12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

توماس آخر أوجد مصباحا آخرا

2020/12/14 07:44 AM | المشاهدات: 518


توماس آخر أوجد مصباحا آخرا
أحمد السندري

 

في وقت كان العالم فيه مظلما، والبشرية في حاجة شديدة إلى شئ لينير ليلها الدامس، كان توماس أديسون الذي اخترع مصباح الكهرباء وقد عان في ذلك كثيرًا، وبعد محاولات كثيرة مرهقة، أضاء للعالم ليلهم، وقد كان من قبل هذا الظلام ظلام من نوع آخر، لكن أشد إرهاقا لكثير من الناس في حياتهم، ولذلك كان هناك توماس أيضا، ولكن ليس أديسون، ولكنه بين، كان قد تعرف على ذلك الظلام وهو المعاناة من الطبقية، فالطبقة الأرستقراطية فقط في مجتمعه هى التى كانت تنعم بالحياة، وكان هو دون تلك الطبقة يكدح، يعاني كثيرا من التحديات في حياته والتي تواجه أقرانه من نفس الطبقة، الطبقة الدنيا.

 

لقد كان توماس بين المولود عام ١٧٣٧م ‪من أفراد شعب إنجلترا المعدومين الذين يعانوا من الحرمان من كثير من حقوق الإنسان، والحرية، وأشد ما كان يؤرق عليهم حياتهم هو عدم المساواة بين أفراد شعب إنجلترا، كان منذ نضجه ومعرفته سبب تعاسة حياته ينظر إليه أوضاع بلده باستنكار وغضب شديد، ويرى في نفسه حلا لذلك وهو المساواة، وحماية الإنسان بإعطائه حقوقه، بالإضافة إلى الحرية، ولكنه لم يجد منفذا لما في نفسه ولا طريقا أن يعبر عنه به.

 

فكر توماس في الرحيل إلى أمريكا حيث كانت في ذلك الوقت تحت الاستعمار الانجليزي بالتحديد في عام ١٧٧٤م، وكان يرى توماس أن يجب على إنجلترا موطنه أن تعطي لأمريكا الحق في الاستقلال، فرحل إلى أمريكا معتقدا أن يرى مناخا مختلفا يمكن من خلال أن يدعو إلى الحرية والمساواة في الشعب وأن يمحي ما يسمى بالطبقية حيث كانت الطبقة الحاكمة هي التي تنعم بكل ألوان النعيم والرفاهية، بينما طبقية أخرى تكد وتعمل من أجل قوت يومها بأجر هزيل.

 

اقرأ أيضا عزيزي البائس جداً

 

كان بين يملك موهبة ثمينة عانته أن يشجع شعب أمريكا لكي يطالبوا بالاستقلال عن الاستعمار الإنجليزي، وعمل على ذلك بجانب صديقيه جورج واشنطن، وجيفرسون حيث كانا من الدعاة إلى الاستقلال والتحرر، وعليه فقد صدر له أول كتاب في يناير من عام ١٧٤٦م يحمل اسم "الوعي العام"، وسرعان من تم إعلان استقلال أمريكا عن إنجلترا في يوليو من نفس عام صدور الكتاب، وكادت أمريكا تنهذم في تلك الحرب ضد إنجلترا، إلا أن توماس بين أصدر كتابا بعنوان "الأزمة"، والذي عان الجيش الأمريكي على يأسهم وخوفا، وكان يؤزع هذا الكتاب على أفراد الجيش، بجانب الأوامر الأتية من القيادة العليا تفيد بقراءة صفحات الكتاب على المحاربين، وجاء بين في ذلك الكتاب يخطب فيهم ويقول "إن لدينا العزاء أنه عندما يزداد عنفوان الصراع يزداد مجد النصر، وما نحصل عليه بثمن رخيص ننظر إليه دون اهتمام كبير، أما الذي نحصل عليه بثمن غال فهو وحده الذي يستحق البقاء والتكريم والاهتمام"، ولكي يخبر المحاربين أن ما يفعلوه خيرا لبلادهم وأن مطالبة الاستقلال حق كبيرا قد سكتوا عليه في الماضي جاء في موضع آخر يقول" إني لست عديم الإيمان بحيث أتصور أن الله قد تنازل عن حكم الكون وترك مسؤوليته للشياطين، وحيث إنني لا أعتقد بذلك فإني لا أستطيع أن أرى الحجج التي يتمكن بها ملك انجلترا من الصلاة للسماء طالبا منها أن تنصره ضدنا، فإذا كان له الحق في تلك الصلاة فإن القاتل وقاطع الطريق والمعتدي على البيوت الآمنة يكون لهم حق في صلاة مشابهة "، وانتصر الجيش الأمريكي بكلمات بين الساحرة بجانب أسلحتهم. 

