12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

الإمام محمد عبده الجزء الثاني

2021/08/23 12:07 PM | المشاهدات: 299


الإمام محمد عبده الجزء الثاني
محمد السحيلي

مفتي العقل والاجتهاد

 

رغم كل الطعنات التي تلقاها فقد ساقت الأقدار الامام محمد عبده إلى منصب مفتي الديار المصرية عام 9981 فأضفى على المنصب سناء وبهاء لاعهد للناس بهما من قبل.

 

واتسمت فتاوي الأستاذ الامام بالميل إلى التسامح واستقلال الرأي والبعد عن التقليد والملاءمة بين روح الاسلام ومطالب الحياة العصرية: كما يقول تشالز ادمس في كتابه «الاسلام والتجديد في مصر».

 

كان الإمام محمد عبده يقول: «إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل «.. ولكل مسلم أن يفهم عن الله، من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا خلف».

 

فالاسلام لا يوجد به سلطة دينية، ولم يجعل للقاضي أو المفتي «وهو كان مفتيا للديار المصرية» أو لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الاحكام.

 

 

اقرأ أيضاً/ جزاء الحق

 

وهو يرفض الخلط بين الدين والسياسة ويقول «من الضلال القول بتوحيد الإسلام بين السلطتين الدينية والمدنية فهذه الفكرة خطأ محض، ودخيله على الاسلام، ومن الخطأ الزعم بأن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها وأن المسلم مستعيد لسلطاته، والانسان لم يخلق ليقاد بالزمام بل فطر على أن يهتدي بالعلم».

 

والاجتهاد يجب أن ينبع من حالة العصر ويعبر عنه، وليس هناك أي إجتهاد يلزم المسلم في جميع العصور، فمتى انقضى العصر وزالت مقتضياته، زال معها ما يخصه من الاجتهاد، وما رافقه من الأحكام وعلى المسلم أن يتبصر دائما بالقرآن والسنة، ويجتهد في أعماله وأفكاره بما يلائم عصره الذي يعيش فيه، وعليه ألا يتحرج من الاختلاف بين ما يصل إليه باجتهاده وعقله، وبين ما وصل إليه السابقون من المسلمين».

 

واستخدم نهجه العقلاني في تفسير القرآن «ككتاب دين» واستنكر موقف الذين يبحثون عن حقائق العلوم الطبيعية في القرآن.

 

اقرأ أيضاً/ فضل السعي في قضاء حوائج الناس

 

وكما ذكر في أعماله الكاملة «ليس من وظائف الرسل عمل المدرسين ومعلمي الصناعات وتعليم التاريخ، ولا تفصيل لما يحتويه عالم الكواكب، ولا بيان ما اختلف من حركاتها، ولا ما استكن من طبقات الأرض، ولا مقادير الطول فيها والعرض، ولا ماتحتاج إليه النباتات في نموها، والحيوانات في أنواعها، أما ما ورد من كلام الأنبياء من الاشارة اليها فإنما يقصد منه النظر إلى ما فيه الدلالة على حكمة مبدعة أو توجيه الفكر إلى القول لإدراك اسراره وبدائعه.

 

«وليس في القرآن شيء من التاريخ، من حيث هو قصص وأخبار الأمم والبلاد، وإنما هي الآيات والعِبر تجلت في سياق الوقائع بين الرسل وأقوالهم لبيان سنن الله فيهم.. فليس القرآن تاريخًا ولا قصصًا، وانما هداية وموعظة».

 

اقرأ أيضاً/ مكفرات الذنوب

 

 

والاسلام دين العقل والرسول يقول: العقل أصل ديني وعلى هذا الطريق يقول الامام محمد عبده إن العقل من أجل القوي، بل هو قوة القوي الانسانية وعمادها، والكون جميعه صحيفته التي ينظر فيها وكتابه الذي يتلوه، وليس هناك صفحات في هذا الكون محظور على العقل الانساني أن يطالعها ويرى فيها ما يراه، ذلك أن الحدود التي تحدد نطاق النظر العقلي هي حدود »الفطرة «لا» النصوص المأثورة «فالعقل من أفضل القوى الانسانية بل هو أفضلها على الإطلاق.

 

وإذا كانت هذه آراء الإمام وطريقته في التفكير الحر فمن الطبيعي أن تكون الفتاوي التي تصدر عنه معبرة عن روح العصر والتقدم، فأفتى بجواز التصوير الفوتوغرافي وإقامة التماثيل وجواز أكل ذبائح المسيحيين واليهود، والسماح للمسلم بارتداءه الزي الأوروبي، وارتداء القبعة، وإجاز فائدة البنوك، وجواز التأمين على الحياة وعلى الممتلكات.

 

هذه الفتاوي التي ربما تبتسم ونحن نقرأها الآن كانت بمثابة ثورة في التفكير والاجتهاد لا يقدر على القيام بها غير الامام .. ثم مالنا نضحك بشدة وكأنه لا يوجد بيننا الآن من يحرمون فوائد البنوك والتماثيل!

