12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

اختيار الصاحب

2020/12/19 11:57 PM | المشاهدات: 611


اختيار الصاحب
وليد سيد حسن

لقد أصبح الصديق الوفي ضربا من الخيال، وأصبح البحث عنه كالبحث عن الكنوز النادرة يحتاج إلى عناء مضني حتى شاع المثل الشعبي( مفيش صاحب يتصاحب )،ولكن هل هذه مقولة حقيقية؟ ربما نطالع فى الأخبار مايؤكد هذا الكلام خيانات متكررة تأتي من أقرب وأعز الأصدقاء وصل بعضها لسرقه الأموال، أو فرص العمل، وصل بعضها إلى الخيانة الزوجية، ولربما انتهى الأمر بالصاحب أن يقتل صاحبه وكل هذا واقع ملموس مشاهد، فهل فعلا أنه ﻻ وجود لصاحب حقيقي؟ أم أننا من أسأنا اﻻختيار؟

إن الإسلام دين شامل كامل لم يترك جانب من جوانب الحياة إلا وتحدث عنه وعن منهجه وما يصلحه ويقومه ومن ذلك الحياة الإجتماعية، والعلاقات بين الناس ومنها الصداقة أو الصحبة، فأعد لها شروطها وضوابطها حتى تستقيم ولا تصل 

الأمور إلى ما نسمع ونشاهد، فمن الممكن أن يكون صاحبك وبالًا عليك فى الدنيا بما يجره عليك من المصائب التى ﻻتحمد عقباها، وكذلك يكون وبالًا عليك فى الآخرة بما كنت مطيعا له، قال تعالى: (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) (الفرقان: ٢٨).

 

واذا كان النبى ﷺ قد حذر من مجرد الجليس السوء، فما بالك بالصحبة فعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ : أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:( إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً) متفقٌ عَلَيهِ. فوضع شروط للصاحب فعنْ أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ:( لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِي)ٌّ رواه أَبُو داود والترمذي. فإن المؤمن هو الذى يستحق الصحبة لأنه سيفي بحقها وﻻتكون صحبته وبالًا على صاحبه.

وقال النبى ﷺ:( المرء على دين خَليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل)ابوداود والترمذي.

 

 

 

إقرأ أيضاً/قضية تقسيم الرزق

 

 

وقال سيدنا علي بن أبي طالب:

 

 فَلا تَصحَب أَخا الجَهلِ

 

وَإياكَ وَاِيّاهُ

 

فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى

 

حَليماً حينَ آخاهُ

 

يُقاسُ المَرءُ بِالمَرءِ

 

إِذا ما هُوَ ما شاهُ

 

كَحَذو النَعلِ بِالنَعلِ

 

إِذا ما النَعلُ حاذاهُ

 

وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ

 

دَليلٌ حينَ يَلقاهُ

 

وَلِلشَيءِ مِن الشَيءِ

 

مَقاييسٌ وَأَشباهُ

 

 قَالَ ابنُ قُدامَة –رحِمَه الله-: ((اعلَم أنَّه لَا يَصلُح لِلصُّحبَةِ كلُّ أَحد, وَلَابُدَّ أنَ يَتميَّز المَصحوبُ بصِفاتٍ وخِصالٍ يُرغَب بسبَبِها فِي صُحبَتِه؛ وَينبَغِي أنْ يَكونَ فيمَن تُؤثَرُ صُحبَتُه خَمسُ خِصال))

 

إذَا أردتَ أن تَختارَ صاحِبًا فَانظُر إلَى هذِه الخِصال؛ فإنْ تَوَفَّرَت فيهِ فَصَاحِبْهُ وَإلَّا فَفِرَّ مِنهُ فِرارَك مِن الأسَد؛ لأنَّهُ يستَهلِكُ عَليكَ عُمُرَك, وَيُضيِّعُ عَليكَ وَقتَك, وَيَشغَلُ بَالَك وَذِهنَك ((يَنبَغِي أنْ يَكونَ فيمَن تُؤثَرُ صُحبَتُه خَمسُ خِصال: أنْ يَكونَ عَاقِلًا, حَسَنَ الخُلُق, غَيرَ فَاسقٍ, وَلَا مُبتدعٍ, وَلَا حَرِيصٍ علَى الدُّنيَا ؛ أمَّا العَقلُ فَهُو رَأسُ المَالِ وَلَا خَيرَ فِي صُحبَةِ الأَحمَق؛ لِأنَّهُ يُريدُ أنْ يَنفَعَك فَيضُرَّك. 

