12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

عَبقرى زمانُه «إيموحتِب»!

2021/02/02 07:53 PM | المشاهدات: 508


عَبقرى زمانُه «إيموحتِب»!
آلاء زكريا المنسي

 

 عزيزى القارئ ..،

"إعطنى أُذنِكَ واصغِ إلىٰ ما أقوله .. ولينتقِل ما تسمَعُه أُذنِكَ إلىٰ قلبِك .. لِتفهم ما أقول" 

إنها كلِمات دُونت كـ النّقش على الحَجر .. لقد اقتبستُها مِن أجدادى العُظماء .. إنهم المِصريين القُدماء .. أصحاب أعظم حضارة عرفها التاريخ .. 

 

والآن سأتحدث عن شخصية ، عجز الزمان عن وصفِه ..، يقف العالم احتراماً لعبقريتُه ..، إنه الأجدر بلقب «عميد الطِب العالمى» ..، إنه الحكيم ..، إنه الطبيب المَاهِر ..، إنه المُهندس البارِع ..، شخصية قاومت الزمن بالحَجر ..،

ألاّ وهو « إيموحتِب »

 

فمَن هو «ايموحتب» ؟!

( Imhotep ) 

يُعنى اسمُه «الذى يأتى فى سلام» ..

هو مِن نوابِغ البَشر ، عبقرى زمانُه ..

ولِد فـ 16 مِن شهر أبيب فصل «شمور» وهو فصل الحصاد فـ إقليم «منديس» بدلتا مِصر ، ضاحية «عنخ تاوى» فى مُستهل الألف الثالث ق.م ، اسم أُمه «خِردو-عنخ» ، اسم والده «كا-نِفر» وكان مُديراً للأعمال فى الوجه القِبلى والبحري وذلِك مِن نَقش مُهندِس مِعماري يُدعىٰ «خنوم أب رع» ، عاش حوالى عام 495 ق.م ، اسم زوجتُه «رنبت-نِفرت» ..

عاش فـ عصر المَلِك «زوسر» فـ الأسرة الثالِثة 3000 ق.م 

ارتبطَ اسمُه بإسم المَلِك «زوسر» ، بدأ حياتُه مِعمارياً ، هو الذىٰ أحدثَ ثورة فىى عالم الهندسة ، وجَعل مِن طَبقة الفلاحين بنائين ، ولم يقتَصِر نُبوغُه علىٰ العِمارة فقط بل امتدَ إلىٰ نواحٍ أُخرىٰ !

فقد ..،

- كان وزيراً وكبير القُضاه والمُشرِف عليٰ ما تأتى به السماء وما يَخرُج مِن الأرض وما يجلِبُه النيل المُشرِف علىٰ كُل شئ فى كُل البِلاد .

- كان طبيباً ؛ فهو أول طبيب فى تاريخ البشرية و مُؤسِس عِلم الطِب وعِلن الأدوية والأمراض فـ العالم .

يقول الطبيب الإنجليزى «جاميسون هارى» فـ كِتاب (إيموحتِب) الذى أصدره عام 1928 م :

"إيموحتِب يستحِق أسمىٰ إجلالُنا .. يجب أن يَنظُر إليه الأطباء فى كُل أنحاء العالم بإعتبارِه المُنشئ العبقرى لعِلم الطِب ، إنه الإله الرمزى لعِلم الشِّفاء"

- كان مُهندِساً ؛ فهو مُصمِم أول مجموعة جنائزية متكامِلة فـ التاريخ وهي مَجموعة الجنائزية للملك «زوسر» .

- كان فَلكياً ؛ هو أول من وضع أول تقويم فلكى فـ التاريخ . 

 - كان كبير كَهنِة المُرتلين ؛ أى الذين يُقيمون الشعائر الدينية .

فقد ذَكر المُؤرِخ المِصرى «مانيتون» الذى عاش فـ القرن الرابع ق.م عِند حديثُه عن «زوسر» قال : 

"وفى عهدِه عاش إيموثيس (إيموحتِب) الذى يعتقِد اليونانيون أنه «أسكلبيوس» (إله الطِب عِندهم) بسبب مهاراتُه فـ الطِب" .

وقد اكتَشف هذا الرجُل فن البِناء بالحَجر المَنحوت وأقبل بِكُل روحه وبِحماس شديد علىٰ العِلم ولكِننا نعلم أن المِصريون استخدموا الحَجر المَنحوت فى تشييد مبانيهم قبل أيام «ايموحتِب» بعهد طويل ، مُنذُ أيام الأُسرة الأولىٰ ؛ ولكِنَهُ صاحِب الفضل فى كَونُه أول مَن أقام مبانٍ كبيرة الحَجم مِن الحَجر فى مِصر بل وفى العالم كُله ، وأول مَن شيد المَقبرة المَلكية علىٰ هيئة هرم مُدرج ، وأول مَن استخدم الحَجر علىٰ نِطاق واسِع فى تشييد المَعابِد وعلي الأخص العناصِر المِعماري والتى كانت تُبنىٰ حتىٰ أيامُه بالطين أو بالبوص أو بالخشب وفروع الشجر .. 