 

البحث عن المستبد العادل

 

مثلما عمل على تجديد الفكر الاسلامي فإنه كان داعية للحكم المستنير القائم على الشورى والعدل، ولكن بعد اخفاق تجربة عرابي الثّورية، ومعارضة الحكام من أسرة محمد علي للحكم البرلماني. فقد نادى المستبد العادل، فإذا كان كل حكام مصر والشرق مستبدين فالأمل أن يأتي من هؤلاء المستبدين حاكم عادل ينتشل الشرق من حالة الضعف إلى القوة، من التخلف إلى رحابة التقدم والحضارة.

 

كان يقول »لن ينهض الشرق إلا بالمستبد العادل«.. »هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا« في قومه، يتمكن به العدل أن يصنع في خمسة عشر سنة ما لا يصنعه العقل في خمس عشرة قرنا«. فهو كان يرى أن الحكام هم أقدر الناس على انتشال الأمة مما سقطت فيه، لكن هؤلاء الحكام على حد قوله لم يفهموا من معنى الحكم إلا تسخير الأبدان لأهوائهم، وإذلال النفوس لخشونة سلطانهم، وابتزاز الأموال لانفاقها في إرضاء شهواتهم، لا يرعون في ذلك عدلا ولا يستشيرون كتابا ولا يتبعون سنة، حتى أفسدوا أخلاق الكافة بما حملوها على النفاق والكذب، والاقتداء بهم في الظلم، وما يتبع ذلك من الخصال التي ما فشت في أمة إلا حل بها العذاب .. وتلك علة من أشد العِلل فتكًا بالأرواح والعقول.

 

وهو لم ينخدع بحكم الخلفاء الأمويين والعباسيين الذي قام على الاستبداد والقهر مع خداع العامة والبسطاء بأنه حكم ديني.

 

وأكثر من ذلك فقد وصف الامام محمد عبده الفتوحات الإسلامية بأنها أعمال سياسية حربية تتعلق بضرورات الملك ومقتضيات السياسة ومن ثم فهي ليست بالحروب الدينية .. كما أن الحرب بين الأمويين والهاشميين هي حرب على الخلافة وهي بالسياسة أشبه بل هي أصل السياسة.

 

وهاجم هؤلاء الخلفاء المستبدين قائلًا: استبد هؤلاء وأمثالهم بالمسلمين وقادوهم إلى الحروب والهلاك في سبيل بناء امبراطورياتهم المزعومة .. وقد كانوا مع رعاياهم يضلونهم ويحجبون عنهم مسالك النور باسم الدين ويذلونهم ويضيقون على عقولهم ويحرمون عليهم النظر في السياسة فصاروا لا يرون من وراء ذلك مرجعا وخاصة في المسائل السياسية الخاصة، وبذلك قضوا على قوى البحث والفكر مما أصاب المسلمين بالشلل في التفكير السياسي والنظر في كل مايتصل بشأن الحُكم.

 

وكشف خطة هؤلاء المستبدين في خداع العامة والبسطاء باسم الدين قائلًا: «أدخلوا على الدين ما ليس فيه ونجحوا في إقناع العامة وهم عون الغاشم بتعظيم الاحتفالات وأعياد الأولياء، حتى يقف الفكر وتتجمد العقول، ثم بثوا أعوانهم في الممالك الإسلامية ينشرون من القصص والأخبار ما يقنع الناس بأنه لا نظر لهم في الأمور العامة وأن أمور الدولة تخص الحكام وحدهم وأن ما يظهر من فساد ليس من صنع الحكام وإنما تحقيق لما ورد في الأخبار من أحوال آخر الزمان وإنه لا حيلة في الإصلاح، والأسلم تفويض ذلك إلى الله.

 

ويقول: إنهم وجدوا في ظواهر الألفاظ لبعض الأحاديث ما يعينهم على بث هذه الأوهام، وانتشر بين المسلمين جيش من هؤلاء المضلين اتخذوا من عقيدة القدر مثبطا للعزائم وغلا للأيدي عن العمل..

 

وهذه سياسة الظلمة والمستبدين التي أدخلت على الدين ما ليس فيه وحفظت من أعمال الاسلام فقط صورة الصلاة والصوم والحج فتحول الدين إلى طقوس شكلية لا تنفذ إلى جوهر العدل والرحمة والايثار والاخلاص والشرف.

 

كلام لا يقوله إلا إمام لا يخشى في الحق أحدا، ولذلك قال جمال الدين الأفغاني لمن ودعوه وهو يغادر مصر .. لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفى به لمصر عالما. أما الخديو عباس فكان يقول عنه: «إنه يدخل عليّ كأنه فرعون!».

 

ولشدة الاعتزاز بالنفس كان الأفغاني يقول للامام: قل لي بالله.. أي ابناء الملوك أنت!

 

أجب أيها الإمام الرائع، وقل لهم إنني ابن النيل والأرض السمراء .. ابن الاسلام النقي ومكارم الأخلاق .. أنا ابن العدل والتوحيد .. ابن الحضارة الانسانية التي تبحث عن الانسان في أي مكان .. قل لهم لعلهم يدركون إن الإسلام هو ذلك .. قل لعلهم يفهمون يا سيدي .. قل ولا تيأس فكلنا آذان صاغية