12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

مجموعة قلاوون 

2020/12/29 09:47 PM | المشاهدات: 1044


مجموعة قلاوون 
إسراء نشأت عبد الرازق

قيل عنه الألفي .. ولكُل حكاية بداية ، وفي كل كلمة يكمُن ألف معنى .. وهُناك بعض الأشخاص الذين يُمكنهم أن يُغيروا مجرى الحياة وسريانه الطبيعي ..

إنه السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي قلاوون بن عبد الله الألفي .. وعُرف بالألفي لأنه شُريَ بألف دينار ..

لا تتعجب عزيزي القاريء فهذا أمر طبيعي بالنسبة للمماليك .. إذًا فهذا هو سبب تسميتهم بالمماليك 

« مملوك يُشترى بالمال ويتربى تربية عسكرية ويترقى في المناصب .. حتى يصل إلى السلطنة » 

جميعنا نعرف أن هُناك عصر من العصور الإسلامية معروف بإسم عصر المماليك .. أليس كذلك ؟

ولكن أريد لفت إنتباهك الآن إلى أمرٍ مهم للغاية ، فقُسمت دولة المماليك إلى قسمين : المماليك البحرية ، والمماليك الچركسية « البُرجية » 

 

إقرأ أيضاً/معبد مدينة هابو

 

 

وقصتنا اليوم .. نقطة التقاء ما بين الإثنين .. فلنتعرف عليه ولنُحيي ذكراه .. المنصور قلاوون صاحب المجموعة المعمارية الكبيرة .. مجموعة قلاوون بشارع المُعز

أتدري لماذا هو نقطة الإلتقاء بين العصرين ! 

عندما وصل إلى قمة السلطنة وعُيّن سلطانًا وملكًا على مصر كان عصره عصر رخاء ورفاهية وازدهار في الفن والعُمران أيضًا .. كما أنه أوّل من أضاف فرقة جديدة للجيش المصري ، وهي « فرقة المماليك الچركسية » وكان قد بلغ عددهم حوالي ٣٧٠٠ جندي ، فأسكنهم في ثكنات عسكرية بأبراج القلعة .. ومن هُنا عُرفوا بالمماليك البرجية ، ولذلك التقى عصر بعصر بواسطة ملك جعل فترة حُكمه هو وأسرته مُخلدة حتى اليوم ، بل وحكموا أطول فترة في تاريخ المماليك حيث أنه كان ينتقل الحُكم بينه وبين أبنائه وأحفاده فكان نظامًا جديدًا بالنسبة للمماليك وهو « نظام التوريث » 

والآن .. لنذهب معًا في رحلةٍ إلى ما تبقى منه .. الأثر ..

 

 

إقرأ أيضاً/إيزادورا

 

 

تتكون المجموعة المعمارية لـ قلاوون من : مدرسة ، قبة ضريحية ، بيمارستان ، بالإضافة إلى وجود سبيل على ناصية المجموعة يرجح بعض العلماء أنه يعود إلى عهد إبنه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ..

كان الإسم الغالب على هذه المجموعة قديمًا إسم البيمارستان ، وذلك لأنه كان السبب في إنشائها حيث أن المنصور قلاوون عندما كان أميرًا وذلك تحديدًا في عام ٦٧٥ هـ كان قد مرض وهو في دمشق فعُولِج في بيمارستان نور الدين ، وهذا البيمارستان أعجبه للغاية فنذر لله إن ملّكه مصر فسيبني بيمارستانًا لعلاج المرضى ، وعندما تحققت أمنيته وفَى بوعده لله وبدأ في بناء تلك المجموعة الفريدة من نوعها في شهر ربيع الآخر سنة ٦٨٣ هـ ..

والآن .. نحن أمام المنشأة المعمارية الكبيرة .. منشأة قلاوون ، وسيسرد لنا التاريخ حكاياته .. هل أنت مستعد ؟

أنظر الآن بعُمق .. إن الواجهة مقسمة إلى قسمين يبرز أحدهما عن الآخر ، فالجزء الأيمن هو جزء واجهة الضريح ، أما الجزء الأيسر فهو جزء واجهة المدرسة ، أما البيمارستان فاندثر جزء كبير منه ولم يبق إلا أجزاء من إيوانين استُخدما كمستشفى لأمراض العيون ..

دعنا نأخذ جولة داخل مجموعة قلاوون ، ونعِش معًا لحظات مرّ عليها الكثير من الوقت .. ولكننا سويًا سنعود بالزمن لنرى كل تفاصيله عن قُرب ..

 

إقرأ أيضاً/د/على مصطفى مشرفة

 

 

أترى هذا الضريح الكبير ! .. أتشعر بالرهبة مثلي ؟ .. أتعلم أن تلك القبة الضريحية للمنصور قلاوون تعتبر ثاني أجمل قبة في العالم بعد قُبة تاج محل في الهند ! 

« أمر بإنشاء هذه القبة الشريفة المعظمة والبيمارستان المبارك مولانا الأعظم المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي ، وكان ابتداء عمارة ذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانون وستمائة والفراغ من ذلك في جمادي الأول سنة أربع وثمانون وستمائة » 

كان هذا هو ما كُتب على واجهة المدخل الرئيسي من الخارج بخط الثُلث المملوكي .. ولكن تلك القبة ليست هي القبة الأصلية ، حيث أنه في عام ١١٧٤ هـ ، وأثناء تجديدات عبد الرحمن كتخُدا في العصر العثماني أزيلت القبة الأصلية وأُقيمت بدلًا منها قبة أخرى أخذت أصولها وشكلها من ضريح الأشرف خليل بن قلاوون ، ويوجد في أرضية الضريح مقصورة خشبية زُيّنت بنقوش وكتابات أمر بعملها الناصر محمد بن قلاوون .. إذًا فما نستطيع أن نتوصّل له الآن أن أبناء المنصور قلاوون لم يُهملوا ذكرى والدهم ، بل وأضافوا لها الإضافات أيضًا حتى تعش وتُرسّخ ..

أما بالنسبة إلى مدرسة قلاوون فأشارت لنا الروايات التاريخية أنها رغم تكوّنها من إيوانين فقط إلا أنها دُرّست بها المذاهب الفقهية الأربعة : الحنفية ، المالكية ، الشافعية ، الحنبلية .. وذلك يعكس لنا فكرة معمارية جديدة ، وهي أنه حتى لو كان التخطيط غير متعامد فلا يرتبط بفكرة المذاهب ، حيث أن التخطيط المتعامد عبارة عن صحن يحيط به ٤ أواوين ، فبعض الناس يربطون عدد الأواوين بعدد المذاهب ولكن الحقيقة أنه ليس مرتبطًا به إطلاقًا .. 

 

إقرأ أيضاً/تمثال رع حتب ونفرت

 

 

كما قُلنا من قبل أن البيمارستان هو الدافع الأول لإنشاء هذه المجموعة المعمارية الضخمة ، وأنه لم يبق منه سوى جزء صغير .. ولكن المؤرخين وصفوا لنا هذا البيمارستان من خلال حُجة الوقف التي تعتبر وثيقة تاريخية مهمة ، فأمدتنا الحجة بأنه كان مدرسة للطب ومستشفى وصيدلية لمعالجة كافة الأمراض ، بالإضافة إلى وجود أقسام لأمراض العيون والجراحة والأمراض الباطنة وأمراض النساء والأمراض العقلية .. كما كانت الأدوية والأغذية تُصرف لمن يُعالجون في منازلهم ، وظلّ هذا البيمارستان قائمًا بوظيفته حتى عام ١٨٥٦ ميلاديًا .. وحينها لم يبق به سوى أصحاب الأمراض العقلية ، وبعد ذلك أصبح مكانًا لعلاج جميع الأمراض ، ثم اقتصر مرة أخرى لمعالجة أمراض العيون فقط .. أما في عام ١٩١٥ أقامت وزارة الأوقاف قسمًا منه لمعالجة أمراض العيون ، وهو باقٍ حتى الآن يؤدي دوره لأبناء الحي .. 

دعنا الآن نصل لنهاية رحلتنا ونرى مئذنة هذا المكان العريق الفريد من نوعه فهي مئذنة مكونة من ثلاثة طوابق ، ولكن قمتها شُيّدت في عهد لاحق ، وجددها الناصر محمد بن قلاوون مرتين وتشتمل على عدة نصوص منها نص تجديد الناصر محمد بن قلاوون ..

« بسم الله الرحمن الرحيم اللهم جدد الرحمة والرضوان على روح الملك المنصور رحمه الله ، أمر بتجديد هذه المئذنة في أيام والده مولانا السلطان الملك الناصر أبو الفتوح محمد وذلك عند ظهور الآيات المنزلة وسقوط أعاليها عند حدوث الزلزلة في شهور سنة ثلاث وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام »

 

إقرأ أيضاً/شجرة الكريسماس عند المصريين القدماء