خلفية تاريخية
أوضاع المغول
جنكيز خان
كانت بداية تأسيس إمبراطورية المغول سنة 603 هـ / 1206م في منغوليا على يد جنكيز خان، فتمددت حتى بلغت حدودُها كوريا شرقاً إلى حدود الدولة الخوارزمية غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً، ثم بدأت بالتوسع غربا حيث سقطت خوارزم سنة 616 هـ / 1219م، فسقطت المدن بيدهم الواحدة تلو الأخرى، حيث سقطت بخارى،ثم سمرقند ثم اجتاحوا إقليم خرسان وخوارزم، وكل ذلك كان في سنةٍ واحدة، وفي سنة 617 هـ / 1220م سقطت أذربيجان وهمدان وتبريز وداغستان والشيشان.
تولى أوقطاي خان الحكم بعد جنكيز خان فضم إقليم فارس إلى المغول. وفي سنة 649 هـ / 1251م تولى الحكم منكو خان، فعين هولاكو والياً لإقليم فارس. وبعد خمس سنوات بدأ هولاكو في حصار بغداد في شهر محرم 656 هـ / 1258م. لم يدم الحصار شهراً واحداً حتى سقطت بغداد ومعها الخلافة العباسية واستبيحت بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله.
توجه بعدها هولاكو إلى حصار ميافارقين التي يتحصن فيها الكامل محمد الأيوبي، والتي ما لبثت أن سقطت، ثم توجه صوب حلب فأمر الناصر يوسف بتسليمها إليه ولكن الناصر رفض، فدخلها سنة 658 هـ / 1260، ثم دخل حماة ودمشق في نفس العام، ولكن مالبث أن رجع هولاكو إقليم فارس ووكل قائده كتبغا إكمال الفتوحات، حيث تمكن من احتلال جميع مدن فلسطين التي لا تخضع للصليبيين.
إقرأ أيضًا/العبادات في مصر القديمة الجزء الثاني (التوات)
أوضاع المماليك
توفي الصالح أيوب في 647 هـ / 1249م وهو خَارج إلى المنصورة لملاقاة لويس التاسع صاحب الحملة الصليبية السابعة. فتولى قيادة الجيش كلا من بيبرس و فارس الدين أقطاي حيث تم لهم النصر في معركة المنصورة. تولى توران شاه الحكم خلفاً لأبيه، ولكنه قتل بعد أربعة أشهر من توليه الحكم.
فحدث فراغ سياسي كبير بعد مقتله، فليس هناك أيوبي مؤهل لقيادة الدولة، عندها أعلنت شجرة الدر بالتعاون مع المماليك حاكمةً لمصر، ولكن الرفض عم أرجاء العالم الإسلامي بعد سماعه الخبر، فتزوجت عز الدين أيبك ثم تنازلت له عن الحكم، وأصبح أول سلاطين مماليك مصر، استقر بعدها الحكم لأيبك واعترف به الخليفة العباسي المستنصر بالله، ولكن بدأت الصراعات بين المماليك في النشوب، ماأدى أن قتل أيبك زعيمَ المماليك فارسَ الدين أقطاي، فهرب المماليك الآخرين وعلى رأسهم بيبرس من مصر. ثم مالبث أن قتلت شجرة الدر زوجها أيبك بعدما علمت انه تزوج من ابنة حاكم الموصل، فسارع سيف الدين قطز ومعه المماليك المعزية و نور الدين علي بن أيبك بإلقاء القبض على شجرة الدر وتسليمها لأم نور الدين والتي أمرت جواريها بقتلها ضرباً بالقباقيب.