 

ونَعَنِي بالعَاقِلِ الذِي يَفهَم الأمُورَ علَى مَا هيَ عَليهِ إمَّا بنفسِه، وإمَّا أنْ يكونَ بِحيثُ إذَا أُفْهِمَ فَهِم؛ فَهذِهِ هِيَ الخَصلَة الأولى؛ أنْ تكونَ عاقًلا. وَأمَّا حُسنُ الخُلُق فَلابُدَّ مِنهُ؛ إذْ رُبَّ عاقلٍ يغَلبُه غَضبٌ أو شَهوَةٌ فَيُطيعُ هَواهُ فَلَا خَيرَ فِي صُحبَتِه -وَلذلِكَ كَان مِن الجَارِي علَى أَلسِنَةِ أهلِ العِلمِ؛ أنَّهُ إذَا أَرَدتَ أَنْ تَصطَفِيَ إنسانًا فَأَغْضِبهُ فَإذَا عَدَلَ فِيكَ فِي حَالِ غَضَبِه فَصَاحِبهُ وَإِلَّا فَاجتَنِبْه-)). 

 

 

إقرأ أيضاً/مفاتيح الفرج الجزء الثانى

 

 

وَأمَّا الفَاسِقُ فَإنَّه لَا يَخافُ الله, وَمَن لَا يَخافُ اللهَ تعَالَى لَا تُؤمَنُ غَائِلَتُه –وَالغَائلَة: الفَسادُ والشَّرُّ وَالدَّاهِيَة, جَمعُهَا: غَوائل- الفَاسِقُ لَا يَخافُ الله, وَمَن لَا يَخافُ اللهَ تعَالَى لَا تُؤمَنُ غَائِلَتُه وَلَا يُوثَقُ بِهِ. وَأمَّا المُبتَدِعُ فَيخَافُ مِن صُحبَتِهِ بِسِرَايَةِ بِدعَتِهِ.

 

وَإِذَا كانَ حَريصًا علَى الدُّنيَا فإنَّهُ يَبيعُك بثَمَنٍ بَخسٍ وَلَا يُبقِي عَليكَ إذَا عَرُضَ لهُ مَطمَعٌ مِن مَطامِعِ الدُّنيَا. فَيَنبَغِي أنْ يَكونَ فيمَن تُؤثَرُ صُحبَتُه خَمسُ خِصال: أنْ يَكونَ عَاقِلًا, حَسَنَ الخُلُق, غَيرَ فَاسقٍ, وَلَا مُبتدعٍ, وَلَا حَرِيصٍ علَى الدُّنيَا.

 

 

إقرأ أيضاً/أم المؤمنين أم سلمة -رضى الله عنها-

 

 

قال الفاروق عمر:

 

(عَليكَ بإخوَانِ الصِّدقِ تَعِش فِي أَكنَافِهِم؛ فَإنَّهُم زِينَةٌ فِي الرَّخَاءِ وَعُدَّةٌ فِي البَلاءِ؛ وَضَع أَمرَ أَخِيكَ علَى أَحسَنِهِ حتَّى يَجِيئَكَ مَا يَقلِيكَ مِنهُ –وَالقِلَى: البُغْض- ؛ وَاعتَزِل عَدُوَّك ؛ وَاحذَر صَدِيقَكَ إلَّا الأَمِين؛ وَلَا أَمِينَ إلَّا مَن يَخشَى الله, وَلَا تَصحَب الفَاجِرَ فَتَتَعَلَّمَ مِن فُجورِهِ, وَلَا تُطلِعهُ علَى سِرِّكَ, وَاستَشِر فِي أَمرِكَ الذِينَ يَخشَونَ اللهَ تَعَالَى)). قَالَ يَحيَى بنُ مُعَاذ: ((بِئسَ الصَّدِيقُ تَحتاجُ أنْ تَقُولَ لَهُ: اذكُرنِي فِي دُعَائِكَ وَأنْ تَعِيشَ مَعَهُ بِالمُدَرَاةِ أَوْ تَحتَاجَ أنْ تَعتَذِرَ إِليهِ)) بِئسَ الصَّدِيقُ هُوَ . قَالَ أَبُو جَعفَرٍ لِأصحَابِهِ: ((أَيُدِخِلُ أَحدُكُم يَدَهُ فِي كُمِّ أَخِيهِ فَيَأخُذُ مِنهُ مَا يُرِيد؟ -وَكَانُوا يَجعَلُونَ المَالَ فِي الصُّرَّةِ تَكونُ فِي أَكمَامِهِم- فَقَالَ لِأَصحَابِهِ: أَيُدِخِلُ أَحدُكُم يَدَهُ فِي كُمِّ أَخِيهِ فَيَأخُذُ مِنهُ مَا يُرِيد؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَلَستُم بإخْوَانٍ كمَا تَزعُمُون)).

فتخيل لو أن الإنسان وصل إلى هذا الصاحب الحقيقي الذى يعطيك ولا يمنعك، الذي يحب لك ما يحب لنفسه، بل و يؤثرك على نفسه حينها يوقن الإنسان أن مقولة (مفيش صاحب يتصاحب) مقولة خاطئة تمامًا.