فتية الكهف كانوا يعيشون في قومٍ يعبدون الأصنام، ويتقرّبون إليها من دون الله تعالى، وفي يوم عيدٍ لهم، اجتمع الناس يسجدون ويتقرّبون من أصنامهم، فوقع في نفوس فتية الكهف الإنكار على ما يصنع قومهم، وشعروا بأنّهم ليسوا على شيءٍ وهم على ذلك الحال، فجمع الله فيما بينهم، ورفع عن قلوبهم الغفلة، فأدركوا أنّه قد وجب عليهم هجر قومهم، وتجنّبهم خوفاً من الفتنة على دينهم، واتفق اجتماع الفتية في مكانٍ واحدٍ، حيث قال اللهﷻ: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾.
إقرا ايضاالفرق بين جبر الخواطر والنفاق.
تنبيه:
أصحاب الكهف هم شباب فرّوا بالإيمان من الطغيان، شهدت بإيمانهم آيات القرآن، حيث قال اللهﷻ في حق أهل الكهف: ﴿نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى﴾.
سبب ورود هذه القصة أن قريشاً جاءوا لرسولﷺ فَقَالُوا: (يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصَّةٌ عَجَبٌ؛ وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طَوَّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا؛ وَأَخْبِرْنَا عَنْ الرُّوحِ مَا هِيَ؟
فأبطأ الوحيُ على رسولِ الله خمسة أيامٍ، ثمَّ جاءه بسورة الكهفِ، وأخبار أصحاب الكهفِ، وذي القرنين، ونَزلت الآية الكريمه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾، وقال اللهﷻ: ﴿أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا﴾.
إقرا ايضاذو القرنين
شرح التعريف:
أهل الكهف هداهم الله إلى التوحيد واحدًا بعد واحد، ما كانوا في عائلة واحدة، وإنما تعرف بعضهم إلى بعض عن طريق التوحيد وعباده اللهﷻ، هؤلاء الفتية الذين اجتمعوا على الخير، واجتمعوا على الحق، لما رأوا اضطهاد قومهم، وأنهم سيحملونهم على الشرك بالقوة، آثروا الفرار بدينهم، والله تعالى جعل قصتهم عبرة، وجعلها ممتدة موجودة في الأجيال، هؤلاء القوم أرواح مجندة تعارفت فتآلفت.
لماذا يلجأ المؤمنون إلى الله في الشدة؟
لأنه هو كاشف الضر، وإذا كان الله هو الذي يملك الخير، ويكشف الضر، ويجلب النفع، لا يفعل ذلك إلا الله، فلما لا يلتجئ العباد إليه في أوقات الشدة، قال اللهﷻ: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، وأيضا قولهﷻ: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
إقرا ايضا.التوبة وشروطها
جاءت رحمة الله بالفتية الصالحين، إذ يرعى تقلُّبهم من جنبٍ إلى جنبٍ كلّ عامٍ، حيث قال اللهﷻ: ﴿وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا﴾، وذكر الله هنا دلالةٌ على حُسن الصحبة، وما تلحق بصاحبها من خيرٍ، فحين صاحب الكلب أناساً صالحين، استحقّ أن يذكر معهم في القرآن الكريم، لم يذكر الله تعالى عدد أصحاب الكهف، فجعله غير معلوم بل قالﷻ: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
ذكر الله تعالى أنّ الفتية مكثوا في كهفهم سنين، وهم على نفس الحال، فلمّا استيقظوا سأل بعضهم بعضاً عن المدّة التي لبثوها، فظنّوا أنّها ما يقارب اليوم، قالﷻ: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾، ثمّ رأوا بأن يُرسلوا واحداً منهم، ليشتري لهم طعاماً، وتواصوا بوجوب اللطف واللين في الدخول إلى المدينة، حتى لا ينتبه أحدٌ إلى أمرهم، حيث قال اللهﷻ واصفاً حديثهم: ﴿فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾، ثمّ عللّوا خوفهم وتوجّسهم بأنّهم إن اطلع أحدٌ على حالهم، فلا بدّ أن يحاول ليرجعهم إلى ملة الكفر والشرك، ولن يفلح أهل الإيمان إن اتّبعوا حديث قومٍ مشركين، حيث قال اللهﷻ: ﴿إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا﴾
حين خرج أحد الفتية ليشتري لإخوانه طعاماً تنكّر؛ حتى لا يعرفه أحدٌ، وما إن دفع بالمال ثمناً لما اشتراه، استغرب من حوله من النقود التي يحملها، واستنكروا عليه ذلك، فأخبرهم خبره، وما كان من أمرهم هو ومن معه، فانطلقوا معه ليريهم مكانهم، فسبق الناس، فدخل الكهف، وأخبر أصحابه بما حصل، فعلموا أنّ ذلك من حكمة الله وقدرته، ورحمته بهم.
فائدة قصة أهل الكهف:
قد كانت هذه القصة العجيبة بدلالاتها وفوائدها وعبرها، آية للمؤمنين، يعرفون بها كيف ينال أهل الخير البركة بصحبة الأخيار، من صاحب الأخيار ذكر معهم، وهؤلاء صار لهم شأن بل إن كلبهم قد ذكر في القرآن؛ لأنه صحب الأخيار، فإذا كان كلب صار بهذه الدرجة لمخالطته أولياء الله الصالحين وحراستهم، فما ظنك بالمؤمنين المحبين للصالحين الذين يخالطونهم، قال رسول اللهﷺ: (أنت مع من أحببت، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
كذلك نجد في هذه القصة أن الإنسان مأمور بذكر الله عند النسيان؛ لأن الله قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾، نسأل الله الفقه في كتابه، وأن يجعل الرسول لنا شفيعا يوم الدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.