محاربة الغزو الإيطالي لليبيا
كانت الدول الأوروبية الاستعمارية تتسابق لبسط سيطرتها على مشرق العرب ومغربهم منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكان بينها صراع، ثم تم الاتفاق على القسمة، حيث عُقدت اتفاقية بين إيطاليا وفرنسا تنص على أن تتخلى الأخيرة عن مطامعها في طرابلس الغرب (ليبيا)، وتطلق إيطاليا يد فرنسا في مراكش، وضمنت إيطاليا موافقة بريطانيا وروسيا على ذلك.
وفي سنة 1911م قررت إيطاليا الاستيلاء على طرابلس الغرب، فحاصر أسطولها مدينة طرابلس في 30\9\1911م.
وعندما وصل خبر الحصار إلى مسامع أهل بلاد الشام، ثارت موجة عارمة من الغضب، كان للقسام دور بارز فيها، إذ أخذ يؤثر في جمهور الساحل السوري بغيرته وحماسته وقدرته الخطابية، ويُثير دمَ الأخوّة ويفجر العواطف الكامنة، وقد خرج القسام إلى الشوارع يقود الجماهير في جبلة واللاذقية ومدن الساحل وقراه.
وعندما تمكن الجند الإيطالي من احتلال ليبيا انتقل القسام من قيادة التظاهرات الشعبية إلى قيادة حملات تجنيد الشباب باسم الجهاد، للدفاع عن شرف المسلمين ومنع نزول المذلة بهم.
تمكن عز الدين القسام من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه، وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام أيضاً بحملة لجمع الأموال والمؤن الكافية للنفقة على المتطوعين وأسرهم ولمساعدة المجاهدين في ليبيا.
كما اتصل القسام بالحكومة التركية العثمانية، وحصل على موافقة الباب العالي في إسطنبول بنقل المتطوعين إلى الإسكندرونة، ونقلهم بعد ذلك بالباخرة إلى ليبيا، فودّع المجاهدون أهليهم، واتجهوا إلى شاطئ الإسكندرونة، ثم انتظروا قدوم الباخرة التي تقلهم إلى ليبيا، ولكن انتظارهم قد طال، ومضى على وجودهم في الإسكندرونة مدة أربعين يوماً أو يزيد دون أن يأتيهم خبر، فرجع المجاهدون إلى مدنهم وقراهم، وبنوا مدرسة بمال التبرعات لتعليم الأميين،
وهناك رواية أخرى تقول: إن عز الدين القسام صمم على لقاء المجاهدين في ليبيا، وأن ينقل إليهم ما استطاع جمعه من معونات مادية، وأنه انتقل سراً إلى الأرض الليبية، وأنه التقى المجاهد الكبير عمر المختار.
محاربة الاحتلال الفرنسي في سوريا
صورة للقوات الفرنسية أثناء غزو الساحل السوري عام 1918م
احتل الأسطول الفرنسي اللاذقية والساحل السوري في 10\10\1918م، فكان عز الدين القسام أول من رفع راية مقاومة فرنسا في تلك المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها،
وكان من نتاج دعاياته أن اندلعت نيران الثورة في منطقة صهيون، فكان في طليعة المجاهدين،
وقد قاد عز الدين القسام مَن أطاعه من بني قومه ومن أهل بلدته إلى جهاد الفرنسيين، فقد نقل عنه ابن أخيه عبد الملك القسام أنه كان يقول: «ليس المهم أن ننتصر، المهم قبل كل شيء أن نعطي من أنفسنا الدرس للأمة والأجيال القادمة»،
أي أنه كان يريد أن يضرب للناس مثلاً في الجهاد والقتال ويرفع من معنوياتهم.
إقرأ ايضاً/زيارة الدكتور زاهي حواس إلى روسيا الاتحادية
وهناك رواية تقول: إنه قبل سقوط الساحل السوري بيد القوات الفرنسية في تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1918م، باع عز الدين القسام بيته ليشتري بثمنه سلاحاً، وتقول الرواية أيضاً: إنه باع بيته في جبلة وانتقل إلى الحَفة مع زوجته وأولاده، أما بيع البيت فهو ثابت سواء أكان قبل الغزو الفرنسي أم بعده، ولكنّ الانتقال إلى الحفة مرحلة سبقتها مراحل.
