12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

|شمس مصر|.. لعلك خلقت نفسك وأنت لا تدري

2022/09/23 04:58 AM | المشاهدات: 588


|شمس مصر|.. لعلك خلقت نفسك وأنت لا تدري
سارة سيد عثمان

 

هل رأيت قصرًا عظيمًا عاليًا، قد أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وهذا القصر قد امتلأ بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة فيه كل ما يحتاجه الساكنون فيه، ولكن قال لك قائل: هذا القصر قد أوجد نفسه، أو وُجد صدفة بدون موجد أوجده، فما ردك على هذا القائل؟

لا بد أن تٌكَذِّبَهُ وتقول له: هل يمكن للقصر أن يوجد نفسه؟ كيف ذلك؟ فقال لك: تجمعت الأحجار والرمال، وكونت القصر، ثم اختلط الرمل بلأسمنت ليغطي الجدران،ثم جاءت الألوان، والتصقت على الجدران، ثم..،ثم..،وانشقت الأرض وأخرجت الزروع والثمار من غير أن يغرسها غارس، وجاءت الأسلاك وأدخلت نفسها في الحيطان، وجاءت مفاتيح الكهرباء وثَبَّتَتْ نفسها كذلك في الجدران، وقبل أن يكمل حديثه تقاطعه -ولاشك في ذلك- قائلًا له: كُف عن هذا البهتان والهذيان! فلا يمكن أن يحدث ذلك أبدًا، بل الذي يقول هذا إما مجنون أو ...!

فها أنت..قد أنكرتَ أن يكون هذا القصر المحدود قد وُجِدَ صدفة أو أوجد نفسه، فماذا تقول فيمن يقولون: إن هذا الكون ليس له خالق، بل أوجدته الطبيعة، أو وُجِدَ بنفسه، هل يصدق ذلك أحد!. 

 

أقرأ أيضًا: |شمس مصر|.. النفس الأمارة بالسوء

 

تأمل أيضًا هذا الموقف:

دخل جماعة من الملحدين على الأمام أبي حنيفة -رضي الله عنه-، وهموا بقتله، فقال لهم: أجيبوني عن مسألة ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: هات، فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم:

إني رأيت سفينة مشحونة بلأحمال، مملوءة من الأثقال، وقد احتوتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية، ليس لها ملاح يُجريها، ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك في العقل؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل.

فقال أبو حنيفة: سبحان الله، إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مُجرٍ فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أطوالها وسعة أطرافها وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ؟ فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت، وأغمدوا سيوفهم، وتابوا.

 

أقرأ أيضًا: |شمس مصر|.. أسباب الوقوع فى الزنا

 

بمثل هذا الأسلوب نجد القرآن قد أبطل حجج الكافرين والمجادلين انظر مثلًا لقوله تعالى: "أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" [الطور:٣٥]

،فهؤلاء الكفار والمنكرون قطعًا وبلا شك لم يُوجدوا من غير رب خلقهم؛ لأن ذكر المخلوق دليل على وجود الخالق، وإلا فلماذا سُمي هو مخلوقًا؟ كما لو قُلت: هذا الطالب مضروب فلابد من وجود من ضربه، أو هذا الرجل وُجد مقتولًا في الشارع فهناك من قتله، كذلك لما نقول: الإنسان مخلوق فلا بد له من خالق، أم هو خلق نفسه؟

فلو كان قد خلق نفسه فلم يسمى مخلوقًا؟ فهؤلاء المنكرون الجاحدون لم يُخلقوا من غير شيء؛ لأن العقل ذاته يرفض أن يوجد شيء من غير موجد..هذا هو الشق الأول من الآية.

أما الشق الثاني: "أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" وهذا الاحتمال أشد في البطلان من السابق؛ لأنهم وبلا شك لم يخلقوا أنفسهم،فلم يقل ولن يقول أحد مهما بلغ من القوة والسلطان والجبروت: أنا خلقت نفسي أو خلقت أحد من المخلوقات.

وهذه الآية الكريمة كانت سببًا في إسلام جبير بن مطعم -رضي الله عنه- لما سمعها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولنستمع إليه وهو يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية:

"أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هًمُ الْخَالِقُونَ [35] أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [36] أًمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون" {الطور:٣٥-٣٧}، كاد قلبي أن يطير.

 

أقرأ أيضًا: |شمس مصر|.. خطورة السب واللعن

 

فالله وحده الخالق المالك المدبر لإمور هذا الكون كلها، وبالتالي فهو وحده الذي يستحق العبادة؛ فلا يصرف المسلم شيئًا من عبادته لغير خالقه ومالكه -سبحانه وتعالى-، ولذا لما سئٌل أعرابي: ما الدليل على وجود الرب -سبحانه وتعالى-؟ فقال: يا سبحان الله! إن البعر ليدل على البعير (أي: لو رأى الماشي بعرًا في الطريق -وهو ما يخرج من الحيوانات- لعلم بسير البعير على الطريق)، وإن الأثر ليدل على المسير ( أي: أثر الأقدام)، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير!

 

والأدلة على وجوده -سبحانه وتعالى- أكثر من أن تحصى، ولسنا في حاجة لذكرها؛ لأننا لا نشك في وجوده سبحانه وتعالى-،ولكنها زيادة في الإيمان واليقين، ورد على المخالفين المنكرين الملحدين.

 

يتبع.