12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

نَبِىُ اللَّهِ شِيث.

2021/04/14 11:19 PM | المشاهدات: 749


نَبِىُ اللَّهِ شِيث.
اسراء أشرف الطنطاوي

كان أول الأنبياء هو نبى الله آدم عليه السلام، أبو البشرية وأوّلهم خلقاً والأصل الذي تناسل منه جميع الناس، أما إصطفاء الله واختياره للرسل والأنبياء فكان قائماً على عددٍ من الخصال، فرُسُل الله وأنبياؤه هم خير البشرية، وأكثرهم طاعةً لله، وأصفاهم نفساً ومضموناً، وأرجحهم عقلاً، وهم أسرع الناس إيماناً بالله، قالﷻ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾،وقد أمدّ الله الأنبياء بعلمٍ لا يمكن لسواهم أن يعلمه، قالﷻ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾، ثم بعد ذلك حَفِظَهم وأمَّنهم من البشر فأحاط بهم حفظه وأمنه، قالﷻ: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾، كما جعلهم مصدر الهداية، ووضع فيهم الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، بقولهﷻ: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

 

إقرأ أيضًا/عقيدتي الدرس السابع (العقيدة واللغة)

 

تنبيه:

هل شيث كان نبيًّا؟ 

لقد كان شيث عليه السلام نبيًّا فقد خلف أباه آدم، وذكره رسول الله بأنَّه من الأنبياء الأربعة السريانيين بقولهﷺ: ( أربعةٌ سُريانيُّونَ: آدمُ وشِيثُ وأخنوخُ وهو إدريسُ وهو أوَّلُ مَن خطَّ بالقلمِ ونوحٌ، وأربعةٌ مِن العربِ: هودٌ وشعيبٌ وصالحٌ ونبيُّك محمَّدٌ ﷺ ).

 

هل ذكر شيث في القرآن الكريم؟ 

لم يرد اسم النبي شيث عليه السلام في القرآن الكريم، وإنَّما قال اللهﷻ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾.

 

إقرأ أيضًا/وفاة النبي صلي الله عليه وسلم

 

شرح التعريف:

 من هو النبي شيث عليه السلام ؟

النبي شيث نبيٌّ من أنبياء الله عليهم السلام بعد آدم وقبل إدريس عليهم السلام أجمعين، وهو ابنُ سيِّدنا آدم عليه السلام، ثالثُ أبناء آدم وحواء عليهما السلام، ومعنى اسم شيث: «هو هبةُ الله أو أعطيةُ الله أو البديل» لأنَّ الله بعدَ أن قتلَ قابيل أخاه هابيل قال اللهﷻ: ﴿فطوَّعتْ له نفسُه قتلَ أخيه فقتَلَه فأصبَحَ مِن الخَاسِرين﴾؛ فرزقَ اللهُ آدمَ عليه السلام هذا الولدَ الصالحَ تعويضًا له فسُمِّيَ بذلك، وقد كان بارًّا بوالديه كثيرًا فعلَّمه آدمُ ما كان لديه من علم، لأنَّ سيدنا آدم علَّمه الله تعالى من علمِه قبل أن ينزلَه إلى الأرض، قال اللهﷻ: ﴿وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها﴾.

 

كان سيدنا أدم يسكن هو وأبناؤه السهول، وكان شيث عليه السلام، يساعد والده آدم عليه السلام في الدعوة مع زيادة اخوته وتزاوجهم وزيادة البشر، وتكاثر بني آدم، وعاش سيدنا آدم ألف عام، فرأى الكثير من أبنائه وأبنائهم، وعندما حضرت الوفاةُ لسيدنا آدم عليه السلام أوصى ولده شيث بأمرِ قومه وأن لا يخبرَ أخاه قابيل عن ذلك؛ لأنَّه كان حسودًا، وأوصى أيضا على أمور وشؤون أولاده ورعايتهم، وحثهم على طاعة الله ﷻ، وتوفيَ آدم ودفنته الملائكة وتولَّى عليه السلام أمرَ قومه بعد وفاة أبيه، وبعد سنة توفِّيت حواء ودفنها شيث بالطريقة نفسها التي دَفَنَت الملائكة بها أباه، وبعدها أخذ يشرع أمور الدين ويخبرهم الحلال والحرام، حتى أنزل الله خمسون صحيفة، حيث إقتصر ذكره ف الحديث النبوي يقول رسول اللهﷺ: (أنزِل على شِيثَ خمسونَ صحيفةً).