مراحل الإعداد لجهاد الفرنسيين
مرت ثورة القسام على الفرنسيين في سوريا بأربع مراحل هي:
المرحلة الأولى: وهي التعبئة المعنوية، إذ كانت خُطب القسام ودروسه جامعة، يتلقى فيها الناس ثقافة تؤهلهم لتحمل المسؤوليات الاجتماعية والوطنية، فقد استثمر القسام المنبر في التحريض والتعبئة وحض الناس على القتال، وكان يُلقب «داعية الجهاد». وعندما قَدِمت إلى اللاذقية سنة 1919م لجنة كراين الأمريكية لاستفتاء الناس في شأن تقرير مصير البلاد السياسي واختيار دولة تكون وصية عليها، شَخِص وفد من جبلة لمقابلتها، وكان القسام من رجاله، ولما سُئل عن رأيه قال: «لا وصاية ولا حماية»، فقال رئيس اللجنة: «نعتقد أنكم لا تستطيعون إدارة أنفسكم وحماية بلادكم، وأنتم على هذه الحال من الضعف وانعدام التجربة»، فأجاب القسام: «إننا نستطيع أن ندير أنفسنا، وليس غيرنا أقدر منا على ذلك، إذ لدينا قوة لا يملكها الآخرون»، وأخرج المصحف من جيبه وقال: «هذه قوتنا»، ثم عاد القسام وصحبه إلى جبلة، وصدورهم تمتلئ حقداً على قوات الحلفاء، وقد أُلّفت في جبلة بعدئذ إدارة وَلِيَ فيها القسام القضاء الشرعي.
المرحلة الثانية: بيع بيته وشراء السلاح، ليكون قدوة للناس في الجهاد بالمال والنفس، ولاعتقاده أن إمام الناس يجب أن يكون أمامهم في كل ما يدعو إليه.
المرحلة الثالثة: تدريب المتطوعين على استعمال السلاح وفنون القتال، فقد لبّى نداءَه جمعٌ غفيرٌ من أهل جبلة، فأخذ يدربهم على حمل السلاح وفنون القتال عند شاطئ خليج بحري يُدعى «البحيص» جنوب جبلة. وكان القسام ذا خبرة في استعمال السلاح لأنه التحق بالجيش العثماني عندما دعا السلطان العثماني إلى الجهاد لمحاربة الإنجليز، وللقسام خبرة أسبق من ذلك في إعداد المجاهدين وتجهيزهم عندما استجاب لنداء الحكومة العثمانية للتطوع لحرب إيطاليا في طرابلس سنة 1911م.
المرحلة الرابعة: عندما اكتشفته عيون الفرنسيين المبثوثة في كل مكان أخذوا يضيّقون عليه ويتربصون به، فلما أوجس منهم الريبة واستشعر الكيد والغدر، رأى أن مُنازلتهم في سهول جبلة المكشوفة تتيح لجيشهم قمع ثورته، فتطلّع إلى موقع أكثر حصانة وأبقى على الكفاح المسلح، فاختار جبال صهيون ميداناً للجهاد، فيمّم شطرها مع رجاله، واتخذ قاعدة عسكرية في قمة منيعة تقع قرب قرية «الزَّنقوقة»، وطفقوا يغيرون على المراكز العسكرية الفرنسية في الجبال وفي مشارف المدن الساحلية.