 

إن شغف توماس ليحقق الحرية والمساواة بين مجتمع ليس مجتمعه قد ملأ قلبه للدرجة التي تجعله يساند بلد أخرى ضد بلده، ومما لا يدع مجالا للشك أن قادة بلده تراه جراء مساندته هذه خائنا لوطنه، لكنه عندما أنهى مهمته، وقد تحقق لأمريكا ما كان يتمناه من وطنه أن تفعله وهو أن تستقل أمريكا، عاد إلى إنجلترا عام ١٧٨٧م،حيث كان في إمكانه أن يحظى بمكانه مرموقة في غير وطنه بين زعماء وقادة أمريكا لما فعله في نصرتهم، وما كانت نصرته لهم على بلد ليست بلده ولكنه ساندها ضد وطنه إنجلترا. 

 

اقرأ أيضا يقاومون سيئةالأيام

 

بعد عودة توماس إلى إنجلترا بعامين، قامت ثورة فرنسا حيث كانت أهدافها الحرية والمساواة بين أفراد الشعب، ويتضح أن معظم الدول الأوروبية في ذلك الوقت كانت تعاني من المشاكل نفسها، وكانت زعماءها قد سمعوا وعرفوا توماس بين أشد المعرفة، بالإضافة إلى أنهم قرأوا كتابيه، ولذلك كانت الطبقة الاستقراطية في بلده تكرهه إلى أبعد حد حيث ألف كتابا بعنوان "حقوق الإنسان"، وكانت واقفة ضد الثورة الفرنسية لأهدافها، وما جعل غضبهم من توماس يزيد أكثر وأكثر أنه كان يرى في الثورة الفرنسية ما يحلم بيه ويرجوخ في انجلترا، فراح يساند زعماء الثورة من إنجلترا حتى إشناط غضب الارستقراطيين منه وكانوا يريدون أن يتخلصوا منه ففرَّ هاربا إلى فرنسا فاستقبلوه استقبال الأبطال. 

 

الأمر الذي لم ينال إعجاب توماس في الثورة الفرنسية بل في زعماء الثورة الفرنسية أنهم كانوا عنيفين في الانتقام من أعداء الثورة بالإعدام، وتشجع بين وخطب فيهم ألا يفعلوا ذلك حتى لا تطير أهداف الثورة كدخان السجائر في الهواء فبعد أن أجهدوا أنهم في الثورة كما يجهد الإنسان نفسه في سحب الدخان إلى داخل فمه وأنفه يطلق سراحه ولا فائدة من ذلك، فالأمر الذي بأن الخلاف عليه هو أن الزعماء أرادوا بعد انتصار صورتهم أن يعدموا الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانت، فقال بين قوله في تلك المسألة حيث رأى بالنسبة للملك لويس أن يتم نفيه إلى أبعد البلاد، وكأن يرى أن تكون أمريكا حيث كانت بعيد تماما، ونفيه بهذه الطريق سيكون شبه نهائيا حيث كان لا يتوفر في ذلك الوقت وسائل مواصلات آنذاك، أما بالنسبة لماري أنطوانت فرأى أن تعمل في مصنع معاملة منتجة، وستعرف بذلك كيف يعيش البسطاء، وعن ابنهم فتقوم الثورة بتربيته تربية صالحة تجعل منه حين يصبح شابا في جمهورية فرنسة. 

 

قد وجد توماس جراء ذلك الرأي بين زعماء الثورة دهشة واستنكارا شديدا، ولم يتم ذلك، بل تم إعدام الملك والملكة، وكان قد حذرهم أنهم سيعانون كثيرا لما اقترفوه، وسوف يتم فرط عقدهم بانتشار الشك بينهم، وكانوا أبرز من رفضوا رأيه هم مارا، ودانتون، وروبسبيير، فمات مارا في حادث اغتيال، ومات دانتون بالمقصلة التي أعدم بها وغيره لويس السادس عشر وماري أنطوانت، ولاق نفس مصير الأخير روبسبيير، وسان جوست، وكانت هذا أول مرة لتوماس أن يحذرهم بشئ فلا يعبأوا برأيه، فدفعوا الثمن. 

 

اقرأ أيضا علاقة الشباب بالطبيعة هل هناك علاقه في الأصل

 

ولما زاد الشك بينهم تم اعتقال توماس بين لمدة عشر شهور، وكأن ينتظر لذلك نجدة صديقه جورج واشنطن الذي كان رئيسا لأمريكا وقت هذا، ولكنه لم يعيره أي اهتمام، فكان ينتظر ساعة إعدامه كل يوم، لكن ذاك لم يحدث.

 

عاد توماس مرة أخرى إلى وطنه عام ١٨٠٢م وقد عاش لعام ١٨٠٩م في شيخوخته، وكان عام وفاته، لكنه مات بعد رحلة أرهقته كثيرا، ودعى كثيرا إلى حقوق الإنسان، والاعتراف بحرية أفراد الوطن، والمساواة، وكانت الدعوة إلى ذلك كله بكل تعقل وحكمة لا عنف واستبداد، حيث كان يرفض ذلك إلا في الدفاع عن النفس.