 

إقرأ أيضًا/الكبائر التي نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن فعلها

 

بعد أن قتل قابيل أخيه هابيل هرب إلى اليمن مع زوجته، وأتاه إبليس فقال له إن هابيل قد قبل الله قربانه وأكلته النار؛ لأنه كان يعبد ويخدم النار، فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك لتعبدها، فبني بيت نار وعبدها وكان أول من عبد النار على الأرض، وأخذ الشيطان يكيد ويضل بني أدم ويغويهم وزين لهم المعاصي، قال الله ﷻ: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾، وأيضا قال ﷻ: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾.

 

صار الناس يمتثلون إلى شريعة شيث وشريعة أبيه عليهما السلام، ومما شرع لهم تحريم الاختلاط بقوم قابيل، لما كان من فساد أمرهم، وسوء أخلاقهم، والتزموا بأمره بعدم التوجه إلى السهول والاختلاط بقوم قابيل، امتثالاً لهذا التشريع الرباني من نبي الله شيث، الذي بقي الناس ممتثلين له، حتى توفاه الله تعالى، فعُهد أمر الناس بعده إلى ابنه أنوش، ولم يبعث الله تعالى نبيا بعد شيث مباشرة، بل بقي الناس دون نبي، متبعين ما شرع لهم هذا النبي الكريم، وأبوه آدم عليهما سلام من الله.

 

 مع غياب الأنبياء بعد وفاة أنوش، أراد الشيطان أن يوقع المعاصي في بني آدم، ويستميلهم ليعصوا الله تعالى، ويطيعوا هوى أنفسهم، ليكون ذلك بداية العصيان في الأرض، والخروج عن أمر الله تعالى، فذهب إلى قوم قابيل في السهول لِما يُعرف عنهم من ميل للباطل، وبعدٍ عن القوم الصالحين، فتشكل لهم بهيئة غلام، وعمل أجيراً لدى رجل منهم، وبعدها بزمن أخذ يبتكر لهم الأمور الغريبة، وأشكال اللباس المتنوعة، ثم جعل لهم عيداً يجتمعون فيه، فتتبرج النساء للرجال، وصنع لهم مزماراً كمزامير الرعاة، وأخذ يزمر فيه بصوت جميل لم يُسمع مثله من قبل، قال الله ﷻ: ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى﴾.

 

إقرأ أيضًا/من هم الصحابة والتابعين

 

فى تلك الأثناء أخذ الصوت ينتقل في الهواء، حتى اقترب من الجبال، فسمعه بعض قوم آدم من ضعيفي النفس، ولفتت غرابته انتباههم، فأخذوا يقتربون من ديار قوم قابيل، ويراقبونهم من بعيد، ويستمعون إلى مزاميرهم، لكنهم انتهوا عن عصيان ما في شريعة شيث عليه السلام، واكتفوا بالاستماع والمشاهدة من بعيد، ولكن هنا زين لهم الشيطان المعصية، فعصوا شيث عليه السلام وأوامره بعدم مخالطة قوم قابيل، فدخلوا في عيدهم، واختلطوا مع النساء افتتنوا بجمالهم، وإفتتنت أيضا النساء بجمال أبناء شيث، وحدث ما حدث بينهم، وكان أول زنا يقع في الارض، قال الله ﷻ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾، ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانً}.

 

بدأ يقل عدد أصحاب شيث عليه السلام، ويزداد قوم قابيل، وانتشر الفساد والفسق والفواحش، والزنا بين قوم قابيل ومن ذهب اليهم من أبناء شيث، حتى انهم أخذوا يهجمون على المؤمنين ويؤذوهم، وبعد كل هذا الفساد والكفر في الأرض وما حدث في قوم قابيل، والفتنة والفاحشة التي انتشرت في الأرض وأصابت قوم شيث، أرسل الله عز وجل «إدريس عليه السلام»، وسمي إدريس لكثرة عبادته ودراسته لكتاب الله تعالى، ليقضي على الشر والفساد الذي صنعه قابيل في الأرض، قال الله ﷻ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾.