تحظى المساجد في الإسلام بمكانة عظيمة باعتبار نسبتها إلى الله ‐سبحانه وتعالى-، فهي بيوت الله في الأرض، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨].
وقد نالت بعض المساجد في الإسلام فضلا ومكانة أكثر من غيرها، ومن هذه المساجد: "مسجد قباء"، وهو أول مسجد بني في الإسلام.
مسجد قباء:
هو أول مسجد بني في الإسلام، في جنوب المدينة المنورة على بُعْد خمسة كيلو مترات من المسجد النبوي، قام ببناءه الرسول ‐صلى الله عليه وسلم- والصحابة بعد هجرتهم من مكة إلى المدينة، وفيه بئر ماء يكون لأبي أيوب الأنصاري.
ارتبط اسم المسجد بقصة شهيرة مباركة، وهي قصة ناقة الرسول ‐صلى الله عليه وسلم-، فبعد وصوله إلى المدينة المنورة تلهف الصحابة ‐رضوان الله عليهم‐ لأخذ ناقة الرسول الكريم إلا أنه طلب منهم تركها وحدها حتى بركت في مكان المسجد، فأمر النبي ‐صلى الله عليه وسلم- ببناء مسجد قباء حيث بركت الناقة.
اقرأ أيضا:وأسألك العزيمة على الرشد
سبب تسمية المسجد بهذا الاسم:
سمي مسجد قباء بهذا الإسم نسبة إلى بئر ماء.
قال العلماء أنه ذكر في بعض الكتب: أن قباء تعني: بئر، فقال تعالى: { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: ١٠٨].
عمليات ترميم وتوسعة المسجد في مختلف العصور الإسلامية:
ولأهمية هذا المسجد التاريخية والدينية فقد توالت عليه عمليات الترميم والتوسعة في مختلف العصور الإسلامية.
في عهد الخلافة الراشدة:
عمل الصحابة والأنصار بعد وفاة الرسول ‐صلى الله عليه وسلم‐ على تعمير مسجد قباء، فقام أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‐رضي الله عنه‐ في عهد خلافته بتجديد المسجد وتحسينه.
وفي العهد الأموي:
قام الملك الوليد بن عبد الملك بتعمير جميع المساجد والآثار الإسلامية، فطلب من عمه عمر بن عبد العزيز بتجديد مسجد قباء وتوسعته، فقام بتنفيذ ما طلب منه، وكان أول من يشيد مئذنة لمسجد قباء، وبنى العديد من الأعمدة الحجرية به.
في عهد الدولة العثمانية:
عمل الشريف أبو علي أحمد بن الحسن على عمارة مسجد قباء عام ٤٣٥ هجرية، فوضع به العديد من النقوش بالخط الكوفي.
وجدد جمال الدين الأصفهاني المسجد عام ٥٥٥ هجرية.
اعتنى السلطان قايتباي سلطان المماليك بمسجد قباء، وأضاف إليه محاريب جديدة من الرخام.
وقام السلطان محمود الثاني ببناء منارة رائعة الجمال لمسجد قباء، وأكمل العمل بها بعهد السلطان عبد المجيد الأول.
في العهد السعودي:
سعى الملك فيصل بن عبد العزيز في عهده عام ١٣٨٨ هجرية بتجديد الجدران الخارجية للمسجد، وبناء مدخل خاص للنساء، وكلف بذلك تجديد المسجد ٨٠٠ ألف ريال سعودي، وأصبح المسجد مربع الشكل فيبلغ عرضه ٤٠ متر.
في عهد الملك فهد:
قامت وزارة الحج بتجديد فرش المسجد بفرش من الطراز المعماري الإسلامي، وتوسعته خارجيا على يد الملك فهد بن عبد العزيز، فأصبح المسجد يستوعب ٢٠ ألف مصلٍ، وأصبح بذلك المسجد مستطيل الشكل وكان للمسجد أربع مآذن، و٥٦ قبة، وكان السقف على شكل قبب، يبلغ ارتفاع القبة الرئيسية ٢٥ متر.
اقرأ أيضا:الإحسان إلى الجار
فضل زيارة مسجد قباء:
لزيارة مسجد قباء والصلاة فيه فضائل عديدة منها:
‐الصلاة فيه تعدل أجر عمرة، لقوله ‐صلى الله عليه وسلم‐: ( من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة، كانت له كأجر عمرة).
وروي أيضًا عنه ‐صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين، أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا أكباد الإبل).
وروي أن النبي ‐صلى الله عليه وسلم‐ كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا، فيصلي فيه ركعتين.
‐كما يحرص الحجاج والمعتمرين على زيارة مسجد قباء، والصلاة فيه عند زيارتهم المدينة المنورة، اقتداء بسنة النبي ‐صلى الله عليه وسلم-.