكم في الصين، كانت البلاد فقيرة جداً ولم يكن لديها أي شركاء تجاريين ولا علاقات دبلوماسية واسعة. كانت الصين تعتمد كلياً على الاكتفاء الذاتي".
ولكن في السنوات الـ 40 الماضية، اعتمدت الصين سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات، وهي خطوات أدت في نهاية المطاف إلى إخراج الملايين من دائرة الفقر.
اقرأ أيضاً/أستاذ اقتصاد: مصر وصلت إلى مرحلة الاستقرار في البرنامج الاقتصادي
كما فتحت الأبواب للاستثمارات الأجنبية بعد أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في عام 1979. وتدفقت الأموال على الصين من قبل المستثمرين الذين كانوا يتوقعون للاستفادة من العمالة الرخيصة والإيجارات المنخفضة في الصين.
ويقول "ديفيد مان" كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ستاندارد تشارترد "من نهاية السبعينيات إلى الآن رأينا أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ".
وفي التسعينيات، بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 مما منح اقتصادها دفعة اضافية. فقد انحفضت التعريفات الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية في شتى البلدان، مما أدى إلى انتشار هذه السلع في كل مكان.
ويقول "ديفيد مان" "أصبحت الصين ورشة العالم".
كما شهدت الصين في خمسينيات القرن الماضي واحدة من أكبر الكوارث التي شهدتها البشرية في القرن العشرين والتي تجسدت في "القفزة الكبرى إلى الأمام". كانت القفزة الكبرى إلى الأمام محاولة من جانب الزعيم "ماو تسي دونغ" لتصنيع الاقتصاد الصيني الذي كان يعتمد على الزراعة، ولكن المشروع فشل وأدى إلى موت من 10 إلى 40 مليون في الفترة المحصورة بين عامي 1959 و1961 في ما تعتبر واحدة من أسوأ المجاعات في التاريخ الانساني.
اقرأ أيضاً/"نڤين جامع" تبحث مع عدد من الشركات الروسية تطوير استثمارتها بمصر
وجاء بعد ذلك الاختلال الاقتصادي الذي تسببت به الثورة الثقافية الكبرى التي أطلقها "ماو" في الستينيات والتي كان الهدف منها تطهير الحزب الشيوعي من منافسيه، ولكنها انتهت إلى تدمير الكثير من التضامنات المجتمعية في الصين.
ولكن، وبعد وفاة "ماو" في عام 1976، بدأت الاصلاحات التي قادها الزعيم "دنغ شياوبينغ" في تغيير وجه الاقتصاد الصيني. فقد منح المزارعون الحق في استغلال أراضيهم الخاصة مما ساعد في تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من ظاهرة شح المواد الغذائية.
كما أدت الاصلاحات الاقتصادية التي أطلقها "دنغ" إلى تحسين مستوى المعيشة بالنسبة للملايين من الصينيين.
ويقول البنك الدولي إن أكثر من 850 مليون من الصينيين تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر، وإن البلاد تسعى للتخلص من الفقر بشكل كلي بحلول عام 2020.
وفي الوقت ذاته، تسارعت مستويات التعليم بشكل هائل ويتوقع بنك ستاندارد تشارترد أن تكون 27 في المئة من القوة العاملة في الصين تحظى بتعليم جامعي بحلول عام 2030، وهو معدل يساوي وضع ألمانيا الآن.
والآن تمر الصين في حقبة من النمو الاقتصادي المتباطئ
وكانت الحكومة الصينية تحاول منذ عدة سنوات تحويل نمو اقتصادها من الاعتماد على الصادرات إلى الاعتماد المتزايد على الاستهلاك المحلي.
اقرأ أيضاً/الزراعة: تحصين أكثر من 1.8 مليون جرعة ضد مرض الحمي القلاعية وحمى الوادي المتصدع
وبرزت في الآونة الأخيرة تحديات جديدة منها انخفاض الطلب الدولي على منتجاتها والحرب التجارية مع الولايات المتحدة. كما تسهم التغييرات الديموغرافية وتزايد أعداد كبار السن بشكل عام في فرض غلاف من الشك على مستقبل الاقتصاد الصيني.
مع ذلك وحتى إذا تباطأت نسبة نمو الاقتصاد الصيني إلى 6 أو 5 في المئة، فستبقى الصين أقوى محرك للنمو الاقتصادي العالمي.
ويقول "مان" أن "بهذه الوتيرة، ستبقى الصين تسهم بـ 35 في المئة من النمو الاقتصادي العالمي، أي أكبر مساهمة من أي دولة أخرى، وأهميتها للنمو العالمي تبلغ 3 أضعاف أهمية الولايات المتحدة".
كما تعكف وتهدف الصين على تأسيس جبهة جديدة في مجال التنمية الاقتصادية العالمية. فالفصل الجديد في تخطيطها لتنمية الدول الأخرى ينبع من خلال موجة تمويل لمشروع بنية تحتية جبار يطلق عليه اسم "مبادرة الحزام والطريق".
لكن السؤال المهم هنا هل ستصبح الصين منافساً للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؟
والإجابة هنا تختلف من رأي لآخر ولكن معظم الأراء يتفقون على أنه سيكون هناك حرب باردة بين الصين والغرب المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية.