12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

"عمر المختار" شيخ المجاهدين الأحرار..

2020/04/22 07:53 PM | المشاهدات: 1350


"عمر المختار" شيخ المجاهدين الأحرار..
فتحي محمد السيد

في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ومع ضعف الدولة العثمانية حتى سقوطها بدأ مايسمى بالإستعمار الأوربي الحديث الذي توجه إلى أفريقيا وآسيا..

والعارف بطبيعة "الشعوب" العربية يدرك تماماً أنها ترفض السيطرة والخضوع ولهذا قامت بثورات، قاومت فيها الإستعمار بكل ما أوتيت من قوة وشجاعة، ما جعل المعتدي لا يهنأ ولا يرىٰ يوماً هادئاً في مستعمراته..
وكـ باقي الدول العربية كان رجال "ليبيا" في الموعد رافعين لواء الجهاد ضد الإستعمار الإيطالي في مقاومة سطرها التاريخ بحروف من ذهب، برز فيها أسم الشيخ "عمر المختار" أسد الصحراء وشيخ المجاهدين الأحرار، قدم فيها أجمل دروس الشجاعة والصمود لفترة دامت ٢٠ عاماً، في سبيل الحرية تحت لواء "الحركة السنوسيه" التي كان لها الفضل في تكوين شخصيتهُ الفذه التي حولته من معلم قرآن جليل إلى قائد عظيم..

وهنا سنحاول أن نتحدث عن هذه الشخصية العظيمه التي عملت وجاهدت لصالح وطنها الحبيب "عمر المختار" من مولدهِ حتى إعدامه..
ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين عربيين صالحين عام ١٨٦٢ م وقيل ١٨٥٨ م وكان مولده بـ "البطنان" في الجبل الأخضر، كان والده مختار بن عمر من قبيلة "المنفه" من بيت فرحات.
نشأ وترعرع في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة المسلمين وأخلاقهم الرفيعة، وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم "الحركة السنوسيه" القائمة على كتاب الله وسنة رسوله {صل الله عليه وسلم}

لقد ذاق عمر المختار - رحمه الله - مرارة اليتم في صغره، حيث مات والده وهو في سن صغير، فألتجأ إلى الله القوى العزيز في أموره كلها، كان عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها ويقرأ القرآن يوميا فيختم المصحف الشريف كل سبعة أيام.. 
تفوق السيد عمر على أقرانه بصفات عده منها، رجاحة العقل وحب الدعوة ووصل أمره إلى الزعيم الثاني للحركة السنوسيه محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره واصطحبه معه في رحلته الشهيره من "الجغبوب" إلى "الكفرة" عام١٨٩٥ م وفي عام ١٨٩٧ م أصدر محمد المهدي قراراً بتعيين عمر المختار شيخا لزاوية "القصور" بالجبل الأخضر قرب المرج. 

وبعد سفر إدريس السنوسي إلى مصر بعد توليه الإمارة ب ٤٠ يوما فقط أحدث اضطراباً عاماً في ليبيا كلها وضعفاً في نفوس الشعب لهذا لم ينتظم أمر السيد عمر الذي كان قد عينهُ إدريس قائدا لمنطقة الجبل الأخضر، ولحق عمر بإدريس في مصر ليستطلع رأيه فيما أصاب الامة الليبية من فشل بسبب سفره، وهل يعتزم العودة إلى الوطن مره اخرى ام لا. 
فجاء السيد عمر المختار إلى مصر في مارس عام ١٩٢٣ وقابل إدريس السنوسي وشرح له ماجرى ولكن عمر لم يحظى منه بأمراً حاسم، فأيقن عمر بعدم رجوع إدريس مره اخرى الى طرابلس، فأجمع أمره ورجع إلى برقه ليتشاور مع رؤساء العرب فيما يجب عمله لصالح بلادهم. 
وبينما وهو راجع في طريقه إلى برقه عرض له الإيطاليون في ثلاث سيارات مسلحة للقبض عليه، وقد دافع عن نفسه وانتصر على من في السيارات الثلاثة فقتلهم وأخذ ما معهم وواصل الطريق للذهاب إلى الشيوخ للأجتماع بهم وتدبير شئون الأمة الليبيه. 

رجع السيد عمر المختار من برقه إلى الجبل الأخضر عقب واقعة "البريقة" بعدد قليل من المغاربة، واتخذ له ذلك الجبل مقراً، ولم تمضي فترة من الزمن حتى انضم إليه كثيرا من رؤساء القبائل واجتمع إليه الناس من كل صوب، فأخذ في تنظيم أمره وعيِن لكل قبيله رئيساً منها، واتفق هؤلاء الرؤساء جميعاً على أن يكون السيد عمر قائداً عاما ورئيسا على كل المجاهدين، وتم الأمر وعقدو الخناصر على الجهاد في سبيل الله إلى آخر نفس في حياتهم أو يخلصوا أوطانهم من العدو الغاشم. 
وسرعان ما تطورت حركة عمر المختار ع غيرها من الحركات، حتى وجد الإيطاليين أنفسهم أمام جيش يهاجم حصونهم ويغزو معاقلهم، ومن هنا أخذت الحرب سجالاً بين الطرفين.. 

