12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

عزيزي البائس جدًا

2020/12/06 03:51 PM | المشاهدات: 558


عزيزي البائس جدًا
أحمد السندري

لا شك أنني وأنا أكتب هذه الكلمات الآن مفعم بالأمل، أشعر براحة وسكينة في داخلي، أجزم أن إفراز هرمون الدوبامين في رأسي أكثر من يومين مرّا، ربما لأنني أنتهيت من قراءة الرواية التي بدأت فيها قبل عشرين يومًا، وكنت غير منتظم في قراءتها، فيوم أقرأ، ويوم أو يومين لا، وعندما وصلت إلى الصفحة الأخيرة شعرت بإنجاز ما في حياتي، مما جعلني أشعر بشئ ما في داخلي جميل، وأجزم أيضًا أن هذا الإنجاز البسيط أسهم في تحفيز الغدة المفرزة لهرمون الدوبامين، كأن السعادة تسير مداعبة خلايا جسمي جميعها، ثم أقارن بين الآن وأمس، لقد حدث تغير تام في حالتي المزاجية، فأمس كنت أشعر بإحباط دون داعٍ لذلك، أكاد أفقد القدرة على تحريك جزء من جسمي، أو أشغل عقلي بفكرة ما تحتاج إلى تفكير واعٍ، أمس كنت لا أفعل شيئا حرفيًا، حتى أنني لم أتذكر أكنت أتنفس أم لا؟، من شدة سكوني وهدوء تنفسي وعدم يقظتي. 

 

اقرأ أيضا:من أين جاءت أمريكا؟

 

هناك حدث غير إتمام الرواية لاحظته ساعد في إفراز الهرمون أو أنه جعلني أخرج من حالة سكوني الباردة السلبية إلى حالة أتمتع فيها بكل شئ حولي، وأشعر فيها أن الحياة جميلة، فقد أعدت ترتيب مكتبي وطرد التراب الذي تجمع على الكتب الموضوعة عليه بعد أن نظفت الحجرة جيدًا، وهو العمل الذي أفعله بنفسي دائمًا، وكلما انتظرت أحدا من أفراد منزلي ليفعله، زادت طبقات التراب، وفي النهاية أنا الذي أقوم بهذا العمل، ورغم أنني أحيانًا أنتظر من ينظف لي حجرتي التي اعتدت فيها القراءة ومذاكرة المواد الدراسية إلا أنني لا أسكت عن ذم طريقة ترتيب الكتب على المكتب حال إذا قام أحد غيري بذلك، ويزداد الذم أكثر إذا تغير مكان المكتب، ولكنني لم أُهدَ كتاب وقد وُضعَت بين صفحاته وردة قد ذبلت، لكي أنهر من رتب المكتب دون علمي، وأقول له بإسلوب حاد ألا يقوم بترتيبه مرة أخرى، أو أنني حذرت مائة مرة قبل ذلك لا يدخل هنا أحد في عدم وجودي. 

 

اقرأ أيضا:علاقة الشباب بالطبيعة، هل هناك علاقة في الأصل؟

 

قرأت في كتاب لا أذكر اسمه للدكتور إبراهيم الفقي، أن سيدة في الثلاثينيات من عمرها على ما أذكر، اشتكت إليه مالها من الحياة، وأنها تعيش روتين ممل إلى درجة جعلتها لا تشعر بالحياة، فطلب منها أن تقوم بتنظيف سيارتها في إحدى المغسلات، ثم أن تذهب إلى بيتها فتعيد ترتيب الأشياء بعد تنظيفها، وإن أمكن تغيير ديكور المنزل، ثم لا تنسى أن تأتي بحزمة من الورود تضعها في المزهرية، ثم همّ ليسألها عمّا شعرت به بعد ذلك، ليكون ردها: لقد تخلصت من هذا الروتين القاتل، الذي كاد يقتلني، شكرا لك يا دكتور إبراهيم. 

 

قبل أن يقول لها ذلك، قد سألها عن حالها في البيت مع زوجها، وعن حالها في العمل، وعن مستوى المعيشة، فكان الجواب منها على كل هذه الأسئلة، ليس عندي شكوى غير أنني لا أشعر بالحياة وأنا في بيتي، أو عندما أقوم بعملي، فطلب منها أشياء بسيطها جعلتها تشعر بالحياة التي كانت لا تشعر بها. 

 

اقرأ أيضا:العِظَام يقاومون سيئةَ الأيام

 

وفي قولي إن ترتيب الكتب على المكتب تجعلني أشعر براحة، أتذكر قول أحدهم عن عدم ترتيب مكتب أينشتاين أن ذلك يدل على عبقرية ما لدى صاحبه وأن الفوضى تدل على شئ جميل بداخلك، لينفي ذلك القائل قول أينشتاين ويقول إن عدم ترتيب المكتب تدل على فوضى صاحبه وبلادته وأنه كسول جدًا، فيأتي رد أينشتاين ويسأل سؤالاً، إذا كان عدم الترتيب والفوضي تدل على غباء صاحبه أو شيئا من هذا القبيل، فعلى ماذا يدل المكتب الفارغ؟. كدت أعشق عدم ترتيب المكتب، وأجهز الجواب دائما حتى إذا نهرني أحد على فوضى مكتبي، فأقول إن أينشتاين كان يترك مكتبه هكذا، ثم أتراجع بسرعة عندما أشعر أن رد هذا الشخص الذي نهرني سيكون محرجًا : ما أنت وأينشتاين، ثم أخلع ثوب الكسل وأقوم بترتيب مكتبي فورًا.