على يعنا نعلم أن الأهرامات هي الأثر الوحيد الباقي من عجائب الدنيا السبع، وظلت صامدة منذ آلاف السنين رغم عوامل التعرية، وهذا كان سببًا أساسيًا في أن هناك كثير من الناس لم يصدقوا أن بناة الأهرامات من الممكن أن يكونوا بشر مثلنا، وحتى أن كانوا بشر طبيعيين، فأين التكنولوجيا من 4500 سنة، التي تجعلهم ينقلون ملايين من الحجارة بهذه البراعة الفائقة، ووزن الحجر الواحد يبلغ حوالي 2 طن على الأقل، وأيضًا كانوا يرتبوها وينظموها تنظيم دقيق، ولهذا كثرت الأقوايل عن وجود كائنات غير بشرية مثل "الفضائيين" وأنهم هم المسؤلون عن بناة الأهرامات، وبدأت تظهر روايات أخرى أن قوم عاد هم بناة الأهرامات الحقيقين، بما أنهم كائنات عملاقة في الطول والبنيان، وأصبح سر بناة الأهرامات أسطورة مجهولة، ومحل جدل بين العوام، فيا ترى مين مسئول عن بناء الأهرامات، وكيف تم بنائها بهذه الدقة منذ أكثر من 4500 سنة؟!
°في البداية سوف أعرض لكم وجهة نظر وأدلة كل مجموعة تروج لأفكارها، لكي نعلم من هم بناة الأهرامات الحقيقين.
-هناك ثلاث معتقدات حول المسئول عن بناء الأهرامات، أولًا الفضائيين، ثانيًا قوم عاد أو العمالقة، ثالثًا الفراعنة، وسوف أبدأ مع.
اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. أهرامات دهشور الثلاثة
°الفضائيين:
-في الفترات الأخيرة بدأت كثير من الناس تؤمن بأن بناة الأهرامات الحقيقين هم الفضائيين، وأشهرهم كان بعض الجامعات الصهيونية، وبعض الشخصيات المشهورة مثل الملياردير (إيلون ماسك) صاحب شركة تسلا، الذي عمل ضجة كبيرة بعد ما نشر تغريدته التي يؤيد فيها بناء الكائنات الفضائية للأهرامات، وأيضًا يقول أن الملك رمسيس الثاني لم يكن من البشر، لكنه كان كائن فضائي.
°وأشهر دلائلهم كانت في البداية الفضائيين فكروا أنهم يبنوا الأهرامات لكي يستخدموها كوسيلة لرصد ومراقبة كوكب الأرض، وهناك بعض الأقوايل تقول أن السبب الرئيسي لبناء الأهرامات له علاقة كبيرة بالفلك والفضاء، وليس فقط لكونها مقابر فرعونية ضخمة.
°فما هو السر وراء بناء ثلاث أهرامات بالتحديد،؟! ولما لم يكن أربعة أو فيما يزيد عن ذلك بما أنه بناء ناجح وعظيم؟!، ولما أتبنوا من الأكبر للأصغر، ولما لم يكونوا نفس الحجم والمساحة والطول؟!، ولما الهرم الأصغر للمك منكاورع لم يكن على نفس المحور للهرمين خوفو وخفرع؟!، من المؤكد أن الموضوع لم يكن صدفة مثلًا.
-والإجابة هنا أن الأهرامات الثلاث مبنية على نفس نمط المجموعة النجمية المعروفة باسم "حزام أوريون"، والتي تتكون من ثلاث نجوم يطلق عليهم (النطاق، النظام، المنطقة)، وسبب بناء الأهرامات من الأكبر للأصغر، لكي يكونوا على نفس وتيرة حجم ولمعان النجوم التي تتدرج من الأكبر للأصغر مثل الأهرامات، وهذا التفكير بالتأكيد لم يأتي إلا من عند كائنات فضائية، ثالثًا والأهم أين التكنولوجيا في زمن الفراعنة التي تجعلهم يبنوا أهرامات تتكون من ملايين من الحجارة المرتبة فوق بعضها بهذا التنظيم الدقيق، وكل هذا كان بدون أدوات رفع، أو وسائل مساعدة متقدمة تحقق لهم هدفهم، حتى أن كتابات ورسومات الفراعنة نجد فيها طائرات مروحية وغواصات كثيرة جدًا، وأشهرهم بردية تولي التي ترجع لـ 1500 سنة قبل الميلاد، والتي تقول أنه يوجد سفن فضائية ظهرت في سماء مصر في عصر الملك تحتمس الثالث، وأرعبت جميع المصريين في وقتها، حتى أن الملك شاهد هذه الواقعة بعينه، وتم تدوين الحدث على البردية بأمر من الملك.
اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. لوحة الملك أمنحتب الثاني
-وسوف يتم الرد على هذه الدلائل، ولكن بعد ما أعرض لكم وجهة نظر الموروجين لفكرة أن قوم عاد هم بناة الأهرامات.
°ولم تكن فكرتهم تكمن أن الفراعنة ليسوا هم بناة الأهرامات، بل أن الفراعنة كانوا مجرد لصوص للحضارة بأكملها، وكان أشهر المروجين لهذه الفكرة هو باحث اسمه "محمد سمير عطا" الذي عمل ضجة كبيرة بعد ما نشر بحثه بعنوان [الفراعنة لصوص حضارة]، وبعد هذا البحث بدأت ناس كثيرة جدًا تؤمن إن فعلًا قوم عاد هم بناة الأهرامات.
-وأول دليل لديهم يشبه دليل الفضائيين نوعًا ما وهو أن بناء الأهرامات يحتاج لقدرات خارقة، وهذه القدرات كانت موجودة عند قوم عاد، بما أن بنيانهم قوي وطوال القامة، وكان طولهم تقريبًا يوصل لطول النخلة حوالي 15 متر لـ 20 متر.
-وثاني دليل هو أن هرم خوفو يتكون من أكثر من 2 مليون حجر، وكما ذكرنا أن متوسط حجم الحجر على الأقل يبلغ أكثر من 2 طن، فكيف نقلوا هذا الكم من الحجارة لمسافات تبعد لمئات الكيلو مترات، وكيف قطعوا هذا الكم من الحجارة باستخدام الأخشاب فقط.
-وثالث دليل هو أن الفراعنة قاموا بتزييف الحقائق بالنقوش التي كانوا يضعوها على جدران المعابد والمباني العظيمة في وقتهم، وأي ملك فرعوني بعد تنصيبه كان يعمل إزالة لكل النقوش القديمة، ويضع مكانها نقوش جديدة توضح أن البناء تم بنائه في عهده، وكل هذا بالتأكيد عن طريق الكذب، ومعظم المباني التي نسبوها الفراعنة لنفسهم ترجع في الأصل لقوم عاد، الذين كانوا موجودين قبل الفراعنة، حتى أن ﷲ سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز بسم ﷲ الرحمن الرحيم "ألم ترى كيف فعل ربك بعاد، أرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد" صدق ﷲ العظيم.
-والمقصود هنا بكلمة "العماد هي الأبنية المرتفعة ذات الرأس المدبب؛ ومن أشهر الأبنية التي تأخذ هذا الشكل هي المسلات الفرعونية، ولهذا الفراعنة حرفوا وسرقوا الحضارة المنسوبة في الأصل لقوم عاد.
اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. لغز مصر القديمة الأكبر "السرابيوم"
°ولكن إذا نظرنا لأدلة كل مجموعة سواء التي تؤيد الفضائيين أو قوم عاد، سوف نرى أن معظم كلامهم مجرد افتراضات، أو بناءًا على أستدلالات، ولكن للأسف لم يكن عليه أي دليل مادي ملموس.