وفي عام ١٩٢٨ عين "موسوليني" المارشال "بادوليو" أكبر قادة إيطاليا العسكريين حاكماً عاما على ليبيا بعدما وحد حكومتها ومنحه سلطات واسعة وأمره بأن يقضي على المقاومة بأي شكل ويريح إيطاليا من مشكلة لا تزال تشغل بالها من سنوات. 

وفي عام ١٩٢٩ م جاء المارشال بادوليو الى " سيدي رحومه" ليقابل عمر المختار بحضور كبار المشايخ وقال الأول أنه جاء للأتفاق معه على ما يكفل راحة البلاد وأنه مسرور بالتعرف عليه شخصيا ، وأقترح السيد عمر على المارشال إحضار مندوب مصري وأخر تونسي يشهدان المباحثات ويتم كل شيء بحضورهما، وقال إن هذا هو أفضل السبل للوصول إلى اتفاقات يحترمها الجميع. 
ولكن في النهاية انتهت المباحثات بالفشل والآخفاق بسبب سوء نية الإيطاليين، وعبر عن ذلك عمر المختار في خطاب قال فيه :
"وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفه، وما مقاصدنا الا المطالبة بالحرية والاستقلال، وأما مقاصد إيطاليا واغراضها فترمي إلى القضاء على كل حركة قوميه تدعوا إلى النهوض بالشعب الطرابلسي المتقدم، وهيهات أن يصلوا إلى ما يريدونه...." 
واستؤنف القتال وعقد الايطاليون العزم على التخلص من عمر المختار بأي ثمن.
واحتل الايطاليون في هذه المرحلة" الكفرة"وهي مجموعة من الواحات في صحراء برقه.

وخرج السيد عمر مساء يوم الجمعه ١٢ سبتمبر ١٩٣١ م يقود كوكبة لا يزيد عددها عن ٥٠ فارساً للاستكشاف كعادتهِ فألتقي بقوة للايطاليين بناحية "سلنطه" والظاهر انهم كانوا على علم بموعد خروجه وحاول عمر المختار الخروج من الوادي الذي يسير فيه عندما التقى بهذه القوة ولكنه لم يستطيع فوجد أنه لا مفر من مواجهتهم، ولكن إصابة فرسه بطلقة في قدمه جعلته يسقط أرضاً فأمسكوه ثم نقلوه إلى بني غازي فظل في سجنها حتى يوم ٣ جمادى الأولى سنة ١٣٥٠ هـ وهو اليوم المحدد لمحاكمته.

وقد عقدت المحاكمة في القاعة الكبرى في مركز إدارة الحزب الفاشيستي، وهي دار مجلس النواب السابق في بنغازي، وفي الساعة الخامسة من مساء اليوم المذكور بدأت المحاكمة ونودي بالدعوى ضد عمر المختار لاعتدائه على سلامة الدولة وعلى أمن البلاد.
وتم استجوابه ورفعت الجلسة في الساعة السادسة تماماً وفي الساعة السادسة والربع عادت المحكمة إلى الانعقاد، وقال رئيس المحكمة، الحكم هو إدانة السيد عمر وبالتالي حكمت المحكمة بالإعدام شنقاً..
"وهو الحكم الظالم شكلاً وموضوعاً"

وفي صباح يوم الأربعاء ٤ جمادى الأولى سنة ١٣٥٠ هـ الموافق ١٦ سبتمبر ١٩٣١ م وفي الساعة التاسعة تماماً تم وضع حبل المشنقة في رقبته وبعد بضع دقائق صعدت روحه الطاهرة إلى ربها تشكو إليه عنت الظالمين وجور المستعمرين..

وبهذا انطويت صفحة المجاهد عمر المختار ولكنها باقية في قلوب كل أبناء الشعب الليبي والعربي.
تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جناته..
--------------------------------------
المصادر والمراجع..
- كتاب عمر المختار - دكتور الطاهر أحمد الزاوي. 
- كتاب محاضرات في تاريخ اليقظة الإسلامية وحركات التحرر - دكتور عبدالحميد عبدالجليل شلبي.
- كتاب الشيخ الجليل عمر المختار - دكتور علي محمد الصلابي.
- رسالة ماجستير بعنوان عمر المختار ودوره في الجهاد الليبي جامعة محمد بوضياف" دولة الجزائر" - ياسمينه حمادي