كانت المقابِر المَلكية حتىٰ آخر أيام الأسرة الثانية ، تُبنىٰ مِن الطوب اللبِن علي هيئة بِناء مُستطيل كبير الحَجم يُسميه الأثريون «مَصطبة» ، ولكِن «ايموحتِب» أدخل شيئاً جديداً عِندما قرر تشييد قَبر «زوسر» فـ سقارة علىٰ هيئة مَصطبة ، كُلها مِن كُتل الأحجار ثُم أخذ يُزيد عليها مَصطبة فوق أُخريٰ ، حتىٰ بَلغَ عددها سِت مصاطِب ، وهو «الهرم المُدرج بسقارة» ..

والذي استمر البِناء به حوالي 20 عاماً ..

- مِن أهم أقوال «إيموحتِب» :

" إذا أردت أن يَصِل صَوتِك إليٰ قلب سامِعكَ ؛ فإحرص علىٰ إختيار الوقت المُناسِب وانتقاء الكَلِمات المُناسِبة ، وسيطر علي عِلو صَوتِك وليُصاحَب صَوتِك النّغم المُلائم للحديث " .

اتخذه المُهندس «سننموت» مَثلاً أعلىٰ له عِندما قام ببناء مَعبد المَلِكة «حتشبسوت» بالدير البحري بالاقصُر .

وعَرف «زوسر» قَدر مُهندِسه فأكرمُه كُل الكرم وأوكل إليه أهم الوظائف في البِلاد ، وبِعبارة أُخرىٰ أصبحَ الرجُل الأول فى البِلاد بعد المَلِك ، بل وذَهب فى تَكريمُه إلىٰ أبعد مِن ذلِك !

إذ كُتِبَ اسمه علي قواعِد تماثيل المَلِك «زوسر» ، وهو شرف غير عادى .

تعددت ألقابه التى عليٰ قاعِدة تِمثال «زوسر» وهي :

( مُستشار مَلِك مِصر السُفلىٰ - أكبر رِجال الملك فى مِصر العُليا - مُـدير القصر المَلكى - النبيل بالوِراثة - كبيرة كَهنة «أون» هليوبوليس ).

 

تُوفىٰ «ايموحتِب» فى 17 مِن شهر مسرى وهو الشهر الرابِع للصيف والذي يُعادِل أول شهر يوليو .

هل نسىٰ المِصريون ذلك الشخص عظيم الشأن والقامة ؟!

لا ..

لم يَنسَ المِصريون «ايموحتِب» بعد وفاتِه ، فقد ظَل اسمُه يتردد فى كتابات الدولة الوسطىٰ ، ويذكرون مع الإعجاب فَضلُه وحِكمتُه ، وأنه كان وزيراً لـ «زوسر» كما كان مِن عادة الكُتّاب فى الدولة الحديثة ، إراقة بِضع قطرات مِن الماء قُرباناً له قبل أن يبدأوا فى الكِتابة ..

وفى أيام الأسرة 26 المصرية أى بعد أكثر مِن ألفى سنة بعد وفاتِه ، زاد تقدير المِصريين له ولنابِغتهم ، حتىٰ جعلوه إلهاً وسموه «ابن بِتاح» وبنوا له المَعابِد فى جِهات كثيرة مِن البِلاد سواءً فى مَنف أو فى الصعيد أو فى بِلاد النوبة أو الواحات البحرية .

لم يُكتَشف له مقبرة حتىٰ الآن ، ولكن أغلب الظن وطِبقاً للأدلة الأثرية أن مقبرته توجد بالقُرب مِن هرم الملك زوسر المُدرج بسقارة ..

وصل عدد تماثِيله إليٰ 21 تِمثال فـ المتحف المِصرى .. 14 تِمثال بالمتحف البريطاني .. 48 تِمثال فـ مَتحف ويلكوم لتاريخ الطِب .. 50 تِمثال بـ متحف اللوڤِر .. 7 ثِماثيل بـ متحف المتروبوليتان .. 5 تماثيل فـ متحف تورين .. 2 تمثال فـ متحف بوميه .

 

إن اسم «ايموحتِب» يستحِق أن يظَل فى ذاكِرة البشرية كواحِد مِن كِبار العباقِرة الانسانيين ..

إنه يتلألأ كأحد النجوم الثوابِت فى سماء كِمت «مِصر»الصافية ..

هكذا وقد وصلنا لنهاية حكايتنا .. انتظروني في مقال آخر وحِكاية أثرية أخريٰ .