فتح المورة
خِلال الفترة التي استغرقها فتح مُعظم البلاد الصربيَّة، كان السُلطان قد عقد العزم على تسخير وفتح بلاد المورة لِأسبابٍ مُختلفة. فقد كانت البلاد سالِفة الذِكر مُقسَّمة بين الأميرين البيزنطيين الأخوين طوماس ودمتريوس، شقيقا الإمبراطور قُسطنطين الحادي عشر، وكان طوماس يُقيمُ في باللوبادرة (پاتراس) في حين سكن دمتريوس في إسپرطة. ولم يكن الأخوان على وفاقٍ فيما بينهما ما أدَّى إلى تدخُّل الأرناؤوطيين في شؤونهما الداخليَّة، بِالإضافة إلى أنَّهما نزعا إلى الظُلم والاستبداد وتأخَّرا في دفع الجزية المفروضة عليهما سنوات عدَّة، رُغم أنَّهما فرضا ضرائب باهظة على رعاياهما. نتيجة هذا الظُلم، ثار نحو 30,000 أرناؤوطي من أهل المورة، بِقيادة أحد النُبلاء المدعو «بُطرس البُوائي» (بالألبانية: Pjetër Bua)، وانضمَّ إليهم بعض الروم الناقمين على الوضع بِزعامة نبيلٍ آخر يُدعى «عمانوئيل قانتاقوزن»، وانتخبوه لِيكون أميرًا عليهم. ولم يقدر الأميران البيزنطيَّان على قمع الثورة العارمة، فالتجآ إلى السُلطان مُحمَّد يطلُبان منه العون والمدد. وازدادت الأُمُور تعقيدًا لمَّا أخذ بعض الزُعماء والأُمراء الصغار يتواصلون سرًا مع السُلطان العُثماني ويُبايعونه على السمع والطاعة في سبيل التخلُّص من تبعيَّتهم لِلأميرين الشقيقين،كما اندلعت ثورة أُخرى قام بها اللاتين الكاثوليك، أحفاد الإفرنج الذين استوطنوا شبه الجزيرة اليونانيَّة بعد الحملة الصليبيَّة الرابعة، بِزعامة يُوحنَّا أسانو زكريَّا (بالإيطالية: Giovanni Asano Zaccaria)، وهو الابن اللقيط لِآخر أُمراء آخية، سنتوريون الثاني زكريَّا (بالإيطالية: Centurione II Zaccaria)، وقد ادَّعى الأحقيَّة لِنفسه في حُكم وتمثيل بقايا الكاثوليك في المورة.أضف إلى ذلك، يُروى أنَّ أحدًا من تُجَّار سيروز كان قد سار لِلتجارة إلى حُدُود المورة، فشاهد تسلُّط المسيحيين على الأقليَّة المُسلمة فيها في خضام الاضطرابات القائمة، فرقَّ عليهم وذهب إلى ركاب السُلطان مُحمَّد وعرض أحوال مُسلمي تلك الديار على العتبة العُليا، فكان هذا دافعًا إضافيًّا لِلتدخُّل العُثماني.
طوماس پاليولوگ، أحد أميري المورة الشقيقين.
أدَّت خيانته إلى خلعه من السُلطة وضم المورة لِلدولة العُثمانيَّة، بينما التجأ هو إلى البابا في روما.
لم يكن بِوسع السُلطان السُكُوت عن التدخُّل الأرناؤوطي في المورة، كما لم يرضَ عن تزايُد الفوضى وظُلم السُكَّان، فكان لا بُدَّ من التدخُّل السريع لِوضع حدٍّ لِكُلِّ ما يحصل. وفعلًا، أمر السُلطان بِالتجهُّز واجتماع الجيش، وخرج في ربيع سنة 862هـ المُوافقة لِسنة 1458م، على رأس حملةٍ عسكريَّةٍ لِفتح بلاد المورة. وبعد أن أمضى شطرًا بسيطًا من الوقت في سيروز بانتظار أن ينضم إليه بقيَّم العسكر، توجَّه ودخل المورة من برزخ كورنثة، وفتح أولًا قلعة «فلكة» عنوةً، ثُمَّ قلعة كورفوس، وفتحت له قلعة «باق أوه» أبوابها سلمًا، فأجلى أهلها إلى إسلامبول، ثُمَّ فتح قلعتا «توقماق» و«منجلق» بِحد السيف، ثُمَّ فتح باللوبادرة (پاتراس) مع لواحقها، إذ كان الرُّوم قد استردُّوها بعد فتح السُلطان مُراد لها خِلال حملته الخاصَّة على المورة. وأجبر السُلطان الأرناؤوطيين على الخُرُوج من البلاد، وفرض على الأخوين البيزنطيين جزية سنويَّة قدرها خمسة آلاف دوقيَّة، وتفاهم مع النبيل «بُطرس البُوائي» الذي أصبح مُتحدثًا في البلاط السُلطاني باسم الرعيَّة الأرناؤوطيَّة، في حين هرب يُوحنَّا أسانو زكريَّا إلى البُندُقيَّة، واختفى كُلُّ أثرٍ لِعمانوئيل قانتاقوزن.
وهدم السُلطان بِنيران مدفعيَّته 292 قلعة من مجموع الثلاثمائة قلعة الموجودة في المورة، وترك 8 قلاع فقط أسكن فيها حامياتٍ عسكريَّةٍ عُثمانيَّة، ولمَّا قرُب الشتاء توجَّه السُلطان إلى إسكوپية وشتى فيها.
