12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

وحوي يا وحوي إياحة... ومعلمة الدراسات الاجتماعية

2021/04/15 05:48 PM | المشاهدات: 722


وحوي يا وحوي إياحة... ومعلمة الدراسات الاجتماعية
أحمد السندري

الذاكرة لا تُؤتمَن على حدثٍ، وبخاصةٍ حوادثُ الطفولةِ، فيبقى منها ما يبقى، وهو قليلٌ، ويُمحَى منها ما لا نستطيع أن نتذكره أبدًا، وذلك كثيرٌ، وفي سيرتهِ الذاتية "الأيام"، يقول طه حُسَيْن: ''ولكنْ ذاكرةُ الأطفالِ غريبةٌ، أو قل إنّ ذاكرةَ الإنسان غريبةٌ حين تحاول استعراضَ حوادثِ الطفولةِ، فهي تتمثلُ بعضَ هذه الأشياء واضحًا جليًّا كأنّ لم يمضِ بينها وبينه من الوقت شيء، ويُمحى منها بعضُها الآخر كأنّ لم يكن بينها وبينه عهدٌ''.

 

تقفُ معلمةُ الدراساتِ الاجتماعيةِ في الفصلِ مباشرةً بعد دخولِ آخر تلميذ صاعدًا من أرض الطابور في الصباح، ولا أذكرُ ماذا كان موضوعُ تلك الحصة، ولا أذكرُ شيئًا قطُّ إلا سؤالاً عن علاقة قوْلِنا "وحوي يا وحوي إياحة" وقدوم شهر رمضان. لا أذكرُ أيضًا الداعي الذي جعلها تسألُنا هذا السؤال، ربما هو موضوع الدرس نفسه، والمضحكُ في هذا الأمرِ هو أنني لا أذكرُ حتى الإجابة، رُغم أنّ السؤالَ الذي طُرِح أذكرُه جيدًا وإنْ كنتُ لا أذكرُ من هذا الموقف إلا ملامحًا باهتةً، أمّا الإجابة فلا أذكرُ منها حرفًا حرفيًا، فلستُ على يقينٍ أنها قالت إنّ "وحوي" الكلمةَ الفرعونية تعني أهلاً في العربية، بل بالتأكيد قالتْ، لطالما سألتْ هذا السؤال وأنّ هذه الكلمة فرعونية ليستْ عربية. 

 

لا أذكرُ - بالمرة - إذا كانت قد قالت إياحة التي ننطقها هي المقصود بها إياح حتب زوجة ملك مصر في أواخر القرن الثامن عشر ق.م، سقنن رع. تلك المرأة التي كان يحرق الكيْدُ أحشائها غيرةً على وطنها من وجود الهكسوس الذين دخلوه بسبب تفكك الدولة الفرعونية الوسطى في ذلك الوقت. ولكن لابد لها أن تكون قد قالتْ، لكنّ ذاكرتي هي التي بدّلت ذكرى أخرى بتلك الذكرى ربما لإفراغ مكانٍ لذكريات أتتْ بعدها. 

 

 

 

ولا أذكر - آسفًا - من وقتها قولَها عن إتمام القصة التي يُروى فيها أنّ تلك الزوجة مخلصةٌ لوطنها، وظلّت تحرض زوجها على إعلان العصيان على وجود الهكسوس ولكنّه لم ينتصرْ عليهم لأنه مات، ومن بعد موت زوجها، ظلّت تحرض ابنها الذي أتى من بعده ولكنّ مصيرَه كان نفسَ مصيرِ أبيه، فحاربَهم حتى ماتَ ولمْ ينتصرْ هو الآخر، حتى جاءَ ابنها الثاني "أحمس" وانتصر عليهم، وخرجَ المصريون بمشاعلهم يهتفون باسم إياح "وحوي يا وحوي إياحة"، لأنها لم يهدأْ لها بالٌ، ولم تَبردْ أحشائُها حتى خرّجتْ الهكسوس من أرضِ مصر، فهللوا وهتفوا "أهلاً ومرحبًا يا قمر الزمان"، فإياح تعني القمر وحُتب معناها الزمان. وفي هذا المعنى تشكيك، حيث يقال أن معناها (الجملة كلها) هو افرحي يا إياحة، والله أعلم. 

 

هذه رواية من تلك الروايات التي رُويت حول معنى ومناسبة هذه الجملة، منها أيضًا أن هذه الجملة كان يرددها المصريون القدماء في مطلع كل شهر استقبالا له واحتفالا به، وكانت معناها أقبلوا لتروا الهلال، وغيرها التي تقول إن المناسبة هي صنع أول فانوس في العهد الفاطمي، وبين هذا وذاك، لا أذكرُ شيئا بالتحديد مما قالته معلمتي عن هذا الموضوع، ولا أي رواية قيلت من هذه الروايات، ولا أدري لماذا احتفظت ذاكرتي بالسؤال دون الإجابة ودون أي تفاصيل واضحة، ربما كان ذلك حُلمًا لمْ يرَ الواقع قطّ.