12:00 | 12 مايو 2017
رئيس مجلس الإدارة
الإشراف العام
محمد عشماوي
رئيس التحرير
منى الطراوي

[شمس مصر ] عودة الملكية فى فرنسا "الجزء الثانى"

2022/02/17 06:30 PM | المشاهدات: 152


[شمس مصر ] عودة الملكية فى فرنسا "الجزء الثانى"
منار سعيد

ورأت فرنسا أن لابد لأوربا بأكملها(بل العالم كله) أن تعتنق النظام الجمهوري ، وتدفق شباب فرنسا إلى جيوش الجمهورية ، وانتشر في طول البلاد وعرضها نشيد جديد عجيب هو المارسلييز الذي لا يزال يلهب الدماء في العروق فانهارت الجيوش الأجنبية ورجعت تتقهقر أمام ذلك النشيد الحماسي والطوابير الفرنسية الوثابة من حملة السونـكى ومدافعهم التي تديرها حماستهم المتولدة ؛ فلم تكد ۱۷۹۲ تقارب نهايتها حتى صارت الجنود الفرنسية بمواضع أبعد كثيرا من كل ما بلغته فتوح لويس الرابع عشر ؛ إذ كانوا يقفون في كل مكان على أرض أجنبية غير فرنسية . فهم يحتلون مدينة بروكسل ، وهم يجتاحون مملكة سافوى ، وهم يتقدمون فيشنون الغارة على مايانس ، وهم قد استولوا على إقليم نهر الشلت من هولندا وعند ذلك ارتكبت الحكومة الفرنسية حماقة لا تغتفر ، إذ أحنقها طرد ممثلها من انجلتره عند قتل لويس ، فأعلنت الحرب على انجلترا وتلك حماقة لم يكن لها من ضرورة ، وذلك لأن الثورة التي منحت فرنساجيشًا من المشاة شديد التحمس ومدفعية نابهة مبرأة من ضباطها الأرستقراطيين ومن كثير من الظروف المعوقة للتقدم ، قد دمرت نظام البحرية الفرنسية ، وكان للانجليز التفوق الطلق في البحر وإزاء ذلك التحدي والاستهزاء اتحدت مملكة انجلترا بأكملها ضد فرنسا بعد أن ظهرت ببريطانيا حركة ضخمة تدعو إلى التسامح مع الثورة والعطف عليهاولا يتسع المقام لذكر تفاصيل القتال الذي نشب بين فرنسا في السنوات القليلة التالية وبين تحالف تكون ضدها من الدول الأوربية وبحسبنا أنها طردت النمسويين إلى الأبد من بلجيكا ، وأنها حولت هولندة إلى جمهورية . وسلم الأسطول الهولندي وقد تجمد من حوله الماء في نهر تكسل Texel ، لحفنة من الخيالة الفرنسيين دون أن يطلق قذيفة واحدة من مدافعه . وصدت هجات الفرنسيين على إيطاليا من الزمان ، فلم يتهيأ لها تقدم إلا في 1796 عند ما عين قائد جديد هو الجنرال نابليون بونابرت لقيادة الجيوش الجمهورية الجائدة المهلهلة الثياب إلى ميادين النصر بإيطاليا ، فاخترق بيدمونت إلى مانتوا وفيرونا يقول أتكنسون

« إن أشد ما أدهش الحلفاء هو عدد هؤلاء الجمهوريين وسرعة حركاتهم . وذلك أن الواقع أن هذه الجيوش المرتجلة ارتجالا لم يكن ثمة شيء يستطيع أن يعوق تقدمها إذ لم يكن لديها خيام لقلة ما لدى الجمهورية من نقود ، ولو وجدت لما كان من الممكن نقلها لاحتياجها عندئذ إلى عدد هائل من العربات ، التي ربما لزمت كما كانت في الوقت نفسه غير ضرورية ، وذلك لأن المتاعب التي كانت تدعو إلى قرار الجند بالجملة من الجندية في الجيوش القديمة المحترفة كان يتحملها بالسرور التام رجال فرنسا في عام 1793 ١٧٩٤ . ولم يكن معقولا أن يستطاع نقل مؤن لجيوش لم يسمع الناس بمثل حجمها حتى ذلك الحين ، وسرعان ما تعلم الفرنسيون أن يعيشوا على حساب البلاد التي يحلون بها . وهكذا شهدت ۱۷۹۳ مولد طريقة الحرب العصرية : سرعة الحركة وتطور كامل للقوة القومية وعسكرة الجنود بلا خيام في العراء ، وعبثهم على حساب الأهالي واعتمادهم على القوة بدلا من المداورات الحذرة والجيوش الصغيرة المحترفة والخيام والأطعمة والجرايات الكاملة والتلاعب والخداع . فالجيوش الأولى تمثل الروح التي تستلزم حسم الأمر على الفور ، والجيوش الثانية تمثل روح المخاطرة بالقليل في سبيل القليل .