وقد كان لعصبته الجهادية أثر شديد الوقع على الفرنسيين، فحاولوا إغراءه واستمالته لوقف حركته، فأوفدوا إليه رسولاً يحمل رسالة شفوية يدعونه فيها إلى مسالمتهم والكف عن مقاومتهم، وإلى العودة إلى جبلة آمناً، ويَعِدونه بتعيينه قاضياً شرعياً في المنطقة، ولكنه رفض دعوتهم وقال لرسولهم: «عد من حيث أتيت، وقل لهؤلاء الغاصبين: إنني لن أقعد عن القتال أو ألقى الله شهيداً»، فلما عجز الفرنسيون عن استمالته وثنيه عن الجهاد، حَكَمَ عليه الديوان العُرفي فيما كان يُسمى «دولة العلويين» بالموت غيابياً، وصدر منشور يضم اسم عز الدين القسام وعدداً من المجاهدين.
إقرأ ايضاً/جمجمة بلتداون
ومن أشهر المواقع التي خاضها القسام وجماعته «معركة بانيا» حين تمكن القسام مع ثلة من المجاهدين من القيام بغارة ليلاً على الثكنة الفرنسية، وقتل حاميتها في آذار 1920م.
ورداً على ذلك قاد الجنرال الفرنسي نيجر حملة على فلاحي القرى الساحلية، وقاموا بمذبحة في قرية بساتين الريحان بمنطقة الحفة، حيث جمعوا أهالي القرية في بيدر القرية وأمطروهم بوابل من الرصاص فقُتل مئة وسبعون شخصاً. وبعد هذه الحملات الوحشية اجتمع ما يسمى بالديوان العرفي في دولة العلويين، وأصدر حكماً غيابياً بإعدام عز الدين القسام، وحمّله مسؤولية تعريض الفلاحين الآمنين لما سيلحقهم من الأذى بسبب إيوائهم القسام ورفاقه، ووضع الفرنسيون مكافأة قدرها عشرة آلاف ليرة لمن يدل على مكان القسام أو يمسك به ويقدمه للسلطات الفرنسية.
اتبعت فرنسا أسلوب الأرض المحروقة والبيوت المهدومة لإرهاب سكان الريف والمدن، ولإجبارهم على التوقف عن مد الثوار بالجنود والطعام، فضعفت الثورة ثم توقفت، لأن المجاهدين لم يجدوا الإمدادات التي كانوا يطمحون إليها من القيادة السياسية في دمشق، فانتقل عز الدين القسام إلى دمشق للدفاع عنها من الاحتلال الفرنسي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها سنة 1920م، فأقام في حيفا.
في حيفا
غادر القسام ورفاقه جبال صهيون، واتجهوا نحو جسر الشغور، ثم انتقلوا إلى بيروت، ثم كانت رحلة فردية للقسام إلى دمشق، ثم عاد إلى بيروت، وانتقلت الجماعة إلى صيدا على الشاطئ اللبناني بواسطة عربة يقودها حصان، ومن صيدا أقلّهم قارب إلى عكا، فأقام فيها أياماً أو شهوراً، كانت استراحة المسافر، أو للتشاور في أي الأماكن أنسب للإقامة الدائمة، فوازن بين عكا وحيفا، ودرس التركيبة السكانية لكلتا البلدتين، فمال إلى المجتمع الحيفاوي، لأن حيفا كانت سوقاً رائجة للعمل والعمال والتجارة، يفد إليها طلاب العمل والتجارة من الأقاليم العربية كافة، وبخاصة الإقليم السوري، لأن فلسطين كانت جزءاً من سوريا. وكان وصول القسام إلى فلسطين سنة 1920م
فيما بين شهر آب سنة 1920م وأواخر السنة نفسها.
وظائف القسام في حيفا
التعليم
بعد أشهر من قدوم عز الدين القسام إلى حيفا عمل مدرساً في مدرسة الإناث الإسلامية أولاً، وفي مدرسة البرج الإسلامية ثانياً، وذلك في أوائل عام 1921م أو سنة 1922م، وهاتان المدرستان تشرف عليهما الجمعية الإسلامية في حيفا، وكان متوسط أجره يتراوح ما بين أربعة وخمسة جنيهات.
وكان القسام يُتبع هذه الوظيفة بإعطاء العمال دروساً في القراءة والكتابة، وذكر بعضهم أن القسام أسس مدرسة لتعليم الكبار القراءة والكتابة، وكان يبث من خلال دروسه الروحَ الجهادية في الطلاب.
