كانت الحبشة قد احتَلت اليمن بعد المجازر التي ارتكبها قاتل "أصحاب الأخدود" المذكورين في سورة "البروج"
وكان من ضمن جنود الحبش في اليمن "أبرهة بن الصباح" الذي اشتهر بلقب "الأشرم" الذي قاد انقلابا عسكريا أصبح فيه هو الملك، وكان نصرانيا متعصبا، فلم يكفه هو والحبش احتلالَ اليمن حتى تطلع إلى صرف العرب عن سنة أبيهم إبراهيم وحج بيت الله الحرام، فبنى كنيسة سماها "القليس" بناء ضخما مكلفا، ودعا الناس إلى الحج إليها بدل البيت الحرام الذي بمكة "الكعبة" لكن لم يستجب له أحد...
مع مرور الزمان سخر الناس منه وبدأ باستعداءهم (طلب عداوتهم) حتى بلغ به الأمر أن قرر هدم الكعبة بيت الله الحرام، فأعد لذلك جيشا عظيما وجعل على رأسه فيلا سار به نحو مكة قاصدا هدم البيت الحرام.
إقرأ أيضًا: الملك أوسركاف
جهود اليمنيين في صد أبرهة الأشرم عن البيت الحرام:
رغم أن الأشرم كان حبشيا محتلا لليمن إلا أنهم حين سمعوا أنه يقصد بيت الله الحرام هبّوا لنصرة البيت فلم يستسلموا له، فهبّ منه نفر وقبائل منهم:
١- ذو نفر اليمني.
٢- قبائل: أكلب وشهران وناهس من ديار حثعم اليمنيةبقيادة "نفيل بن حبيب الأكلبي"
لكن الجميع باء بالهزيمة أمام الجيش الجرار الذي كان يقوده الطاغية الأشرم، حتى وصل بلاد الطائف حيث استسلموا له، ويقال إنهم عاونوه.
إقرأ أيضًا: درب ملوخيه
نية الأشرم:
صرّح الأشرم أنه لم يأت لقتال أحد ولا سفك دم، ولم يأت غازيا ولا طامعا، إنما جاء لهدم الكعبة، فمن خلى بينه وبينها فهو آمن.
عبد المطلب سيد مكة:
ذكرنا أنه جد رسول الله -صلى اللّٰه عليه وسلَّم- وهو الذي فهم بسرعة ما أراده الأشرم كما علم أنه لا طاقة لقريش على قتال أبرهة وجيشه، كما أنه كان موقنا أن الأمر لله، وأنه بيت الله فقرر إخلاء مكة من أهلها حفاظا عليهم.
لكن جند الأشرم أغاروا على إبل لعبدالمطلب سيد مكة، وبعث الأشرم إلى عبد المطلب أنه يريد لقاءه، فلاقاه عبد المطلب وكلمه في أن يرد الإبل التي له، وهذا ما أثار عجب الأشرم إذ كيف يكلمه في إبل ويترك بيت هو دينه ودين آباءه؟ فلما سأله الأشرم في ذلك، رد عبدالمطلب ردته المشهورة قائلا: "أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه" ومعنى كلامه أنه مسئول عن حماية الإبل، وليس مسئولا عن حماية البيت، فرد الأشرم عليه إبله، فتعلق بالكعبة وقال قصيدته المشهورة:
لاهمّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
وأنصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
إن كنت تاركهم وقبلتنا فامر ما بدا لك.
إقرأ أيضًا:"انوبيس"
هلاك الأشرم:
بعدما فرغ أبرهة من لقاء عبدالمطلب أمر بتوجيه الفيل نحو الكعبة لكن الفيل برك وأصر على عدم التقدم، فوجهه وجهات مختلفة فتوجه، ووجهه نحو الكعبة فلم يتوجه، وبينما هم على هذا الحال إذ أرسل الله عليهم طيرا أبابيل رمتهم بحجارة من نار ما كادت إحداهن تصيب الجندي من جيش أبرهة حتى يقتل، إلا أبرهة فقد فر وهو يقول أو يقال عنه:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب غير الغالب.
إلا أنه أصيب بحجرة من هذه الأحجار تساقط منه جلد جسده وأصابته القُرَح والدمامل حتى لم يبق منه إلا روح على عظم فمات شر موته، بعد أن حمل إلى الحبشة.
إقرأ أيضًا:مقر أرواح المعذبين
اليمن بعد الأشرم:
تولى بعده ولده "يكسوم بن الأشرم" ثم من بعده أخيه "مسروق بن الأشرم".
فلما عم البلاء أهل اليمن خرج "سيف بن ذي يزن" إلى ملك الروم فشكا له الحال فلم يجبه بشيء، فذهب لكسرى الروم فنصره بجيش قاتل فيه جيش "مسروق بن الأشرم" فهزم جيش الأخير وقُتل، وخرجت الأحباش على إثرها من اليمن السعيد، وقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمدلله رب العالمين