ويبدو أنَّ طوماس خضع لِلعُثمانيين على كُرهٍ منه، ولبث يترقَّب الفُرصة لِإعلان تمرُّده. وفعلًا استغلَّ هذا الأمير غياب السُلطان فهاجم أخاه دمتريوس والحاميات العُثمانيَّة في المورة، واستولى على مُدنٍ عدَّة، واستنجد هذا الأخير بِالسُلطان الذي عاد إلى المورة ودخلها، فهرب طوماس إلى إيطاليا. ومنعًا لِتجدُّد أعمال التمرُّد على الحُكم العُثماني، وضع السُلطان الإقليم تحت السيطرة المُباشرة لِلسلطنة، ونفى دمتريوس إلى إحدى جُزر أرخبيل بحر إيجة، ثُمَّ سمح لهُ بالانتقال والعيش في أدرنة. وفتح السُلطان خلال حملته هذه مدينة أثينا في سنة 864هـ المُوافقة لِسنة 1460م، على أثر حُصُول نزاعٍ عائليٍّ بين حُكَّامها، وسمح لِآخر دوقٍ من حُكَّامها اللاتينيين، وهو فرانشيسكو الثاني أكسيولي (بالإيطالية: Francesco II Acciaiuoli) بِأن يأخذ كامل ثروته ويذهب إلى إيطاليا. وفي ذلك الوقت فُتحت جزائر الأرخبيل مثل طاشوز وإمروز وغيرها، حتَّى أضحت بلاد اليونان تحت السيطرة العُثمانيَّة المُباشرة باستثناء بعض المواقع والقلاع المُتفرِّقة على الشواطئ مثل كورونة ومودونة وآرغوس وليپانت التي كان أغلبها لِلبنادقة.
الحملة الأولى على المجر
خلال الحملة على المورة، كان السُلطان قد أمر عيسى بك بن أفرنوس بِأن يُغير على بلاد الأرناؤوط لِإشغال زُعماء العشائر وفي مُقدِّمتهم العاصي الكبير إسكندر بك، عن التدخُّل في الشُؤون الداخليَّة الموريَّة. كما أمر عيسى بك بن حسن والي ڤيدين بِالإغارة على ديار المجر، فأغارا واغتنما غنائم كثيرة. ثُمَّ أتبعهُما بِسريَّةٍ عظيمةٍ من الآقنجيَّة بِقيادة مُحمَّد بك بن منت لِاستكمال الغارات على المجر، فعبروا نهر الطونة (الدانوب) وتوجهوا إلى إقليم طراوه ونهبوا قراها وسبوا أهلها، ثُمَّ توجَّهوا إلى «رسووا» بين نهريّ الطونة وصوه، فأغاروا على نواحيها واغتنموا أشياء عظيمة من الأثقال والسبايا والمواشي، وأرسلوا جميع الغنائم بِالسُفن عبر نهر الطونة إلى الصدر الأعظم محمود باشا، الذي كان يترقبهم في قلعة گورجنيلك، كما صادفوا نحو مائتي فارسٍ مجريّ، فأسروهم جميعًا وعادوا بهم إلى السُلطان في إسكوپية، فأكرم الأخير الصدر الأعظم وسائر الأُمراء الذين شاركوا في تلك الغارة غاية الإكرام، وأراد أن يأذن لِلعسكر بِالرُجُوع إلى أوطانهم لولا أن بلغه أنَّ جمعًا من الجُنُود المجريين قد عبروا نهر الطونة من معبر بلغراد وتفرَّقوا لِلنهب ضمن الحُدُود العُثمانيَّة، فأرسل إليهم جمعًا من نُخبة العسكر الذين باغتوهم وأسروا مُقدِّمهم وقتلوا أتباعه، ثُمَّ تتبعوا المُتفرقين وقتلوا بعضهم وأسروا آخرين، ولم يفلت منهم إلَّا قليل. ولمَّا رجع الجُنُود إلى السُلطان أكرم أُمرائهم بِالمناصب العالية، ثُمَّ أذن لِلعساكر بِالعودة إلى بلادهم، ورجع هو أيضًا إلى أدرنة.
بعد ذلك قرَّر السُلطان أنَّ الوقت حان لِاسترداد سمندريَّة، وكانت قد دخلت في مُلك البُشناق بعد أن ابتاعها الملك أسطفان طوماسوڤيچ من أحد أبناء جُريج برانكوڤيچ عند وفاة الأخير. ولمَّا وصل السُلطان إلى صوفيا وصل إليه الخبر من جانب الملك البُشناقي بِأنَّهُ التمس من السُلطان أن يُعوَّضه عن سمندريَّة بِقلعة البوسنة، فلم يُجبه السُلطان إلى ذلك، واضطرَّ أسطفان طوماسوڤيچ إلى تسليم سمندريَّة صُلحًا وبلا عوض صونًا لِبلاده عن الغارة والخسارة. وهكذا، سار جمعٌ من قبل السُلطان وتسلُّموا المدينة سلمًا، وأمَّنوا أهلها على أنفسهم وأموالهم وعيالهم ودينهم.
وبِذلك انتهت القيصريَّة الصربيَّة تمامًا، وأضحت الصرب أميرٍ لِلسنجق المذكور.