أرسل الله ﷻ الرسل للبشرية مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب والبيّنات، وبيّن لهم منهج الدعوة وطرائقها، فأدّوا الرسالة وبلّغوا الأمانة، ولمّا كانت الدّعوة الإسلامية آخر رسالةٍ إلهيةٍ، وكتب الله على رسوله ﷺ الموت كانت الأمّة مكلّفةً بحمل الرسالة وتبليغها للناس من بعده، وقد نشط أهل العلم في بيان أساليب الدعوة المؤثرة، وأوضحوا الصفات الواجب توفّرها في الداعية إلى الله، واستنبطوا ذلك من سير الأنبياء والرسل وحالهم مع أقوامهم، ولعلّ السيرة الدّعوية للنبي القائد عليه السلام كانت أقرب مثالٍ وأفضل شاهدٍ على تلك الصفات، والمستقرء لمنهج رسول الله ﷺ في الدعوة يجد أنّ منهج القدوة قد شكّل أصلاً أصيلاً في تربية الناس على العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق القويمة، ويظهر السؤال عن أهمية هذا المنهج في إحداث التأثير في المدعوين، وعن موقف الشرع الحكيم من مخالفة الداعية لما يدعو الناس إليه، خاصةً مع كثرة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال التي كشفت للنّاس عن عددٍ كبيرٍ من الدّعاة وأصحاب المواعظ.
تنبية:
إختيار القدوة الحسنة تقتضي الاقتداء بمن هم يمتازون بالأخلاق الفاضلة وأصحاب العلم والفكر والدين، حيث إنّ المقتدي غالباً ما يكون لديه حب وإعجاب بالشخص الذي يقتدي به فيصبح كالتابع له.
لقد حثّ الإسلام على الاقتداء بالرسول قال ﷻ: (لقدْ كان لكمْ في رسول اللّه أسْوة حسنة لمنْ كان يرْجو اللّه والْيوْم الْآخر وذكر اللّه كثيرًا)؛ فهو القدوة الحسنة للمسلمين في جميع وجهات حياتهم، فالتأسي بالنبي يؤدّي بالمسلم إلى دخول الجّنة وكسب رضى الله تعالى، بينما الاقتداء والتأسي بمن هم غير النبي ويخالفونه فلا يحصد من يقتدي بهم إلّا الخسران في الدنيا والآخرة والخلود في نار جهنم.
إقرأ أيضًا/عيد الفطر
شرح التعريف:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله:-
حضّ الإسلام المسلمين على التزام الصدق والتحلي به في أحوالهم ومواقفهم كلّها، ولعلّ نهي الإنسان عن خُلقٍ وإتيانه أمرٌ منافٍ للصدق، وقد وضّح العلماء الموقف ممّن يعظِ النّاس بما لا يفعله، وبيانه على النحو الآتي:-
لقد شنّع القرآن الكريم على أولئك الذين يأمرون الناس بالخير ولا يفعلونه، وينهوهم عن الشر وهم واقعون فيه، قال الله ﷻ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، وأهل الإيمان لا تليق بهم هذه الحالة المذمومة؛ إذ الأصل بمن يأمر بالمعروف أن يكون أولى الناس بالتزامه، والناهي عن المنكر أبعد ما يكون عنه، والآية وإن كانت قد نزلت فيمن قالوا لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا بها، فلما علموا لم يعملوا فجاءهم التوبيخ من الله، إلا أنّ العبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي تدل كذلك على كلّ من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ويأتيه، وفي هذا يقول اللهﷻ: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).وحال الأنبياء مع أقوامهم هو المنهج القويم لكلّ من تولّى مهمّة الدعوة والنصح، وقد سطّر القرآن الكريم منهج القدوة في الدعوة على لسان (شعيب عليه السلام) وهو يحاجج قومه،في قولهﷻ: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
إقرأ أيضًا/استمرار طاعه الله
أثر التزام الداعية بما يدعو:-
لقد شكّل منهج القدوة في الحياة الدعوية للنبي ﷺ دافعاً للإقبال والاستقامة على أمر الدين، وهذا يؤكّد أنّ التزام الداعية بما يدعو إليه له بالغ الأثر فيهم، فمن آثاره:-
تأثير القدوة الحسنة ينتقل من الداعية إلى المدعو، سواء كان التأثير مقصوداً أو عفوياً، وهذه الميزة تمنح أسلوب الدعوة بالقدوة الاستمرارية في التأثير، الأمر الذي يجعل الدّاعية يحاسب ويراقب سلوكياته بشكلٍ مستمرٍّ.
القدوة الحسنة دعوةٌ غير مباشرةٍ، وهي بهذا المعنى توافق أطباع المدعوين الذين يرفضون النصح المباشر والدعوة بالموعظة، بينما تشكّل القدوة الحسنة دعوةً عمليةً نافذةً إلى قلوب هؤلاء، فربما كانت سبباً في هدايتهم واستقامتهم على الحقّ دون مؤثرٍ خارجيٍّ مباشرٍ
القدوة الصادقة تقع في نفوس الناس موقع الرضا، وهذا بلا شك له أثره البالغ في قبول الدعوة، فهي تدلّ على صدق الداعي، ومدى إيمانه بما يدعو إليه، والناس في هذا العصر أحوج إلى الدعوة العملية والنماذج الفاضلة من غيرها.
إقرأ أيضًا/المن والسلوى