قد يسير بينا الزمان و تكثر الأقاويل بين هنا وهناك ؛لتزداد التساؤلات و تبدأ الأكاذيب فتسير مع رياح التاريخ و يتنفسها المُتلقى .لتتحول الاكذوبة إلى حقيقة موروثة وكأننا نغمض أعيوننا عن كل شئ صحيح ،فالبشر يستهون كل من ينحرف عن المألوف .
ومن هنا عزيزى القارئ سننطلق سوياً فى رحلة قصيرة بين الأسطر لنمحو أكاذيب الصقت بأحد أهم ملوك مصر القديمة الا وهو الملك" خوفو "
قيل أن "خوفو" حرم صناعة التماثيل فى عهده .قيل ايضاً أنه استعبد عماله لبناء مجموعته الجنائزية ،كما وصف بالغطرسة و الطغيان على لسان" المؤرخ الاغريقى هيرودوت" الذى أحب حضارته فجعل من قلمه سلاحاً يدافع عنها ولكن هذا لا يعطيه الحق أن يلصق بحضارتنا ما ليس فيها من "مبالغات تاريخية"
_________________________
وكونى أثرية لابد أن ننظر بعين التحليل لتلك النقاط :-
هل بالفعل حرم الملك خوفو صناعة التماثيل ؟!!!!
الإجابة ستكون لاااااا
_فكانت صناعة التماثيل دائما لها أسباب دعائية ففى قديم الزمان لم يكن هناك منصات إعلامية او شاشات تلفاز ليطل من خلالها الملك على شعبه . فكان التمثال هو الوسيلة لذلك. فرأينا نقوش كثيرة توضح لنا مراسم الاحتفالات و الطقوس الدينية يظهر فيها تماثيل للملوك بجانب الآلهة.
______________________
_قبل الملك خوفو لم تُحرم التماثيل و بعده أيضا لم تُحرم. فعلى سبيل المثال المجموعة الجنائزية الخاصة بالملك زوسر فى سقارة اكتشفت كاملة فوجد بها عدة نقوش و تماثيل أشهرها تمثاله بالمتحف المصرى بالتحرير. اما عن الملك خفرع الذى تولى الحكم بعد والده "خوفو" عثر له على تماثيل فى مجموعته الجنائزية و أشهرها ذلك الذى يزين عملة العشرة جنيهات المصرية والذى يزين أحد قاعات المتحف المصرى حيث وجد تحديدا فى معبد الوداى الخاص بمجموعته بالجيزة .
و هنا سنقف قليلا ونطرح سؤالاً هام هل أكتشفت مجموعة الملك خوفو كاملة حتى الآن ؟!
فى حقيقة الأمر لا فلم يكتشف معبد الوادى او الجنائزى بعد ،إذا كيف لنا أن نتهم "خوفو" بتحريم التماثيل وآثاره قد غطتها الرمال وهى الآن ترقد أسفل منطقة "نازلة السمان بالجيزة"
_________________________
_التماثيل لم تكن حجارة فقط او ذكرى يتركها لنا الملك او الفرد بعد أن ينتقل للعالم الاخر و إنما ارتبطت بالمثولوجية المصرية القديمة
التمثال ما هو إلا قطعة حجر نُحتت و شُكلت ؛لتكون لنا نموذج يعبر بكل تفاصيله عن عظمة حضارتنا ليس فنياً فقط و إنما هو جزء من العقيدة الاوزيرية
(فهو يمثل أوزير الذى اعيد تشكيله ليبعث للحياة من جديد)
واعتقاداً ان روح المتوفى ستصعد إلى السماء لترتبط بالنجمة الخالدة "نجمة القطب الشمالي "لكى يضمن الخلود و البقاء فى العالم الآخر(جنة أوزير) و عندما تعود الروح مرة أخرى إلى الجسد كان لابد من وجود تمثال للمتوفى لتتعرف الروح على جسدها و تستقر به.
وهنا سأشير إلى تماثيل الرؤوس البديلة وهى تعبر فقط عن وجه المتوفى لكى تتعرف الروح "البا" عليه حيث بدأ ظهورها فى الدولة القديمة واستمرت حتى الدولة الحديثة بشكل أكثر تتطوراً
ولابد أن نعى ان العقيدة المصرية
______________________
_التماثيل أيضاً تمثل الآلهة حيث تتجسد فيها و تزين المعابد و تعطى لمسة من القدسية لأماكن التعبد ، و يجدر الإشارة إلى أن الملك يمثل الإله على الأرض "فهو أوزير فى التابوت حورس على الارض"
كل تلك النقاط السابقة نقاط راسخة فى العقيدة المصرية القديمة لم ينكرها ملك حكم مصر يوماً بل كان مسلماً بها .
_______________________
_ والعجب أن خوفو وجدت له آثار فى" قفط "و "دندرة" و نقشت أسمائه على جدران المحاجر و مناجم الفيروز و النحاس فى شبه جزيرة سيناء.
ونحن نعلم جيدا أن حجارة الهرم الأكبر من محاجر الجيزة و طره ،وأنه من المعتاد جلب الأحجار الثمنية لصناعة التابوت و التماثيل.
هل تعلم عزيزى القارئ !!! أن مومياء الملك خوفو لم يتم العثور عليها داخل تابوته فى حجرة دفنه بالهرم الأكبر و يعتقد أنها سُلبت أثناء الفوضى التى نتجت عن الثورة الاجتماعية الاولى حيث سقط الدين و فقد المتوفى قدسيته و حُرمته .
يردد أغلب المتخصصين أن "خوفو" ترك لنا تمثال واحد فقط له من العاج محفوظ بالمتحف المصرى .و على الجانب الآخر يرجعه البعض للعهد الصاوى "عهد أحياء وبعث القديم " فقد عثر عليه"بترى" داخل معبد المعبود "خنتى امنتى" بأبيدوس (العرابة المدفونة) .حيث افتقد التمثال لسمات فن الدولة القديمة من حيث الدقة و الماهرة . فهل من المنطق ان العصر الذى بنيت فيه احد عجائب الدنيا السبع يمنع به صناعة التماثيل !!
_____________________
و اخيرا
عمال مصر القديمة لم يكونوا يوماً عبيداً و الشاهد على ذلك البرديات و الوثائق التى و صلت لنا من مختلف العصور من مدن العمال (مدينة عمال خفرع ، دير المدينة..... فقد ذكرت تفاصيل عن حياتهم اليومية وأشارت إلى مستحقات العمل.
فلا شئ عظيم يبنى بالسخرة،فعلينا أن نتفهم حضارتنا جيدا و نعى حقيقتها ،ليس عيباً أن نصحح من معتقدات خاطئة لدينا ولكن العيب أن نبقى عليها و نرويها جهلاً ،نمتلك حضارة رمزها مفتاح الحياة فوهبت لنا الحياة وساماً .فماذا سنقدم لها؟!!. سيأتى يوما تغرب الأكاذيب لتشرق شمس الحقيقة.
________________________