واستمر القسام بالتدريس في مدرسة البرج الإسلامية حتى عام 1925م.
إقرأ أيضًا/عز الدين (القسام الجزء الأول)
الإمامة والخطابة
تولى عز الدين القسام الخطابة في جامع الاستقلال في السنة التي تم فيها بناؤه وهي سنة 1925م، وكانت شهرة الشيخ العلمية قد سبقت بناء المسجد، فلما تم بناؤه وجدوا القسامَ خير من يقوم بالخطابة في هذا المسجد.
وكانت رسالة الجهاد التي هاجر القسام من أجلها تشغل تفكيره، ويبحث عن الوسائل التي تحقق له هذا الهدف، فكان جامع الاستقلال منبره لإيصال هذه الرسالة إلى الجمهور، فامتلك الشيخ أداة فعالة استخدمها استخداماً ناجحاً لتحقيق خطته لإيجاد حركة جهادية، واستطاع بما أوتي من المواهب أن يجعل جامع الاستقلال جامع المدينة الأول، يؤمّه المصلون من قرى قضاء حيفا، لأن أخبار خطبته الأسبوعية كانت تتناقلها الركبان، وتجري بعضُ جمله مجرى الأمثال.
أعلن القسام في مسجد الاستقلال أن الإنجليز هم رأس البلاء والداء، ويجب توجيه الإمكانات كلها لحربهم وطردهم من فلسطين، قبل أن يتمكنوا من تحقيق وعدهم لليهود (وعد بلفور)، حيث جعلوه من أهداف الانتداب البريطاني في فلسطين، بل هو هدفهم الأول.
وحذر عز الدين القسام المصلين في إحدى خطب الجمعة سنة 1927م من التساهل مع الهجرة اليهودية التي تحتل البلاد. وفي مسجد الاستقلال أخذ ينبّه عزة الإيمان في نفوس المسلمين، وأن الولاية والطاعة لا تكونان إلا لحاكم مسلم، فكان يردد دائماً الآية الكريمة: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»
ويُسهب في شرح «وأولي الأمر منكم» بأن أولي الأمر هم المسلمون الذين يُقرّون بالتوحيد، أما الإنجليز فلا طاعة لهم على المسلمين، وكان الإنجليز يبثون على لسان القاديانية، ومركزها حيفا، أن الدولة البريطانية وليّةُ أمر المسلمين ولها عليهم حق الطاعة
ودعا القسام المسلمين إلى التمرد، وحرّضهم على ألا يسمعوا للعساكر البريطانية، ففي أواخر سنة 1934م سأل القسام المصلين من على المنبر: «هل أنتم مسلمون؟» وأجاب: «لا أعتقد»، وسكت قليلاً، ثم تابع كلامه قائلاً: «لأنه لو كنتم مؤمنين لكانت لكم عزة المؤمن، فإذا خرجتم من هذا المسجد وناداكم جندي بريطاني فلا تطيعوا نداءه». واتجه القسام إلى توعية الشعب بالشرور المحدقة بهم، وكان يُكثر من قوله بأن اليهود ينتظرون الفرصة لإفناء شعب فلسطين والسيطرة على البلاد وتأسيس دولتهم.
ومن باب التحريض على الجهاد دعا القسام إلى توجيه اقتصاد البلد إلى شراء الأسلحة، وأنكر في هذا السبيل سياسة المجلس الإسلامي الأعلى في تزيين المساجد وبناء الفنادق، وقال: «يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران». ودعا مرة إلى تأجيل فريضة الحج وتحويل نفقاته إلى شراء الأسلحة.