°ومن أكثر الاستكشافات التي تؤمن بأن الفراعنة هم بناة الأهرامات الحقيقيين، هي مقابر العمال التي تم اكتشافها سنة 1990 وتحديدًا في جنوب أبو الهول، وهناك تم العثور على الجبانة السفلية التي تم فيها دفن العمال الذين قاموا بنقل الحجارة، والذي يصل عددهم لأكثر من عشر آلاف عامل، والهياكل العظمية للعمال كانت نفس أحجامنا، ولم يكن طولهم مثلًا 15 متر أو شكلهم يبدو غريبًا مثل الفضائيين؛ أما الجبانة العلوية فتم العثور فيها على عظام الفنانين والنحاتين، وبجانب المقبرة تم العثور على المنطقة التي كان يعيش فيها العمال، وفي هذه المنطقة وجدوا المخابز التي كانوا يصنعوا فيها الخبز الذي كانوا يأكلون منه؛ ووجدوا أيضًا فيها المناطق التي كانوا يجففون بها الأسماك لكي يتغذون عليها.
-ومن ضمن الإكتشافات القوية التي تدعم أن الفراعنة هم بناة الأهرامات هي البردية المعروفة باسم "وادي الجرف"، وتم العثور عليها تقريبًا في سنة 2013 في ميناء الملك خوفو بالقرب من مدينة السويس، والتي توضح لنا كيف كان الفراعنة ينقلون حجارة الأهرامات، والبردية كانت عبارة عن تدوين ليوميات شخص اسمه "مرر أو مري رع"، وهذا الشخص كان رئيس أو مشرف لأحد فرق العمال والذي كان عددهم 40 عامل، وأشار مرر في برديته أن الأحجار البيضاء التي بنى من خلالها الكسوة الخارجية لهرم خوفو أو الهرم الأكبر، كان يتم تقطيعها في منطقة يطلق عليها (تورا)، وبعد تقطيع الأحجار كان يتم نقلها يوميًا على زحافات خشبية حتى توصل إلى المراكب، والمراكب كانت تنقل الأحجار من منطقة تورا إلى منطقة الأهرامات في الجيزة، وكل هذا بالتأكيد عن طريق نهر النيل؛ ولم تكن بردية وادي الجرف فقط التي تم العثور عليها في منطقة ميناء خوفو، فهناك برديات أخرى كثيرة ترجع لعصر الملك، والتي توضح كيف كان يتم توزيع الحصص اليومية للأطعمة على العمال؛ حتى أن الدكتور زاهي حواس يقول أنهم اكتشفوا نقوش وبرديات استدلوا من خلالها أن المصريين بداية من عصر الملك خوفو كان تعدادهم بيوصل لحوالي 3 مليون نسمة، وكان مشروع بناء الأهرامات بداية من الهرم الأكبر هو المشروع القومي للمصريين في وقتها، ولهذا العائلات التي كانت تعيش في الدلتا والصعيد وقتها كانوا يرسلوا أكل وعمال لمنطقة بناء الأهرامات، وهناك بعض الكتابات والدلائل التي تشير أن يوجد عشر أبقار و13 خروف كان يتم إرسالهم يوميًا من قبل هذه العائلات، وفي مقابل كل هذا كان يتم إعفائهم من الضرائب.
اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. إضافات طهرقا في معابد مصر العليا
°وفي رأيي أن كل هذه الأدلة كافية جدًا لتوضيح من هم بناة الأهرامات الحقيقيين؛ ولكن لم نقف لحد هنا، وسوف أرد على بعض الأدلة الثانية، وسوف أبدأ بأدلة.
-الفضائيين، وكما ذكرنا أن ضمن دلائلهم أن بناء الأهرامات بنفس نمط حزام أوريون النجمي، وهذا يؤكد لهم أن مجموعة من الفضائيين هم الذين فكروا في بنائها بهذا الشكل، وإذا افترضنا أنهم صح، فهنا أقول أن الفراعنة كانوا بارعيين جدًا في علم الفلك والنجوم والكواكب، وهناك نقوش وبرديات كثيرة جدًا توضح وتؤكد ذلك، فليس مستبعد أن هندسة بناء الأهرامات يكون فيها جزء كبير جدًا من الجانب الفلكي؛ وأما عن بردية تولي التي تدعم فكرة اتصال الفضائيين بالفراعنة، فهي بردية مفبركة وليست أصلية، فالبردية الأصلية في الأساس كانت مكتوبة بالهيراطيقية، وتم تحويلها للخط الهيروغليفي من جانب مكتشفها، ومن هنا نشك في هذه البردية.
