12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

ما بعد الموت

2020/12/01 09:14 PM | المشاهدات: 1075


ما بعد الموت
إسراء نشأت عبد الرازق

إن أكثر الأشياء التي يُمكنها أن تُثير الرُعب في قلوب الكثير من الناس هي فكرة الموت .. ألم يكُن هذا تحديدًا هو ما جعل قلبُكَ يرتجف الآن ! 

 

أنا من جعلت الناس سواسية ، ونهيتهم عن فِعل السوء .. ولكن قلوبهم عصت ما قُلته .. ولذلك جعلت قلوبهم لا تنسى الموت ؛ ليتقربوا من الأرباب ..

كانت هذه هي بعض الكلمات التي تواجدت على متُون التوابيت لتجعل الناس يُدركون بشكلٍ دقيق كيف يتجهزوا للحياة الأبدية .. حياة ما بعد الموتْ 

 

إقرأ أيضاً/قائمة سقارة

 

والآن .. تعال معي أنا من سأُرشدك إلى الطريق ، وسآخذ بيدِك إلى النور ، حيث النعيم .. فلا تخف من فكرة الموت .. إنه أمر لا يُفرق بين أحد .. أنا مَن سأزِنُ قلبك لأعرف ما به من خير ، أو شر ، أنا مُقيم الماعت ( العدالة ) .. أنا أنوبيس 

 

هل فكرتَ يومًا كيف كانت فكرة الموت لدى الإنسان المصري القديم ! .. نعم أعلم أن ما جاء بخاطرك الآن البعث والخلود .. ولكن .. وماذا بعد ؟

لقد كانت فكرة الموت عند المصري القديم بمثابة حياة أخرى ، أو حياة ممتدة ما بعد حياة الدُنيا .. فكان الموت هو الطريق المؤدي للحياة الأبدية .. وعلى الرغم من أنها فكرة لا تغيب عن بال الإنسان المصري القديم ، إلا أنها كانت سببًا مهمًا للكثير من الأشياء التي جعلته يُبرز مدى عبقريته ، فكان كُل ما يسعى له ، أن يصل لمرحلة أخلاقية في حياته يستطيع من خلالها أن يكون إنسانًا صالحًا قلبه مملوئًا بالخير ، وإذا كان قلبه شريرًا فسيَلقى عذابًا شديدًا ، وسيأكل قلبه عمعمت ( حيوانًا خرافيًا مُكوّن من ثلاثة حيوانات ، على شكل رأس تمساح وجسد أسد وفرس النهر ) 

 

إقرأ أيضاً/معبد الإرخثيون

 

أتعرف أهم ما فكروا به وجعلهم من أكثر الشعوب العبقرية في العالم على مرّ العصور والذي يجعلنا نقف ونمتليء بالشرود والثبات المدهش من شدة الجمال والعبقرية ! 

فانظُر معي الآن .. إنها المقابر المصرية القديمة .. 

أنظُر إلى جمالها ، و تريّث ولا تتعجل .. نعم أعلم أنك تشعر بالهدوء حولك .. هدوءٍ تام .. إنه تأثير الحضارة المصرية القديمة الذي يجعلك تشعر بالسكُون .. والرهبة ..

قُسِّمت المقابر إلى نصفين ، والنصف الأهم منهما هو النصف الذي يتواجد به المتوفى .. نعم تحت قدميك .. تحت الأرض التي تقف عليها ، أما النصف الثاني فهُو الذي تتواجد أنت به الآن فوق الأرض لتكون المؤنس للمتوفى ولتُحيي ذكراه ، ولا تتركه وحيدًا ، حيث أنه إذا لم يُذكر إسمه .. فستكون من علامات اللعنة والمُبشرات بالشر ..

 

إقرأ أيضاً/عبدالباسط عبدالصمد

 

لقد تركت الحياة ، ولم يبق من بعدي سوى ذكراي ، فلا تتركوني .. لعلّ ذكركم هذا هو ما يجعل قلبي خيّرًا .. هو ما يجعلني إنسانًا رحيمًا مرحومًا في محاكمة الموتى ..

ومن أهم ما يجب أن نُدركه تمام الإدارك أو بالأحرى أن نُصححه لدى بعض الناس .. فكرة التحنيط .. 

هل فكرت يومًا لماذا يُحنّط جسد المتوفى ؟ 

إن الروح للسماء ، والجسد للأرض .. 

كان يعرف الإنسان المصري القديم أن بعد وفاته ومُحاكمته أيضًا أن روحه ستصعد للسماء ، وأن جسده لن يبقى كجسدًا أبديًا كما يعتقد البعض ، والدليل على ذلك ما ذُكر في متون الأهرام النص رقم ٢٤٥ .. حيث كان يُخاطب الملك الإلهة نوت ( إلهة السماء ) قائلًا : لقد أتيت إليكِ يا نوت ، لقد تركت جسدي في الأرض وأتيت إليكِ بروحي ..

فكان يعلم الإنسان تمام العلم أنه سواء تم تحنيطه أو لا ، فإن مصير جسده التحلل والتحول إلى رميم ..

ولكن الدافع وراء فكرة التحنيط هو حماية الجسد الروحاني وهو ( ساحُو ) والذي سينتقل به الإنسان إلى السماء وليس الجسد المادي .. إذًا ما نستطيع أن نتوصل له الآن أن كل ما كان يسعى له الإنسان المصري القديم كان بهدف عقائدي يجعله يصل إلى أقصى مراحل الإيمان ..

 

إقرأ أيضاً/الملابس والأزياء فى مصر القديمة

 

أما بالنسبة إلى أنوبيس .. فكما تحدثنا منذ قليل أنه هو من سيزّن قلب المتوفى ، ولكن لا بُد أن نعرف قصته أيضًا ونتجوّل معه في رحلةٍ ممتعةٍ ..

هو من أشهر وأهم النترو ( الكيانات الإلهية ) في الدولة المصرية القديمة ، كما ذُكر إسمه على كثير من المقابر والذي يُعتبر كحامي للموتى .. ويُعرف أيضًا بإسم ( إنبو ) Inbu .. وهذا اللفظ هو ما يُقال للأطفال الآن عندما يُريدون أن يرتووا بشُرب المياه ، فهل تعرف ما هي العلاقة ما بين هذا اللفظ ومعناه حاليًا ، وقديمًا !

فكما نعرف في المعتقدات المصرية القديمة ، كان أنوبيس في باديء الأمر نتر للعالم السفلي ، ولكنه انتقل إلى الأعلى حتى يرتوي بعيدًا عن ظمأة حرارة العالم السُفلي .. ولذلك يُقال حتى الآن هذا الإسم .. حقًا لقد توارثنا كل شيء من أجدادنا ، حتى أبسط الأشياء .. إنه لأمرٌ في غاية الجمال !

أنوبيس هو من يقود الإنسان بعد وفاته إلى مصيره سواء كان في جنة الخُلد ، أو إلى عمعمت .. 

من ضِمن ما نفعله أيضًا حتى الآن وتوارثناه من أجدادنا المصريين القدماء فكرة تعطير جسد المتوفى .. حيث كان قديمًا يتم تعطير المتوفى بالروائح الجميلة ، والأعشاب إعتقادًا منهم أن أنوبيس عندما يشّم رائحة المومياء فسيعرف أنه شخصًا نقيًا طاهرًا لا يُعاقَب ولا يرى الجحيم ..

هُناك حياة أخرى لا نعلم عنها شيء ، حياة مجهولة .. فلنستعد لها .. ولنفعل ما بوسعنا ..

 

إقرأ أيضاً/طقسة فتح الفم فى مصر القديمة