 

وبينما كانت هذه الجيوش الرثة الثياب من المتحمسين تنشد المارسيلييز وتقاتل في سبيل فرنسا La France دون أن يتضح لأذهانها تماما ما إذا كانت تنهب البلاد التي تدفقت فيها أو تحررها ، كانت الحماسة الجمهورية بباريس تتلاشى بصورة مزرية بمجدها وكرامتها ، ذلك أن الثورة قد أصبحت آنذاك تحت سلطان زعيم شديد التعصب ، هو روبسبير ومن العسير علينا أن نقضى في هذا الرجل برأي ؛ فإنه كان رجلا ضعيف البنية جبانا بفطرته مغتراً مزهوا بنفسه . ولكنه أولى ألزم الصفات لبلوغ القوة ، وهى الإيمان . فراح يعمل على إنقاذ الجمهورية على الصورة التي خيلها إليه تصوره ، كما أنه كان يتوهم أنه لا منقذ لها إلا شخصه هو ومن ثم أصبحت عقيدته الراسخة أن بقاءه في الحكم هو السبيل لإنقاذ الجمهورية ، وخيل إليه أن الروح الحي للجمهورية قد نشأ عن تذبيح المكيين وإعدام الملك ، وتصادف أن قامت بالبلاد بعض الفتن ، ثبت إحداها في الغرب بمنطقة لافنديه La Vendee ، حيث ثار الأهالي بزعامة بعض النبلاء ورجال الدين احتجاجا على أخذهم جنوداً في الجيش ، وعلى حرمان رجال الدين المتمسكين بعقيدة السلف الصالح من أملاكهم وهبت ثورة أخرى في الجنوب، حيث تمردت ليون ومرسيليا ، وسمح أنصار الملكية في طولون لحامية إنجليزية وإسبانية بالنزول برا فلم يكن لدى روبسبيير فيما يبدو من رد فعل على ذلك إلا مواصلة إعدام أنصار الملكية .

 

اقرأ أيضًا : |شمس مصر|.. البرابرة يشطرون الإمبراطورية  

 

وابتدأت محكمة الثورة عملها ، وابتدأ بذلك سيل منهمر من الذبح والتقتيل ، وجاء اختراع المقصلة ( الجيلوتين ) في أنسب الأوقات لهذه النزعة الدموية فأعدمت الملكة بالمقصلة ، وكذلك أعدم معظم خصوم روبسبير بالقصلة ، وأعدم بالمقصلة أيضاً كل كافر أنكر وجود الكائن الأعلى « الذي اتخذه روبسبير ربا » ؛ وانقضت الأيام يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع ، وهذه الآلة الجهنمية الجديدة تحز الرءوس بعد الرءوس وتقول هل من مزيد ! ولا إخال إلا أن حكم روبسبيير كان يعيش على الدم ؛ ولا يزال يطلب المزيد منه فالمزيد ، كمدمن الأفيون حين يطلب منه المزيد فالمزيد وأخيراً جاء دور روبسبير نفسه فعزل وأعدم بالمقصلة نفسها في صيف 1794 ، وخلفته حكومة إدارة مكونة من خمسة رجال واصلت الحرب الدفاعية في الخارج وجمعت كاة فرنسا في الداخل مدة خمس سنوات . وكان حكمهم أشبه الأشياء بفاصل عجيب وسط أحداث هذا التاريخ الحافل بالتغيرات العنيفة . فتناولوا الأمور كما وجدوها ، وفى عهدهم دفعت حمية الدعاية للثورة الجيوش الفرنسية إلى هولندا وبلجيكا وسويسرا وجنوب ألمانيا وشمال إيطاليا . فكان الملوك يطردون في كل مكان وتقام في مكانهم الجمهوريات. ولكن حمية الدعاية التي كانت تشعلها حكومة الإدارة لم تحل دون انتهاب كنوز الشعوب المحررة ، ابتغاء تخفيف الضائقة المالية التي نزلت بالحكومة الفرنسية . وما لبثت حروبهم أن انحطت رويدًا رويدًا عن مرتبة الحرب المقدسة من أجل الحرية، وشابهت أكثر فأكثر الحروب العدوانية المعروفة عن العهود القديمة . وكانت تقاليد السياسة الخارجية آخر ما كانت فرنسا تريد التخلص منه من مظاهر الملكية العظمى فأنت ترى تلك التقاليد في أيام حكومة الإدارة قوية عاتية كأنها لم تكن هناك أية ثورة ومن سوء حظ فرنسا والعالم كله ظهور رجل تركزت فيه إلى أقصى حد أنانية الفرنسيين القومية هذه فلم يكن منه إلا أن وهب تلك الدولة عشر سنوات من المجد ثم ختمها بمذلة الهزيمة النهائية .

