بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ
فإن قسوة القلب مرض عضال لا يأتي بخير أبدًا وقد بين لنا النبى ﷺ علاج هذا المرض، فعن أبي الدرداء قال أتى النبى ﷺ رجل يشكو قسوة القلب فقال له النبي (أتحب أن يلين قلب وتدرك حاجتك ارحم المسكين وامسح رأسه واطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك) الطبراني وأحمد وصححه الألباني
ومن خلال هذا الهدي النبوي نرى أن الاسلام قد اهتم بالضعفاء اهتمامًا بالغًا وجعل الرفق والرحمة بهم علاج لأصحاب القلوب القاسية، ومن شدة حرصه على اليتامى نرى أن مادة اليتيم ذكرت في القرآن في ثلاث وعشرين موضعًا مما يدل على بالغ الاهتمام كلها تأمر بالصلاح والإصلاح لليتامى.
اقرأ أيضًا:-|شمس مصر|.. الحفاظ على الهُويَّة
كما أن كفالة اليتامى ورعايتهم خلق نبوي، فنبي الله زكريا قد تنافس مع عباد بني إسرائيل على شرف رعاية مريم بعد موت أبيها عمران (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ ) [آل عمران37]
والنبي ﷺ قد تكفل برعاية أبناء جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده يوم مؤتة فلما جاءت زوجته تشكو إلى النبي ﷺ الفقر والحاجة قال (العيلة-أي الفقر-والحاجة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) أحمد
وعن عبد الله بن جعفر قال مر بنا النبي ﷺ ونحن صبيان نلعب وهو على دابة له فقال (ارفعوا هذا إلىّ) قال فحملني أمامه ثم مسح على رأسي ثلاثًا وكلما مسح قال (اللهم اخلف جعفرًا في ولده)
ونرى نبي الله موسى والخضر يقومان الجدار رعاية لأموال الأيتام مع ما كان من لؤم القرية معهما (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82 ) الكهف
اقرأ أيضًا:-|شمس مصر|.. عمر بن الخطاب
اليتيم في القرآن:- لقد عُني القرآن باليتيم في شتى المجالات وأمر بالإصلاح له في جميع جوانب الحياة قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220 ) البقرة
الإصلاح والرعاية النفسية:- فأمر بالبر والرحمة ونهى عن احتقارهم وإهانتهم فقال مخاطبًا نبيه ﷺ ومعلمًا للأمة كلها (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) )الضحى، أي ﻻ تظلمه وﻻ تحقره وﻻ تمنعه حقه الذي عندك، بل عد من يفعل ذلك مع من يكذب بالدين فقال (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ) الماعون، يدفعه دفعًا عنيفًا ويرده ردًا قبيحًا ويزجره إذا طلب منه شيء ومن أجمل الوصية باليتيم قال النبي ﷺ (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه) ابن ماجه
وبشر النبي ﷺ كافل اليتيم بالخير العظيم فقال (من أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) وقرن بين اصبعيه السبابه والوسطى كما عنف القرآن أولئك الذين منعوا اليتامى حقوقهم في الاكرام فقال تعالى ( كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (17) الفجر أي ﻻ تحسنون إليهم
اقرأ أيضًا:-|شمس مصر|.. فضل قيام الليل
بل قرن الله عز وجل بين إفراده بالعبودية والامر بالإحسان إلى اليتامى فقال (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (36) النساء
ثانيًا:- الصلاح والرعاية المادية لليتامى:- فقد أمر بالمحافظة عليها في عدة صور
1:-حرمة التصرف في أموالهم إلا بالحق فقال تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ) الأنعام
2:-وعيد شديد لمن أخذ من أموالهم شيء بغير حق (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) ) النساء
3:-دفع نصيبهم من الميراث إليهم وعدم الطمع فيه قال تعالى (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) النساء
4:-حث الأوصياء الأغنياء بالتعفف عن أموالهم والفقراء بالأخذ بالمعروف فقال (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) النساء6
5:-حرص على اختبارهم قبل إعطائهم أموالهم فقال تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ) النساء6
5:-إذا لم يكن له مال أمر أن ننفق عليه من مالنا فقال تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة 177
جزاء المحسن إلى اليتامى:-
1:-لين القلب كما في الحديث
2:-النجاة من عذاب النار قال تعالى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) )البلد، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الإنسان
3:-مرافقة النبي ﷺ في الجنة قال النبي ﷺ (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا وقال النبي ﷺ (أنا أول من يفتح له باب الجنة إلا أنه تأتى امرأة تبادرني فاقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي -وفي رواية- أنا امرأة مات زوجي وترك علىّ أولادًا فقعدت اربيهم)
اقرأ أيضًا:- |شمس مصر|.. فضل الصبر على القضاء