إقرأ أيضًا/معبد منتوحتب نب حبت رع
وفي سنة 1929م، عُلم أن اليهود يأتمرون للهجوم على جامع الاستقلال، فطلب وجوهُ المسلمين في حيفا من السلطات البريطانية أن ترسل قوة لحراسة المسجد من الهجوم المدبَّر، فثار القسام على هذا الاقتراح، وقال من خطاب ألقاه بهذه المناسبة: «إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين»، ووصف الطلب بالجُبن، وعدّه دليلاً على الخضوع والذل، فكان يرفض أي حوار أو معاهدة مع الإنجليز ويقول: «من جرّب المجرَّب فهو خائن»، ولما دعته السلطات للتحقيق في كلامه لم ينكره، فعندما أُوقف أعلنت المدينة الإضراب، فاضطرت السلطات البريطانية إلى إخراجه من السجن، وتجنبت حكومة الانتداب اعتقاله فيما بعد. ويُروى أنه في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا»، فأُخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضراباً عاماً.
وهكذا استطاع القسام في العشر سنوات التي أمضاها في جامع الاستقلال أن يجعل الناس مستعدين لتلبية نداء الجهاد، وصارت الكلمات الجهادية من خطبه على لسان الجمهور، ومن ذلك قوله: «المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله»، وقوله: «الجهاد رفيقه الحرمان»، ويقصد بالحرمان: الصبر على المشقة. وكان شعار القسام وتلاميذه: «هذا جهاد، نصر أو استشهاد»
وظيفة المأذون الشرعي
حصل عز الدين القسام على وظيفة المأذون الشرعي أو مأذون الأنكحة بعد اختبار فاز فيه على أربعة عشر متنافساً سنة 1929م أو 1930م، ولم يكن القسام يريد الوظيفة لذاتها، وإنما أرادها وسيلة مشروعة للاتصال بالناس في بيوتهم، وفي القرى المحيطة بمدينة حيفا، حيث استطاع القسام أن يعالج كثيراً من القضايا الاجتماعية المتعلقة بالنكاح والطلاق، والتي تعد من ركائز بناء المجتمع القوي المتماسك.
وقد وصف أحمد الشقيري حال عز الدين القسام قائلاً: «كنت على معرفة وطيدة بالشيخ عز الدين القسام، عرفته تقياً ورعاً، خطيباً دينياً صالحاً، واجتمعت به في مؤتمرات جمعيات الشبان المسلمين في حيفا وغيرها، ولم يكن يدور في خلدي أو في خلد غيري، حتى من أصدقائه المقربين، أن هذا الشيخَ المعممَ إمامَ الجامع كان يهيئ نفسه لقيادة ثورة مسلحة ضد السلطات البريطانية مباشرة».
وقال المؤرخ أمين سعيد: «كان القسام بعيداً عن الشهرة والإعلان عن النفس، فكان في حيفا كما كان في جبلة وفي جبال اللاذقية وفي كل مكان نزله، كان عنواناً للأخلاق الإسلامية، ومثالاً كاملاً للمسلم الحقيقي، الذي تذوق لذة الإسلام، واستنار بنور الإيمان واليقين، فما عُرف عنه ما يريبه أو يُدنّس سمعته، أو يدل على انشغاله بالسفاسف والزخارف، فأحرز مرتبة رفيعة، ونال مقاماً ممتازاً».
وكتب الصحفي عبد الغني الكرمي عن مناقب القسام ومآثره فقال: «عرفته بعد أن أثقلت كاهله السنون، وأربى على الستين، ولكن مجالدة الدهر ومقارعة الحوادث وصروف الزمان ما ألانت له قناة، وما أذلت له جناحاً لأحد، وما زادته إلا ورعاً وتقوى ... كان يمشي مطأطئ الرأس من خشية الله، وكان يتكلم في هدوء وتواضع واتزان، سمة العالم الواثق من نفسه، المؤمن برسالته، الحريص على تقوى الله وبث التعاليم الدينية الصحيحة بين الناس، وما سمعتُه على طول صلتي به لا يحبّ الإصغاء إلى لهو الكلام والمهاترة والاستغابة، فإذا أمعن المتحدثون في هذا الضرب من القول رفع رأسه وقال: «استغفروا الله أيها الناس»، وانصرف عنهم».
إقرأ أيضًا/أرض الفيروز