بُويع نور الدين علي بن أيبك البالغ من العمر خمسة عشر سنة حاكماً لمصر، وتولى سيف الدين قطز الوصاية الكاملة عليه، أدى صعود طفل سدة الحكم في مصر لحدوث قلاقل وفتن، ولكن قطز استطاع إخمادها على الفور، ثم طمع الأمير الأيوبي مغيث الدين بحكم مصر، وسير الجيوش لقتال قطز، ولكن قطز استطاع صد جيشه في سنة 655 هـ / 1257م و 656 هـ / 1258م، وفي ضوء سقوط بغداد في عام 656 هـ / 1258م والمشاكل الداخلية وثورات المماليك وأطماع الأمراء الأيوبيين، لم يجد قطز أي معنى لأن يَبقى طفل على سدة حكم مصر التي لم يعد هناك أمل لصد المغول إلا فيها، واتخذ قراره بعزل الطفل نور الدين علي بن أيبك واعتلاء عرش مصر سنة 657 هـ.
إقرأ أيضًا/لوحات حسي رع
قبل المعركة
كان الوضع في مصر عند اقتراب التتار منها متأزم جداً، فالوضع الداخلي يموج بالاضطرابات والأزمات الشديدة، والفتن الناتجة عن الصراع على كرسي الحكم، وإن كان قطز قد استقر على كرسي الحكم، إلا أن هناك الكثير من الطامعين في الكرسي وهناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً، كما أن الفتنة ما زالت دائرة بين المماليك البحرية الذين كانوا مؤيدين لشجرة الدر وبين المماليك المعزية الذين يؤيدون قطز، أما المسرح السياسي الخارجي فكان يحمل مشكلات كبيرة أخرى، وذلك أن العلاقات كانت ممزقة تماماً بين مصر وجيرانها، أما الوضع الاقتصادي فلم يكن بأفضل حالاً من الوضع السياسي، فهناك أزمة اقتصادية يمر بها البلد من جراء الحملات الصليبية المتتالية، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، وكذلك الفتن والصراعات على المستوى الداخلي، كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية، فتردى الاقتصاد لأبعد درجات التردي.
ترتيب الوضع الداخلي عدل
كانت أول خطوة قام بها قطز في إعداده لحرب التتار هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، وقطع أطماع الآخرين في الكرسي الذي يجلس عليه، وما كان من قطز إلا أن جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي وقال لهم: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطة من شئتم»،
فهدأ معظم من حضر الاجتماع ورضوا بما قال، ثم قام قطز بالقبض على رؤوس الفتنة الذين حاولوا الخروج على سلطته وحكمه، وبذلك هدأت الأمور نسبيًا في مصر، أما الخطوة الثانية التي قام بها قطز فهي إصداره لعفو عام وشامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي،
كانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار، وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية جداً ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد الظاهر بيبرس إلى مصر وانضمامه إلى قطز، وبهذا توحدت قوى المماليك تحت لواء جيش واحد قائده سيف الدين قطز.
إقرأ أيضًا/الهرم الجنوبي (المنحني)
رسل هولاكو
بينما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش، جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربع رسل من التتار، وفيها:
من ملك الملوك شرقاً وغرباً الخاقان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أنَا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطناً على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق بمن شكى، قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، فمن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلِم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تُهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنّا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا سبيل، فلا تطيلوا الخطاب وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منّا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرازاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى. معركة عين جالوت
كانت الرسالة إعلاناً صريحاً بالحرب أو تسليم مصر للتتار، على إثر هذه الرسالة عقد قطز مجلساً ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء وبدؤوا مناقشة فحوى الرسالة، كان قطز مصمماً على خوض الحرب ورافضاً لمبدأ التسليم، ولكن كان هناك تردد من قبل بعض الأمراء في قبول ما رآه قطز، عندها قال قطز مقولته المشهورة: «أنا ألقى التتار بنفسي»،
ثم قال: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين»،[38] وأنهى كلامة بقوله «من للإسلام إن لم نكن نحن»،
وقعت كلمات قطز في قلوب الأمراء فأيدوه في قراره، وأعلنوا معه الجهاد في سبيل الله، ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو، وأن يعلق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة، وذلك بعد أن استشار ركن الدين بيبرس الذي قال: «أرى أن نقتل الرسل الأربعة ونقصد كتبغا قائد المغول متضامنين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين».
إقرأ أيضًا/فضيحة حتشبسوت الجزء الثاني