ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في أهليّة الأداء والوجوب، وأثبت لها الحقّ في التصرُّف، كحقّ التملُّك، وحقّ الشراء والبَيع، كما جعل الله ميزان التفاضل بين البشر التقوى والعمل الصالح، دون نظر إلى الجنس؛ لقولهﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، بالإضافة إلى أنّ الإسلام حرص على تعليم المرأة، وذكرها في القُرآن جنباً إلى جنب مع الرجل في آيات كثيرة، ومن أعظم الصُّور التي يتجلّى فيها تكريم المرأة أنّ الإسلام أوصى الرجال بهنّ، لقول النبيّﷺ: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا).
اقرا ايضا: الإصلاح بين الناس
تنبية:
كرّم الإسلام المرأة، وأعلى من شأنها؛ سواءً كانت أُمّاً، أو أختاً، أو بنتاً، أو زوجةً، ومن ذلك أنّه أمر الأزواج بالرِّفق بهنّ، وحُسن معاشرتهنّ، ونهى وليّها أن يُزوّجها لرجل لا تُريده، وجعل لها نصيباً من الميراث بعد أن كانت محرومة منه، ورحمة الإسلام بها تتعدّى ذلك إلى العديد من المظاهر، إذ أوجب لها المهر، ومنع وليّها أنْ يأخذ منه شيئاً، وأسقط النفقة عنها، وممّا يدُلّ على تكريم الإسلام للمرأة أنّ في القرآن سورة تناولت كثيراً من الأحكام الخاصة بهنّ، وقد سُمّيت بسورة النّساء.
اقر ايضا: المهدي المنتظر
شرح التعريف:
جاءت العديد من الأحاديث التي يُوصي فيها الرسول بالنساء، ومن هذه الأحاديث والوصايا ما يأتي:
حديث النبيّﷺ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)؛ فالنبيّ نهى الزوجين عن بُغض أحدهما للآخر بسبب خلق واحد سيّئ؛ فإن كان لدى الزوجة صفة سيّئة، فقد يكون لديها في المقابل صفات حَسَنة كثيرة، وفي الحديث تأكيد على حُسن المُعاشرة والصُّحبة بين الزوجَين، والصبر على سوء الخلق إن صدر منها.
حديث أخر للنبيّ لقوله ﷺ: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم)، وقد جاءت هذه الوصية بالمرأة؛ لأنّها أضعف من الرجل، وبحاجة إلى مَن يرحمها، وفي ذلك إشارة من النبيّ إلى أنّ حُسن خُلُق الرجل مع أهل بيته يزيده خيريّة؛ لأنّهم أحقّ الناس بحُسن معاشرته، وتكون الخيريّة بمُعاملتها معاملة طيّبة، والصبر على زلّاتها، وإظهار الفرح والسرور حين لقائها، وكفّ الأذى عنها، وقد قال اللهﷻ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وذلك بالمُحافظة على كرامتها، وعدم إهانتها، كذِكر محاسن غيرها من النساء أمامها، أو سَبّها، كما تجب مناداتها بأحبّ الأسماء إلى قلبها، ورَدّ السلام عليها حال ملاقاتها، والتودُّد إليها بالكلام الطيّب، وتقديم الهدايا لها، والتغافل حال تقصيرها، والعفو عنها، والمحافظة عليها من الشُّبهات ومواطن الفساد، وعدم إجبارها على الخروج من بيتها، وحِفظها، وتلبية احتياجاتها جميعها، وذلك كلّه يُعَدّ رعايةً للمرأة؛ فقد قال النبيّﷺ: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).
اقرا ايضا: ذنوب العباد
حَثٌّ رسول الله على العدل بين الزوجات فى حال تعددهن؛ فقالﷺ: (مَن كانَت لَهُ امرأتانِ فمالَ إلى إحداهما جاءَ يومَ القيامةِ وشقُّهُ مائِلٌ)، وسواءً كان في المبيت، أو النفقة، وقد كان النبيّﷺ إذا أراد السفر يقرع بين زوجاته، ويصطحب معه في السفر مَن يخرج سهمها، وعندما جاءه مرض الموت عدل بين زوجاته في المبيت؛ إذ استأذنهنّ أن يمرض في بيت "عائشة رضي الله عنها" فأذنَّ له.
قد وضع الله العقاب لمَن ظلم زوجاته، ولم يعدل بينهنّ، وذلك بأن يأتي يوم القيامة وهو غير متساوي الأطراف؛ لأنّه لم يكن يعدل بينهنّ في الأفعال، فعاقبه الله عقاباً من جنس فِعله نفسه، إلّا أنّ الله عفا عن المَيل القلبيّ إلى إحدى الزوجات؛ لأنّه من الأشياء التي لا يُمكن للإنسان التحكُّم فيها، وقد ورد ذلك في قولهﷻ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾، وورد في قول النبيﷺ: (اللَّهمَّ هَذا قَسْمي، فيما أملِكُ، فلا تَلُمني فيما تملِكُ ولا أَملِكُ).