°أما إذا نظرنا لأدلة المروجين لفكرة أن قوم عاد هم بناة الأهرامات، فلم يوجد أفضل من الرجوع إلى القرآن الكريم ولنفس الآية التي استشهدوا بها، والتي ذكر فيها ﷲ سبحانه وتعالى موطن قوم عاد، حيث قال تعالى "ألم ترى كيف فعل ربك بعاد - أرم ذات العماد - التي لم يخلق مثلها في البلاد" فموطنهم كما ذكرنا مدينة أرم، والتي يقال في كثير من الكتب والمقالات أن موقعها بين اليمن وعمان، ولو أفترضنا أن قوم عاد هم الذين عاشوا في مصر وبنوا هذه الحضارة، فلما لم يتم ذكرهم في القرآن بارتباط وثيق بمصر، كما تم ذكر فرعون موسى في نص قرآني صريح بارتباطه بمصر، كما أن كاتب بحث قوم عاد يقول أن كلمة العماد التي تم ذكرها في الآية تعني المباني ذات الرأس المدبب التي تشبه المسلات الفرعونية، وإذا افترضنا أن كلامه صحيح، ولكن ﷲ سبحانه وتعالى ذكر في الآية "التي لم يخلق مثلها في البلاد "، وإذا نظرنا سوف نجد أن حضارات أخرى كثيرة مثل العراق بنوا مسلات تشبه المسلات الفرعونية، وهذا يعني أن تم خلق مثلها، وهذا تناقض واضح مع القرآن الكريم، وأيضًا إذا نظرنا لكلامهم أن طولهم يصل لـ 15 و20 متر، فلماذا لم يتم العثور على هياكل عظمية أو مومياوات في مصر لبشر على هذه الهيئة، وكما إذا نظرنا إلى الأهرامات فسوف نجد أن الممرات التي بقت ضيقة جدًا وقصيرة ولا تتناسب أبدًا مع أطوالهم، وهذا تأكيد على كلامهم، وحتى من ضمن دلائلهم كما ذكرت أن الفراعنة حرفوا وسرقوا الحضارة من خلال النقوش التي وضعوها على الجدران، وأن أي ملك جديد كان يحكم مصر كان يزيل النقوش القديمة ويضع مكانها نقوش جديدة، لكي ينسب البناء له، وإن كان صحيحًا هذا الإدعاء، فالمفروض أن آخر ملك من الفراعنة كان يزيل كل النقوش التي كانت على الجدران ويضع مكانها نقوش جديدة تنسب كل الحضارة له، وبهذا سيبقى هو أعظم ملك في التاريخ، ولكن لما كل ملك فرعوني كان له إنجاز على حدة، وكل ملك كان يتم تنصيبه، كان يترك نفس النقوش والآثار المنسوبة للملك الذي كان من قبله، بدون أي تدخل فيها.
°ولهذا يجب أن نحكم عقلنا، ولم نتبع أي نظريات وافتراضات التي تفتقر للأدلة المادية الملموسة والمبنية على الاستدلالات ليس لها أي أساس من الصحة، وإذا وجدنا أي أدلة مادية ملموسة تضاهي أدلة الفراعنة فحينها من الممكن أن نفكر في الموضوع.
°ومن هنا أقول أن الأهرامات العظيمة التي نراها وبالخصوص أهرامات الجيزة الثلاثة، لم يتم بنائها في يوم وليلة، ولا المصريين القدماء برعوا في هندسة بنائها بالشكل والطريقة هذه من فراغ، ولكن الموضوع كان نتاج لتجارب سابقة، والدليل على هذا تم بناء أهرامات أخرى قبل أهرامات الجيزة الثلاثة مثل هرم زوسر الذي يعتبر أول وأقدم بناء حجري في تاريخ مصر، وأيضًا غيرها من الأهرامات، وبالتأكيد بعد كل بناء يحدث تطور في الخطط الهندسية والمعمارية للمصريين.
اقرأ أيضًا/|شمس مصر|.. جحا والحمار والقرى الثلاثة