اهتم المصريون القدماء اهتماما شديداً بالتعليم، فهو يعتبر مقياساً للحضارة والتطور بين الشعوب...
اقتصر التعليم في البداية على تعليم الأطفال في القصور الملكية وبيوت النبلاء، ثم توسعو في إنشاء المدارس ثم الإدارات التعليمية المختصة بتعليم التجارة والإدارة والتي كان يطلق عليها "مهنية"، إضافة إلى مدارس ملحقة بالجيش لتعليم العلوم العسكرية وفنون القتال، ومدارس تابعة للمعابد لتعليم العلوم الدينية.
وفي كل من هذه المدارس يوجد مكتبات يطلق عليها "برن سشو" وتعني بيت المخطوطات، وكانت تحتوي على برديات في كل فروع المعرفة لتكون كتبا ومراجع للدارسين، وكانت الربة الحامية لهذه المكتبات الإلهة "سشات".
اقرأ أيضاً :
في الدولة الحديثة بدا مشهد أوضح لشكل المدرسة لدى المصريين القدماء، حيث وُجدت نصوص مدرسية حقيقية على أوراق البردي والقطع الحجرية والألواح الخشبية، كما وجدت كراسات لواجبات مدرسية داخل الحصة، وعُثر أيضًا على برديات توضح بعض نظريات التربية والتعليم وتُرغّب التلميذ في التعليم من أجل الوصول إلى مراتب عليا في القصر الملكي، وأغنيات تغنّوا بها للمعلم عرفانًا له.
وعثر العلماء على بقايا هذه المدارس، ولم تكن هناك قاعات للدرس فالتعليم كان تحت سماء مكشوفة. وكان التلاميذ يؤدون واجباتهم المدرسية على كَسْرِ الأواني الحجرية والجيرية لأنها الأرخص.
ومن تلك المدارس، المدرسة التي وُجدت خلف صالات المعبد الجنائزي لرمسيس الثاني غرب الأقصر.
اقرأ أيضاً:
_ هناك وثيقتان بهما إجابات عن التعليم في مصر القديمة: وثيقة «بتاح حتب» و«كاجمني»، ورغم العثور عليهما في الدولة الوسطى فإن «هيلموت برونر – hellmut Brunner» أرجعهما إلى الدولة القديمة -لأن صورة التربية بهما مختلفة عن طبيعة الدولة الوسطى- وبعض التعاليم والرسائل الأخرى التي وجدت على برديات مختلفة، وأحيانًا كسور من الحجارة، ومنها تعاليم «خيتي بن داووف»،
"لا شيء يعلو على الكتب، الإنسان الذي يسير وراء غيره لا يُصيب نجاحًا، ليتني أجعلك تحب الكتب، لا توجد مهنة من غير رئيس لها إلا مهنة الكاتب هو رئيس نفسه، إنّ يومًا تقضيه في المدرسة يعود عليك بالنفع"، جزء من تعاليم خيتي دواوف لابنه بيبي 1300 ق.م في مصر القديمة، يدل على مدى اهتمام الفراعنة بالعلم.
أطلق المصريون على المدرسة باللغة الهيروغليفية لفظ "بر - عنخ" وتعني بيت الحياة، وأحيانا يطلق عليها لفظ "عت سبا" وتعني مكان العلم، كما أطلقوا على المدرس لفظ "سباو" وتعني النجم أو المرشد أو الهادي
. اقرأ أيضاً :
اما بالنسبة للمناهج التعليمية اختلفت تبعا للمرحلة الدراسية، ففي المرحلة الأولى يتعلم التلميذ اللغة وقواعدها وطرق كتابتها، ثم يبدأ في مرحلة لاحقة ممارستها عن طريق نسخ الكتب للتدريب على الكتابة وتعلم بعض المعلومات الجغرافية والتاريخية البسيطة، وفي المرحلة الأخيرة يتعلم الطالب التعاليم الدينية، الفنية، والمهنية، وبعض العلوم مثل الجغرافيا والحساب والطب والفلك.
صنع المصري القديم العديد من أدوات الكتابة لتساعده على التعلم، من هذه الأدوات أوراق البردي التي صنعها من سيقان نبات البردي، استخدم أيضا رقائق الحجر الجيري، أو قطع الفخار المكسور التي تسمى "أوستراكا"، وهناك أيضا الألواح الخشبية، التي كان بالإمكان مسحها وتنظيفها لإعادة استخدامها، حيث تمثل سطحا جيدا للبيانات والحسابات، وكذلك النصوص الأدبية.
اما علاقة المعلم بالتلميذ فنقلها لنا أحد الخطابات من كاتب إلى معلمه يدعوه فيه إلى زيارته: «لقد صار قلبي متبرمًا ولكنني لا أستطيع أن أتحدث لك بهذا في الخطاب».
وكانت العلاقة أشبه بعلاقة الأب بابنه ولم تستخدم كلمة أطفال إلا من قبل رجال الدولة المقربين من الملك، وهناك إشارة لطيفة لشكوى طفل من بدايات الأسرة الـ18 يتعلم الكتابة، يقول فيها:
«لو أنه لا توجد مرضعات لارتاح قلبي، المرضعة تقول للطفل حين يبكي أنت شخص سيئ». والجدير بالذكر هنا أن المرضعة هي المرحلة السابقة للمدرسة وتعلّم الكتابة