 

اقرأ أيضًا: |شمس مصر|.. آثار المحلة الكبرى

 

 ولم يكن ذلك الرجل سوى نابليون بونابرت عينه الذي قاد جيوش حكومة الإدارة إلى ساحات النصر بإيطاليا ظل هذا الرجل طيلة السنوات الخمس لحكومة الإدارة يعمل لحسابه الخاص ويدبر الخطط لرفع شأن نفسه وأخذ يرقى بالتدريج إلى منزلة الصدارة والقوة العلمية حيث كان فهمه محدود إلى درجة كبيرة، ولكنه كان صاحب همة عظيمة ، قصدا إلى هدفه بصورة مباشرة لا تساهل فيها ولا هوادة بدأ حياته نصير متطرفا لمدرسة روبسبير؛ فهومدین بترقياته الأولى إلى انحيازه إليها . ولكن أنى له أن يدرك إن تلك القوى الجديدة التي كانت تعمل عملها في أوربا ، فإن قصارى تصوراته في السياسة لم ترتفع به إلا إلى بالقيام بمحاولة بالية زائفة لاسترجاع الإمبراطورية الرومانية الغربية ، فحاول أن يدمر البقية الباقية من الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، قاصدا أن يستبدل بها أخرى مركزها باريس ، واضطر الإمبراطور في فيينا أن يتخلى عن لقب إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة مكتفيا بلقبه الأصلى كامبراطور للنمسا فقط . وطلق نابليون زوجته الفرنسيةليتزوج من أميرة نمسوية أصبح بالفعل عاهلا لارنسا حين عين قنصلا في 1799 ، كما جعل نفسه إمبراطوراً لفرنسا في ١٨٠٤ محاكاة منه لشرلمان مباشرة . وتوجه البابا بباريس ، حيث تناول منه التاج ووضعه بنفسه على رأسه كما أوصى شرلمـان . وتوج ابنه ملسكا على روما . وانقضت بضع سنين كان نابليون ينتقل في أثنائها من نصر إلى نصر . فتح معظم إيطاليا وإسبانيا ، ودحر بروسيا والنمسا ، وتسلط على كل أوربا ولكنه لم يفز قط بانتزاع منصب السيادة على البحر من يدالبريطانيين ، ولقيت أساطيله هنية نهائية فاصلة على يد الأميرال نلسن البريطاني في موقعـة الطرف الآخر ( 1805 ) . وثارت إسبانيا عليه في 1808 ، وراح جيش بريطاني بقيادة ولنجتن يدفع الجيوش الفرنسية بطء نحو الشمال حق طردها من شبه جزيرة أيبيريا ، وفى ۱۸۱۱ دب دبيب الخلاف بين نابليون وبين القيصر إسكندر الأول ، ثم غزا الروسيا في ١٨١٢ بجيش عظيم مخاط عدته (٦٠٠١٠٠٠) ستمائة ألف رجل ، وهى حملة هزمها الروس بمعاونة شتاء بلادهم القارس ودمروها إلى حد كبير وعندئذ شقت ألمانيا عصا الطاعة عليه ، وانقلبت السويد عليه فارتدت الجيوش الفرنسية منهزمة كسيرة الجناح ، واضطر نابليون إلى التنازل عن العرش في فونتينبلو ( 1814 ) فنفى إلى جزيرة إلبا ، ثم عاد إلى فرنسا لبذل آخر مهم في جعبته في 1815 ، ولكنه هزم في اترلو على يد جيوش الحلفاء من بريطانيين وبروسيين وبلجيكيين لقد تبددت القوى التي أطلقتها الثورة الفرنسية من عقالها وذهبت أدراج الرياح ، والتأم بمدينة فيينا مؤتمر عظيم للحلفاء الظافرين يستهدف أن يعيد جهد المستطاع الظروف التي مزقتها الزوبعة العظيمة كل ممزق وأسفر المؤتمر عن احتفاظ اوربد مدة تقارب الأربعين عاماً بنوع من السلام الناجم عن تبدد القوى وتشتت الجهد .

اقرأ أيضًا: شمس مصر|.. أهرامات دهشور الثلاثة