12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

الملحمة الكبري"غزوة مؤتة"

2022/11/20 08:17 AM | المشاهدات: 369


الملحمة الكبري"غزوة مؤتة"
كريم أحمد ماجد

 

غزوة مؤتة (٨هـ/٦٢٩م)

 بدأ يعطي عناية بالغة إلى جبهة حدود الدولة الإسلامية مع الشام حيث بدأ في الفتوحات في بلاد الروم منذ بداية العام الخامس الهجري، حيث غزا بنفسه دومة الجندل ، ثم أغرى زيد بن حارثة وادي القرى ثم أغزى عبد الرحمن بن عوف دومة الجندل ثانية، وذلك لإظهار هيبة الإسلام في هذه الجهات ثم لإنذار القبائل العربية فيها، بأن التعرض للمسلمين بأي أمر لن يمر دون عقاب، ولكن يبدو أن هذه القبائل لم تفهم، أو لم ترد أن تفهم ذلك فقررت على الاعتداء على المسلمين وبصفة خاصة على قوافل التجار المسلمين التي تمر بهم ولم يسلم منهم حتى رسل النبي ﷺ، فبينما كان دحية بن خليفة الكلبي عائدًا من عند هرقل بعد أن سلمه رسالة النبي - ﷺ- تعرض له بعض من قبائل ،جذام وأغاروا عليه، وأخذوا كل شيء معه ولكن استرد قوماً من بنو الضبيب له ما اخذوه منه. 

 

إقرأ أيضًا: إنَّما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

 

- سبب الغزوة

كان النبي - ﷺ- قد بعث الحارث بن عمير إلى ملك بصرى بكتاب، فلما

نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فقتله، ولم يقتل لرسول الله -ﷺرسول غيره، فاشتد ذلك على النبي ﷺ وكان لابد من عقاب من قام بهذا العمل الغادر؛ لأن دماء الرسل والسفراء والمبعوثين مصانة في كل عرف

وفي كل زمان ومكان، فإذا اعتدى أحد على مبعوث من مبعوثي النبي بهذا الشكل الدنيء؛ فإن هذا يعتبر إهانة بالغة للإسلام والمسلمين، وإذا لم يرد المسلمون على هذا العدوان؛ فإن هذا في أقل تقدير سيطمع فيهم أعداءهم، ويتجروا على تكرار هذا الفعل مرات عديدة، خصوصا في هذه المناطق التي لا غنى للمسلمين عن المرور فيها دعاة أو تجار أو مجاهدين أو مبعوثين، لذلك كان الرد والعقاب أمرا مشروعا، فندب النبي - ﷺ- المسلمين للقيام بهذه المهمة وأمرهم أن يقصدوا إلى المكان الذي استشهد فيه الحارث بن عمير وقبل القتال أمرهم النبي أن يدعوا الناس إلى الإسلام فإن أجابوا، فعندئذ يكونون قد اعتذروا عن فعلتهم وكفروا عن ذنبهم، فلا داعي لقتالهم. أما إذا رفضوا الإسلام، فإنهم بهذا يؤكدون إصرارهم على عدائهم للإسلام ومقاومته وعندئذ كانت أوامر الرسول -ﷺ - لجنوده بأن يستعينوا الله عليهم ويقاتلوهم وكانت المهمة على هذا النحو محدودة تحديدا دقيقا، فهي مهمة تأديبية الهدف منها تأديب شرحبيل بن عمرو الغساني ومن الردعلى هذه الجريمة ولم يرد فيها ذكر للروم إطلاقا بل ربما لم يرد في ذهن النبي-ﷺ - أن الروم سوف يتصدون للمسلمين بهذه الأعداد الهائلة، فنحن نعرف من حذر النبي - ﷺ- وحيطته أنه لو فكر في الروم وتصور أن يدخلوا مع المسلمين في حرب لاستعد لذلك استعدادًا أكبر ولكانت الحملة على نطاق واسع، فالروم دولة قوية وإمكانياتها هائلة، فلو قدر النبي - ﷺ- أن المسلمين سوف يضطرون لحرب الروم لأمدهم بإمدادات أكبر على كل حال توجهت حملة مؤتة إلى وجهتها وعلى رأسها القواد الثلاثة الذين عينهم النبي -ﷺ - وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلما وصلت الحملة وعلم قوادها أن الروم جمعوا جموعهم لحربهم أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : تكتب إلى رسول الله - ﷺ- فنخيره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع الناس عبد الله بن رواحة أي: إن المسلمين قدروا خطورة الموقف وتدارسوه، ولولا غلبة حماسة الله ابن رواحة عليهم لربما اختلف الموقف واختلفت النتيجة، أو لو أنهم أرسلوا إلى النبي - ﷺ- لكان من الممكن أن يمدهم بالرجال، أو يرى رأيا فيه نجاحهم وانتصارهم، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

سرت كلمات عبد الله بن رواحة في روح الجند وحمستهم للقتال خصوصا عندما قال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون؛ الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين، فانطلقوا فما

هي إلا إحدى الحسنيين، فقال الناس: صدق والله، وساروا . 

 

إقرأ أيضًا:اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً

 

بدأت حرب عاتية شرسة بين جيشين ليس بينهما أدنى تكافؤ، فماذا يصنع ثلاثة آلاف في مواجهة مائتي ألف من الروم والعرب الذين ينضوون تحت سلطانهم، وقاتل المسلمون واستشهد قوادهم الثلاثة على التوالي، ثم آلت القيادة إلى عبقري الحرب، سيف الله خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه - الذي نظر إلى الموقف نظرة ثاقبة وقدر بفطرته العسكرية وحرصه على المسلمين أن الاستمرار في الحرب أمر خطر قد يؤدي ببقية المسلمين، ورأى أن الحكمة تتطلب منه أن ينقذ المسلمين من الهلاك فوضع خطته البارعة للانسحاب وانسحب بمن بقي من المسلمين وعاد إلى المدينة ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدر موقفهم ورفع معنوياتهم، وهكذا أصبح جليا أن الروم قد أعلنوها حربًا شعواء على الإسلام ودولته